أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - قراءة في رواية -كفر هلال، رجال أتلفها الهوى-















المزيد.....

قراءة في رواية -كفر هلال، رجال أتلفها الهوى-


هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية

(Howaida Saleh)


الحوار المتمدن-العدد: 8103 - 2024 / 9 / 17 - 17:32
المحور: الادب والفن
    


رواية "كفر هلال، رجال أتلفها الهوى " .. رؤية سردية مغايرة للريف وأساطيره

د. محمد سليم شوشة ـ القاهرة

تقارب رواية كفر هلال الصادرة مؤخرا عن دار بتانة للروائي المصري المتميز سعيد نوح عالم الريف بكثافته ورموزه وأنماطه من منظور مغاير، يتجرد الريف من مثاليته وتصبح القرية عالما زاخرا بالأنماط والنماذج الإنسانية النابضة والحيوية بكل ما فيها من الجموح والجنون والهوى والرغبة والطموح والخير والشر، بكل ما فيها من الحيوية والحركة المدفوعة إما من داخل الذات أو خارجها لسياقات تضج بالمأساة والتحولات التاريخية والحضارية التي تجعل البشر نهرا متحركا في فضاء الزمن بشكل من الاندفاع الأبدي اللانهائي.
تقارب هذه التجربة السردية عالما مغايرا في كثير من الجوانب والأبعاد للسائد عن سرديات الريف وزوايا رصده في الإبداع الأدبي السابق، ربما تقترب بدرجة ما من ذلك الميراث الواقعي والإنساني الذي رسخ له يوسف إدريس، ولكنه هنا يأتي انعكاسا لمعطيات اللحظة الحضارية الراهنة وبخاصة فيما يتصل بالشكل السردي وتطوراته وتحولاته الجذرية عن ذلك النمط الكلاسيكي الذي كان سائدا في الخمسينيات والستينيات حين كتب إدريس الحرام والنداهة وغيرها. هنا يتجاوب سعيد نوح مع معطيات السياقين الأدبي والثقافي الراهنين، فيشكل خطابه السردي وفق إحداثياته الخاصة بما يمنح الخصوصية والتميز والاختلاف ويشكل قيمه الجمالية والدلالية التي تتسم بالمرونة والقابلية للاختلاف في التأويل بحسب حالة التلقي وأنواعه ومستوياته.
في هذا العالم الروائي الثري والحافل بالحركة وتقاطعات المصائر والأقدار، بين الجمال والقبح والقوة والضعف والفقر والغنى يلمس القارئ أنه بداخل عالم أسطوري تتأرجح نماذجه بين الألفة والغرابة، بعضها يبدو قريبا مما هو راسخ ومألوف في ذهن المتلقي وخلفيته المعرفية، وبعضها يبدو أسطوريا حافلا بالغرابة والدهشة والطابع العجائبي، نماذج تتأرجح بين الانضباط والعمل والطموح والاجتهاد والعطاء والحب وأخرى وهبت نفسها للهوى وأسلمت نفسها لجموح الرغبة والغواية والكراهية والقتل.
لا يبدو الحدث شيئا محوريا أو الغاية الأساسية من الخطاب السردي، ولا يصبح هو بؤرة الوعي ومناط التركيز، بل يصبح تأمل الإنسان ومحاولة قراءته ومحاولة كتابة تاريخه أو تاريخ المكان عبره هو الغاية الأساسية والدافع النفسي العميق وراء تشكيل مثل هذا الخطاب السردي.
وعبر تأمل ملامح البنية السردية نجد أن كل فصل يدور حول سؤال عن شخصية معينة من شخصيات القرية، والسؤال غالبا ما يكون مرتبطا برؤية تأملية وبحكمة معينة تتبلور غالبا في أول كل فاصل سردي. ومن هذا السؤال أو تلك الرؤية التأملية والبحث عن الحكمة والعظة الإنسانية نجد أن الراوي يأخذ شكل الباحث والمنقب في سير الشخصيات وتاريخهم عبر التلقيب في محتويات الذاكرة إن جاز التعبير أو عبر مساءلة العارفين بمصائر البشر أو تنقيح الروايات وعرضها ومقارنتها ببعضها في نوع من التمحيص أو الموازنة بينها فيما يشكل نمطا جديدا من الخطاب السردي المبتعد عن التسلط أو الدلالة الجامدة، بل تمنح المتلقي ثغرات للنفوذ بعقله بين هذه المرويات واختيار بعضها أو الاطمئنان لها ولو دون وعي، فتتشكل دوائر صغيرة داخلية من الرواة الفرعيين الذين يتحملون مسئولية نقل الخبر، بعيدا عن ذلك النمط من الراوي الفردي العليم بكل التفاصيل، فيما يقربنا بدرجة ما من نموذج جامع السير الشعبية ولكن دون ارتباط مباشر، بل يتم ذلك عبر التماسّ الروحي والجوهري.
