أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - ملامح قصيدة ما بعد الحداثة في ديوان- كل هذا الدفء في عيني مريم-















المزيد.....

ملامح قصيدة ما بعد الحداثة في ديوان- كل هذا الدفء في عيني مريم-


هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية

(Howaida Saleh)


الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 08:25
المحور: الادب والفن
    


إن التشظي والتفكيك من سمات قصيدة ما بعد الحداثة؛ انعكاسا للعبث والفوضى وحالة السيولة التي أصابت الحياة المعاصرة. ربما يمكن اعتبار هذه العبارة مفتاحا قرائيا دالا لديوان "كل هذا الدفء في عيني مريم" للشاعرة المصرية إيمان جبل والذي صدر عن دار المحرر في القاهرة في 140 صفحة من القطع المتوسط.
كانت الشاعرة واعية بأهمية تفكيك العالم لفهمه، تفكيك رموزه الكلية للوصول إلى جوهر الإنسانية التي تعاني التشظي والتفكك وتغييب المعنى، وربما هذا ما دفعها لأن تتخذ من مقطع شعري للشاعر أحمد سلامة الراشدي:" أي اتساق يبحث عنه الإنسان
والطريق إلى الحكمة يمر عبر الجنون". فالشاعرة كانت واعية بفكرة العبث والجنون الذي يجتاح العالم، لذا اتخذت من هذا التصدير الشعري مدخلا لديوانها، ومما يؤكد وعيها بالتفكيك قولها في قصيدة" كتالوج بديل للحياة" ربما بدأ القتل
قبل أن يُعمّر العالم بندقيته
أحدهم سرق الكتالوج الرئيسي للحياة
من وقتها وأنا لا أكف
عن خلق أنماط بديلة
لسرقات تعنيني وحدي"(ص74).
التناص والتفاعلات النصية
كثيرًا ما يشير شعراء ما بعد الحداثة إلى عناصر من نصوص أخرى ويدمجونها في نصوصهم الماثلة، وقد قامت الشاعرة بهذا التناص منذ العتبة الأولى للديوان، عتبة العنوان، فمريم التي تبحث عن الدفء في كفيها هي مريم العذراء أم المسيح، وبالطبع حضرت العذراء بمحمولاتها الثقافية والدينية، فهي تلجأ لظل النخلة وتقوم بهزها حتى تساقط عليها رطبا جنيا، لكن في حقيقة الأمر مريم الشاعرة تساقطت عليها الحجارة، في كسر للصورة النمطية والتصور الديني السائد، تقول في نص" قصيدة بلا نبوءة":" مريم التي تشبهنا وتعرفنا،
وكأنما هزت إليها
نخلة الألم
فتساقطنا عليها رطبا من حجارة
جرحناها فهدهدتنا لأنها منا
ولأننا منها،
وللألم قدرة سحرية
على رؤية وليدها المسخ
درة بمواقع النجوم"(ص39).
كذلك تقوم بالتناص الأدبي مع شخصيات أدبية وثقافية مثل التناص مع الشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا، حيث تحضر لتقيم تفاعلا نصيا مع النص الماثل:" ثمانية أعوام من تميمة شيمبورسكا
"بعد كل حرب ثمة من عليه أن ينظف"
ثمانية أعوام من تعليق التميمة
على كل جدار في المدينة
ونقعها في صهاريج المياه الرئيسية
ودسها في لحاء كل شجرة شهدت الحرب
لكن الطبيعة لم تحب شاعرتك المفضلة
كما أحببتها أنت، فقتلك
وحولت التميمة إلى نذير شؤم
تهمس به أجزاؤك الميتة:
"بعد كل موت،
ثمة من عليه أن يلعقك قبل أن تصير حربا"(ص62).
الميتا قص/ الميتا شعر
غالبا ما يستكشف شعر ما بعد الحداثة طبيعة الخيال وسرد القصص، وأحيانا يكسر الجدار الرابع أو يلفت الانتباه إلى فعل الكتابة، وهذا ما فعلته إيمان جبل في أكثر من موضع من الديوان، تقول على سبيل المثال:"
لي عتاب عندك أيها الشعر
تلتصق بسقف حلقي
كجرح سعيد بألمي
بينما تُركّب أجنحة
حينما أطلب منك أن نصنع بيتا"(ص53).
وفي قصيدة" أمل" تواصل الشاعرة الاشتغال على فكرة الميتانصية التي تكررت في قصائد كثيرة من الديوان، تقول في تلك القصيدة:"
يولد الشعر خفيفا ويموت ثقيلا..
هل يولد الشعر خفيفا ويموت ثقيلا؟
...
وقت قرأت إهداء سوزان
في مرثية ندف الثلج:
"إلى أمل في قبرها العميق في قلبي"(ص86).
تواصل في تلك القصيدة طرح أسئلة الكتابة، كيف ترى العالم؟ كيف للشعراء أن يكتبوا آلامنا ويجعلونها حية تجرح كنصل جارح، تقول:"
"هل كتبتها سوزان إلى ابنتها"
ينكمش قلبي، وأعود إلى" أمل"
وأبدأ في ترتيب الكلمات
ابنتها/ أمل/ قبر عميق/ مرثية
يا رب لا تصنع لي الآن
جملة مفيدة داخل رأسي
فأنا أم وعليّ أن أتمرس في
جهل الأمهات
أنا أم وأخاف أن تتسخ أصابعي
في تأويل الشعر"(ص87).
وهكذا تواصل الشاعرة طرح أسئلة الكتابة، كتابة الميتانص أو ما وراء كتابة الشعر من رؤى ومواجع، تقول في نص " قصيدة بلا نبوءة":" لكنني سأكون منشغلة جدا
بكتابة قصيدة بسيطة
تخلو من الأسماء المقدسة
والدلالات المهيبة
قصيدة بلا نبوءة
بلا صليب
بلا راع أو ذئب
بلا بئر(ص38).
كذلك تتناص مع طارق إمام كسارد أو أميمة صبحي كقاصة أو حتى مع السينما وأفلامها مثل فيلم" الأب الروحي" وغيرها من النصوص الفاعلة كما أشرت سابقا، و التي تقيم جدلا مع نصها الماثل.
تعدد الأصوات: غالبًا ما يحتضن شعر ما بعد الحداثة وجهات نظر وأصوات متعددة، مما يعكس الطبيعة المتنوعة والتعددية للمجتمع المعاصر. وهكذا تفعل إيمان جبل، فثمة أصوات شعرية متعددة، فلم تحتفي فقط بالصوت الأنثوي، بل كتبت خطابات شعرية بصوت ذكوري، وكأنها تضع نفسها مكان الآخر وتتحدث بصوته، فتقيم عبر تعدد الأصوات جدلا بين الأنا والآخر، الذات والعالم.
حين تتحدث يصوت الذات تقول:" سأقوم لأمرر أصابعي
فوق صوتي مباشرة
لأمزق اللحن القديم الذي
قرر عني كل هذا الألم
لا يهم صنع لحن جديد
يكفيني صوت الصمت
في بيت خلعت ستائره
تحت سماء قطفت
كل حلواها القطنية
من أجل طفولة لا تشبع"(ص45).
ثم تنتقل من صوت شعري بضمير الأنا إلى صوت شعري آخر بضمير المخاطب، الأنت، تخاطب ذاتا أخرى خارجها، قد يكون المخاطب هنا صوت الآخر، وقد يكون صوت الأنا، لكن من وجهة نظر مغايرة لما طرحته بضمير الأنا، بل في النص الواحد قد تنتقل من ضمير الأنا إلى ضمير المخاطب فيما يمكن بتسميته بالحوارية الشعرية، حوارية بين الذات/ الأنا بضمير المتكلم، والآخر/ الأنت بضمير المخاطب، تقول في قصيدة" مأساة نادرة:"
هل تتعافى الذاكرة؟
هل سبق لك وقابلت ناجيا وحيدا
من الأثر المزدوج؟
إن كان الواحد منا صنيع التروما،
فماذا يمكن أن يتبقى منه
حينما يتم عصره!
التورط نقطة خطيرة
في مسألة الوجود البشري
تجرحني أتورط مع الجرح
يتوه كل منا في الآخر
فلا نعرف كيف نفصل
بين المأساة الشخصية
والعار المشترك".
قطةٌ خطيرةٌ
في مسألةِ الوجود البشري..
تجرحني فأتورط مع الجُرح
يتوه كل منا في الآخر
فلا نعرف كيف نفصل
بين المأساةِ الشخصيةِ
والعارِ المشتركِ"(ص29).
الرواية الذاتية في مقابل تفكيك السرديات الكبرى
كما تشتغل قصيدة ما بعد الحداثة على تفكيك السرديات الكبرى، وترفض الحقائق اليقينية لصالح التجارب الذاتية والتفسيرات الفردية للعالم، وسرديات المقدس والأيديولوجيا الدينية إحدى أهم السرديات الكبرى في تاريخ البشرية وقد رفضتها الشاعرة واقترحت سرديات بديلة أكثر ذاتية وأكثر إنسانية، تقول في "قصيدة بلا نبوءة:"
ولكني سأكون منشغلة جدا
بكتابة قصيدة بسيطة
تخلو من الأسماء المقدسة
والدلالات المهيبة"(ص38).
وفي مقطع آخر من القصيدة تحتفي الشاعرة بالذاتي والإنساني على حساب المقدس والميثولوجي، تقول:" وإن لم تألف مريمنا الشعر
ربما سنكتب القصيدة عن طفلة
تغني مع العشب
قبل أن تأكلها الأرض
قبل أن تموت بين كلمات الأغنية
ربما ستكون عنك حينما تقول لي:
" الكلمات مجرد كلمات بيني وبين رب العالمين"
وبيني وبينك ترتقي لرتبة لغة"(ص39).



