أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - -يوم آخر للقتل- من حكايات الجنيات إلى منصات السوشيال ميديا















المزيد.....

-يوم آخر للقتل- من حكايات الجنيات إلى منصات السوشيال ميديا


هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية

(Howaida Saleh)


الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 09:42
المحور: الادب والفن
    


إن التحولات الاجتماعية التي طالت العالم كله بفعل منصات التواصل الاجتماعية لم تكن بعيدة عن الريف المصري، فقد ناله نصيب من تلك التحولات مثلما نال العالم جميعا، ولعل هذا هو الملمح الأبرز في رواية" يوم آخر للقتل" للكاتبة هناء متولي (المصرية اللبنانية ـ 2024)، حيث تدور أحداثها في قرية مصرية تكثر فيها حوادث مريبة، غالبية ضحاياها من النساء؛ لتكشف لنا الكاتبة المفارقة بين استشراء الخرافة وانتشار وجود أهل الريف على مواقع التواصل الاجتماعي.
تبدأ الكاتبة روايتها بمشهد فنتازي غرائبي، حيث "تنسابُ نساء القرية من أسرَّتهن كالماء في لحظةٍ واحدة، يصعدن إلى أسطح المنازل، بعد أن ارتدين ثيابًا سوداء، حاسراتُ الرؤوس، يصعدن إلى الأعلى حيثُ لا حجاب بينهن وبين السماء، يستنشقن هواءً لم يختلط بعدُ بأنفاس الرجال، يخرجنه زفيرًا غاضبًا، يمزِّقن جلابيبهن حتَّى تصير صدورهن حرَّة من دون خوف، ويبدأن في الصراخ والعويل الذي ينهش القلوب، ويُفزع كلَّ الموجودات، الطيور والحيوانات تهجرُ أعشاشها ومضاجعها الدافئة وتشاركهن صراخًا لا يفتر حتى طلوع الفجر، بينما الرجال يغطون في نومٍ ثقيلٍ حتى الصباح".
في استعارة لرغبة النساء في التحرر من الفكر الذكوري الذي يستبيح أجسادهن، يحرمهن من حقوق التعليم والميراث، يضحي بهن إن لزم الأمر استجابة لخرافة فتح المواقع الأثرية المحمية بتعاويز ميثيولوجية لا تفتح إلا بدماء ضحية من النساء أو من الأطفال، في النهاية تدفع النساء ثمن هذه الخرافات، فيستمر مسلسل القتل، وتدفن قتيلة لتتلوها أخرى في "يوم آخر للقتل".
مجموعة النساء اللاتي تمثلهن (سارة، أسما، سمية، إنجي، مسعودة، منة الله)، يدفعن ثمن تغييب الوعي وراء خرافات الجن وساكني البحيرة من الكائنات السفلية، ويظل الرجال غائبين ظاهريا عن الفعل، مختفين وراء خرافة الجن، فلا تكشف أفعالهم. تبدأ الرواية كما قرأنا في المشهد السابق بسماع صوت أنين لا أحد يعلم مصدره، ولكن تنتفض له النسوة جميعهن، حتى الرضيعات، وفاقدات السمع!، تختلف التفاصيل، لكن الإطار الحكائي من استغلال النساء وتهميشهن والنيل منهن واحدا، فأسما حرمها زوجها من استكمال تعليمها وحلمها بافتتاح معمل تحاليل، وتعيش في رعب من أن يتزوج بأخرى كي تنجب له الولد، وقد أصبحت -مع الضغط الذي تعيشه- مريضة نفسيًا تتعاطى مضادات الاكتئاب، وسارة تتزوج من رجل وضيع وتُطلَّق منه، ويُنتَزَع منها ابنها الوحيد، وتنتهي بإصابتها بسرطان الثدي، ثم الجنون، وأخيرًا الموت، وإنجي يستغلها أحدهم جنسيًّا ويجلب لها المخدرات، فتتحوَّل لمدمنة، وسُميَّة تتزوج من عاطل عن العمل، يتعاطى المخدرات، ويعنفها ويحاول أن يسيطر عليها، فتهرب منه تاركة تلك الحياة القاسية.
تكشف الكاتبة المسكوت عنه في حياة أهل الريف الذين تغيروا مع هذه التحولات الكبرى، فلم يصبحوا مدنيين بالمعنى المتعارف عليه ولم يبقوا ريفيين بالمعنى القار في الأذهان. فتغيرت المباني وممارسات الناس، وبحثت النساء عن " البراندات" وجلست أمام الكاميرا في مغازلة جمهور " التيك توك" سعيا وراء " الترند" لكن الخرافة ما تزال تحكم وعيهن، ويمارسن ذات الممارسات التي تغرق في الخرافة، وكأن التحديث طال الشكل والمظهر فقط" تنزل تقية إلى المقابر في جوف الليل كما أمرتها الخالة مسعودة، ليلة بعد ليلة، تبولُ فيها، تسرقُ عظامًا وجماجم، تقيم الحضرة والزار، وفي بعض الأوقات جلسات لتحضير الجان، وتنتظر عودة سمية، حتى إنها باعت ثلاثة قراريط من أرضها التي كانت تنتظرُ دخولها زمام المباني، وفي الليلة السابعة، بينما انشغل الحضور بالذكر والطعام؛ فوجئت تقية بطفل يضربُ الباب بشدة ويخبرها أن سمية ظهرت عند الساقية القديمة، هرولت من فورها ووجدت جمعًا من الناس يلتفون حول سمية التي كانت مهللة الملابس، فاقدة للنطق، تشيرُ إلى الترعة في ذهولٍ. احتضنتها وهي تبكي وتزغرد في آن، والتف الجميع حولهما يُقلِّبون كفًّا بكفٍّ، يتساءلون بفضول ريفيٍّ: "أين كانت طوال تلك المدة؟.. مَن فعل بها كذا وكذا؟.. هل كان محمود؟. أم الجان؟" وشاع خبر عودتها في دقائق". ونكتشف مع الكاتبة أن أهل القرية يتوارثون حكاية عن ثلاث غجريات غرقن في الترعة ذاتها في زمن الاحتلال الإنجليزي، فيعتبرن أنها أساس لعنة تبدو بلا انتهاء، وهو ما يشير إليه عنوان الرواية.