من ناحية البنية السردية كذلك سنجد أن هناك توزيعا مختلفا لبنية الحكايات والقصص الفرعية لكل شخصية، إذ لا تتصل حكاية كل شخصية بكامل بنيتها وتفاصيلها في فصل كما قد يبدو من التقسيم الذي يبحث وراء كل شخصية، بل الواقع أن القصص تتفتت وتتقاطع مع بعضها، وتتداخل على نحو ما يحدث مع القصص في الحياة الطبيعية، وهو ما يجعل توزيع المادة السردية متسما بأكبر قدر من العفوية والابتعاد عن الاصطناع الفني الذي يكون مطلوبا لتشكيل الخطاب الأدبي، بل يبدو السرد في مجمله أقرب لحوارات وأسئلة وتداع للذكريات واسترجاع لها بين الراوي ونفسه أو مع أحد الشخصيات الأخرى في جلسات من النميمة أو السمر.
تجسد المادة السردية وتقارب عالما يهيمن عليه السقوط ومرارة الألم بالنسبة لغالبية الأنماط والنماذج الإنسانية، في فترات زمنية تبدو قاسية أو حافلة بالتحولات السياسية وتبدلات الحياة بالهجرة الداخلية الناجمة عن عوامل كثيرة مثل الفقر أو البحث عن العمل والرزق، ويتشكل العالم الروائي من نسقين ينتظمان أنماط الشخصيات بين الوافدين على الكفر وغيرهم من العائلات الثابتة أو الراسخة فيه، ومن هذين النمطين تتشكل بعض دوائر الصراع وحالات الشد والجذب والتفاعل الدرامي الناجم عن التباين في العادات والتقاليد والأخلاق أو محاولات الاستغلال والإفادة من هؤلاء الوافدين واستثمارهم في العمل أو الارتباط بهم بالزواج والعلاقات الاجتماعية.
يطرح هذا العالم الروائي الثري أنماطا كثيرة بين من الرجال والنساء بما فيهم من الضعف والقوة والمغامرة أو الغباء والذكاء والوعي، بين الشجاعة والجبن وغيرها من الصفات بما يمنح عالما ثريا وحافلا بالحركة من الكسب والكسل والحب والخيانة والخطيئة والعنف وغيرها الكثير من الأحداث والتقلبات. ويصور الخطاب السردي النماذج الريفية تصويرا مرهفا دقيقا يتتبع صفاتها وملامحها من الداخل، كما لو كانت هذه الشخصيات يتم رصدها أولا عبر بنيتيها الذهنية والنفسية دون إهمال أو تجاهل للصفات الجسدية أو الحسية المادية، بل يأتي كل ذلك في حال من الاندماج والتكامل، وكأن الشخصية مصبوبة بتكوينها وحقيقتها في وعي الراوي ووجدانه حتى لتبدو بعضها راسخة مثل معلم تاريخي، ومثال ذلك شخصية نرجس بجمالها وفتنتها وحظها السيء وتاريخها الأسري البائس، لتكون جسرا رمزيا بين عالمي الراسخين في الكفر من عائلاته العريقة والوافدين بعجزهم وضعفهم وأحيانا غبائهم، وكأن كل مهاجر من قريته إنما كان يحركه قلة حِيَلِه وضعف إمكاناته.
وتبدو مصائر بعض الشخصيات وربما كثير منها مأساوية سواء من الرجال بميلهم إلى الهوى والرغبة في المتعة والتقليد مع قلة الوعي والثقافة، أما المصائر المأساوية للنساء فغالبا ما تكون ناتجة عن سوء الحظ في الحب وغواية الرجال لهن، في حين تبدو كثير من الشخصيات النسائية مالكة للقدرة وغير مسلوبة الإرادة، بل بعضها فاعل ومؤثر ويحرك الأحداث سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وفي مستوى لغة الخطاب السردي نجد أن هناك تميزا في الموازنة بين لغة الإبداع الأدبي والطموح في تجسيد لغة الحياة الريفية بنبضها وعلاماتها البارزة من الأمثال والاشتقاقات والمفردات الخاصة والتراكيب اللغوية الخاصة التي تملك القدرة على الاختزال الدلالي ونقل المشاعر وتجسيدها عبر أقل الكلمات على نحو ما نجد من توظيف الخطاب لبعض الأمثال أو الأغاني الشعبية أو المفردات مثل مفردة (المخفي)، ومحاولة استثمار أقصى ما تملك من طاقات إيحائية والتعبير عن سياقات بعضها يكون متباينا، فهي قد يكون مقصودا بها شخص مجرم لا يريدون تذكره أو تثبيته في الذاكرة والوجدان الجمعي، وكأن الكلمة أقرب لأن تكون تعويذة سحرية يخفون بها الشخص ويحذفون من عالمهم، وفي بعض الأحيان تستخدم في سياق مختلف نسبيا بأن تكون نمطا من القياس الهزلي أو الفكاهي على الاستخدام السابق الذي هو أكثر رسوخا، فيكون المقصود بها نوعا من التشبيه أو السخرية الفكاهية.
والحقيقة أن سرد الرواية حافل بالفكاهة الممتزجة بالمأساة في ذوبان كامل هو في الأساس انعكاس لذوبان ملامح هذه الحياة بكل أ[عادها وتفاصيلها.