#هويدا_صالح (هاشتاغ)       Howaida_Saleh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء الاصطناعي والحالة الإنسانية
- تأثير التكنولوجيا على التعليم: بين الثورة والتحديات
- في الرد على مغالطات برنامج -الدحيح-، حلقة - نهاية الفراعنة-
- إشكالية الدين والسياسة في فلسفة ابن رشد
- تأسيس جماليات عربية جديدة: قراءة في تجاوز المركزيات الغربية
- النسق الثقافي بين بيير بورديو وإدوارد سعيد وعبد الله الغذامي
- -يوم آخر للقتل- من حكايات الجنيات إلى منصات السوشيال ميديا
- توظيف ثقافة الشعر في التصميمات الإبداعية البصرية
- تمثلات التكنولوجيا وجماليات العتبات النصية في -راوتر شيخ الب ...
- **الرواية ما بعد الحداثية: الجماليات والأساليب السردية
- اللغة والفكر: ملاحظات نقدية على -قلق الجندر- لجوديث بتلر
- جوليا كريستيفا: رائدة نسوية وفيلسوفة تتحدى جميع الأنساق الثق ...
- ال -nonfiction- من المذكرات والسير إلى البودكاست
- فلسفة الجسد في المسرح التجريبي
- الرواية والذكاء الاصطناعي: تحولات في الأدب والأساليب السردية ...
- الذكاء الاصطناعي وما بعد الإنسانية في الرواية
- روايات أدب الرعب: لماذا هي الأكثر مبيعًا بين الشباب؟
- مسلسل- فاتن أمل حربي- وال - ستريو تايب-
- فلسفة الميتافيرس ومستقبل البشرية
- بث الحياة في الماضي: كيف يمكن للروائيين الجدد أن يستلهموا ال ...


المزيد.....




- السطوة الناعمة لهوليود.. كيف غيّرت أميركا شكل السينما العالم ...
- محللون إسرائيليون: نخسر معركة الرواية في كارثة الجوع بغزة
- -أشبه بأفلام التجسس-.. كيف وصلت طائرات بوينغ إلى إيران رغم ا ...
- صدر حديثا : صور من ذاكرة قروية للأديب والباحث مسعود غنايم
- -كل ما نريده هو السلام-.. مجتمع مسالم وسط صراع أمهرة في إثيو ...
- -ميغان 2- دمية القرن الجديد التي أعادت تعريف رعب الدمى في ال ...
- هل يحب أولادك أفلام الرعب؟ أعمال مخيفة مناسبة للأطفال
- -وحشتوني يا أهل الأردن-.. أحلام تشوق جمهورها لحفلها في مهرجا ...
- مايا ويند: هكذا تتواطأ الجامعات الإسرائيلية مع نظام الفصل ال ...
- منع فرقة -كنيكاب- الأيرلندية من المشاركة في مهرجان -سيجيت-.. ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - ملامح قصيدة ما بعد الحداثة في ديوان- كل هذا الدفء في عيني مريم-