إن الجماليات السردية في الرواية ليست فقط من أجل الإمتاع، بل هي أدوات فعالة لتوصيل القضايا الثقافية والاجتماعية. فاللغة الشعرية والأسلوب السردي المتنوع يتيحان مساحة للتعبير عن الصراعات الثقافية، والذاكرة الجمعية، والأزمات النفسية، مما يجعل الرواية أدوات تواصل بين القارئ والواقع الثقافي الذي تنتمي إليه.
وتتنوع طرائق السرد بين السرد الداخلي (الراوي العارف بأفكار الشخصية) والسرد الخارجي (الراوي المراقب)، مما يسمح بخلق توازن بين التجربة الذاتية والتأمل الخارجي. وتفيد الكاتبة من تفاعل عنصري الزمان والمكان بمهارة، مما يعكس تجارب الذاكرة والنفس البشرية المتشابكة والمعقدة ويصنع "كرونوتوب" واع بأهمية توظيف عنصريه بشكل فاعل، فلا يصبحا مجرد خلفية للأحداث. واللغة السردية تتراوح بين الشعرية المكثفة واللغة الوصفية التفصيلية، متى ما اقتضى النص، لتعزيز الإحساس والمضمون. الرموز والصور الفنية تتكرر بشكل واضح لتعميق التجربة السردية، مع توظيف الضد والتناقض (مثل الضوء والظل) لتوصيل التوترات الداخلية والخارجية"ساقها الصراخ حتى الترعة الممتدة بطول القرية، كان حشدٌ من الناس مجتمعين، يعبئون الفراغ صخبًا وفوضى، حرَّكت عينيها بين الوجوه الغريبة التي لا تنعدم فيها الألفة، واقتربتْ من الجمع، وفوق الكوبري القديم راحت تتحسَّس الخطوات بين الزحام لتشاهد غوَّاصيْن يصعدان من الترعة وقد انتشلا جثَّة غريقة...الجثة لفتاةٍ صغيرة، بطنها منتفخٌ، وشعرها يخفي ملامحها، وبمجرد وضعها على ضِفة الترعة، سَتَرَتْهَا بعض النسوة بملاءات ظهرت فجأة، وطلب شيخ البلد من الجميع الانصراف حتى تصل الشرطة، انصرفَت سارة وهي تسمع همهمات تتناهى إلى مسامعها مفادها أن جُثَّة تلك الفتاة لا تنتمي إلى قريتهم"
الزمن السردي كمرآة للصراعات النفسية
إذن الزمن في النصوص لم يكن خطيًا دائماً، بل غالبًا ما تمزج الذكريات بالحاضر، مما يعكس تجارب الحزن، الفقد، والأمل بطرق نفسية عميقة. الزمن المتوقف في "سماء بلا نجوم" يرمز إلى حالة الجمود النفسي، بينما الزمن المضاعف في "أصوات خلف الجدران" يعبر عن التعقيد الداخلي للشخصية.
الشكل السردي هنا ليس مجرد إطار ينقل سردية هؤلاء النساء، بل هو جزء من التعبير الموضوعي. فالتكرار، الزمن المضطرب، واللغة المكثفة كلها أدوات تعكس محتوى السرديات من الصراعات النفسية والاجتماعية، ما يجعل تجربة القراءة تجربة متعددة الأبعاد.
تحاول الرواية بطرائق سردها المتنوعة أن تكشف عن حالة إنسانية مركبة تتسم بالانعزال، الحزن، والأمل. الأساليب السردية ليست مجرد وسيلة تقنية، بل تعبير عضوي عن نفسية الشخوص وعالمهم الثقافي. الرمزية المكثفة واللغة الشعرية تعملان على تفعيل النصوص على مستويات متعددة، ما يجعل القارئ يدخل في تأملات نفسية وثقافية عميقة" وقرب الفجر نزلت بعض النساء إلى الشارع في اتجاه الترعة يعتمدن على ضوء الشُّموع والمصابيح، تبعتهن سارة وخالتها، لتجدهن قد تخفَّفن من العباءات وبقين في قمصان النوم ونزلن إلى الترعة، رغم الظلمة والبرودة والخوف واللعنات، يسبحن إلى منتصف الترعة ويشكِّلن بأياديهن المتشابكة دائرةً كاملة يدُرن حول أنفسهن دورة كاملة ثم يصعدن إلى الشط في خفَّة الحوريات، والقرية لا وجود لمخلوق في شوارعها إلا أولئك النسوة، ولا حتى الشباب الذي يبيع المخدرات ويظل طوال الليل في الشارع، ولا حتى رجل يذهب إلى ري الأرض، ولا حتى الكلاب وقطط الشوارع، كل شيء حولهن صامت كأنه التزام صارم باتفاقٍ مُسبق".