#هويدا_صالح (هاشتاغ)       Howaida_Saleh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء الاصطناعي وكتابة الشعر
- الأفروسنتريك والحقوق التاريخية المزيفة!
- الوجه الأنثوي للثورة المصرية
- -هامنت- الرواية التي جسّدت سيرة حياة ابن شكسبير
- حين يحول الإرهابيون الرأي إلى رصاصة تغتالنا!
- عبد الناصر الحي الباقي في قلوب الشعوب
- متى يتوقف المصريون عن لوم عبد الناصر على معاناتهم؟!
- فاز محمد صلاح وأخفقنا نحن!
- يوميات امرأة في ميدان التحرير
- في كراهية خطابات الصهاينة العرب ..يوسف زيدان وخطاب مغازلة ال ...
- الخطاب الغلافي في رواية العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء لل ...
- انتظار الذي لا يأتي في رواية سعيدة هانم ويوم غد من السنة الم ...
- ملتقى الشباب في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الثامنة ...
- جسد ضيق أم روح متمردة لهويدا صالح ..قراءة د. سيد نجم
- رواية جسد ضيق لهويدا صالح ..مقال لممدوح النابي
- ممرات الفقد: فتنة الجسد وبلاغته ، مقال الناقد السوداني زهير ...
- جماليات العرض في باليه فتاة متحررة وباليه جيزيل ..قراءة مقار ...
- رواية جسد ضيق وكشف المسكوت عنه في حياة الراهبات مقال دكتور ...
- مقال الناقد سيد الوكيل عن رواية جسد ضيق
- الشغف المصري في كتاب فرغلي عبد الحفيظ


المزيد.....




- سيدني سويني وأماندا سيفريد تلعبان دور البطولة في فيلم مقتبس ...
- فشلت في العثور على والدتها وأختها تزوجت من طليقها.. الممثلة ...
- -دبلوماسية الأفلام-.. روسيا تطور صناعة الأفلام بالتعاون مع ب ...
- كريستوفر نولان يستعد للعودة بفيلم جديد ومات ديمون مرشح للبطو ...
- بيسكوف: الإهانات الموجهة لبوتين -جزء من الثقافة الأمريكية-
- تفجير برايتون: مؤامرة تصفية تاتشر
- وُصفت بأنها الأكبر في الشرق الأوسط..نظرة داخل دار أوبرا العا ...
- بسرعة نزل قناة سبيس تون الجديد 2024 وخلي عيالك يتفرجو على أج ...
- فيديو.. نشيد مصر الوطني باللغة الإنجليزية يثير ضجة كبيرة.. ف ...
- رحيل الأديب والكاتب الأردني المبدع فخري قعوار في عمان، عن عم ...


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - قراءة في رواية -كفر هلال، رجال أتلفها الهوى-