#هويدا_صالح (هاشتاغ)       Howaida_Saleh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توظيف ثقافة الشعر في التصميمات الإبداعية البصرية
- تمثلات التكنولوجيا وجماليات العتبات النصية في -راوتر شيخ الب ...
- **الرواية ما بعد الحداثية: الجماليات والأساليب السردية
- اللغة والفكر: ملاحظات نقدية على -قلق الجندر- لجوديث بتلر
- جوليا كريستيفا: رائدة نسوية وفيلسوفة تتحدى جميع الأنساق الثق ...
- ال -nonfiction- من المذكرات والسير إلى البودكاست
- فلسفة الجسد في المسرح التجريبي
- الرواية والذكاء الاصطناعي: تحولات في الأدب والأساليب السردية ...
- الذكاء الاصطناعي وما بعد الإنسانية في الرواية
- روايات أدب الرعب: لماذا هي الأكثر مبيعًا بين الشباب؟
- مسلسل- فاتن أمل حربي- وال - ستريو تايب-
- فلسفة الميتافيرس ومستقبل البشرية
- بث الحياة في الماضي: كيف يمكن للروائيين الجدد أن يستلهموا ال ...
- تأثيرات استخدام الذكاء الاصطناعي في الصناعات الثقافية
- التنمية المستدامة في عصر ال A I
- فلسفة التأمل الداخلي..الغوص عميقا داخل الذات
- قراءة في رواية- ثلاث طرق للسعادة- د. عمار علي حسن
- تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الفن التشكيلي والتصميم الجرافيت ...
- قراءة في رواية -كفر هلال، رجال أتلفها الهوى-
- الذكاء الاصطناعي وكتابة الشعر


المزيد.....




- محافظة خوزستان الإيرانية: بوابة التجارة والثقافة
- مجموعة مسلحة تُهدّد الفنان باسم ياخور بعد عودته إلى دمشق وتم ...
- مسؤولون فرنسيون: انقطاع الطاقة في اليوم الأخير من مهرجان كان ...
- اغنية.. لقد فات الأوان
- إضاءة نقدية على القصيدة العمودية المعاصرة
- بريتني سبيرز تعتذر عن الفضيحة التي تسببت بها على متن الطائرة ...
- مخرج إيراني معارض للنظام يفوز بجائزة ذهبية في مهرجان كان الس ...
- زاخاروفا: كيسليتسا يكذب بقوله إن الوفد الأوكراني تحدث باللغة ...
- -بوليوود- تودع الممثل مكول ديف
- “الإعلان الرسمي الاول” مسلسل قيامة عثمان الحلقة 193 الجزء ال ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - -يوم آخر للقتل- من حكايات الجنيات إلى منصات السوشيال ميديا