أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - رائدات بين الظل والنور ماري كحيل(6) رائدة العمل النسوي والحوار الديني في مصر















المزيد.....

رائدات بين الظل والنور ماري كحيل(6) رائدة العمل النسوي والحوار الديني في مصر


هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية

(Howaida Saleh)


الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 10:29
المحور: الادب والفن
    


رائدات بين الظل والنور ماري كحيل(6) رائدة العمل النسوي والحوار الديني في مصر
في سجل الحركة النسوية المصرية الذي تتلألأ فيه أسماء بارزة مثل هدى شعراوي وسيزا نبراوي، تظل هناك شخصيات فاعلة عملت في صميم الحركة وشاركت في تأسيس لبناتها الأولى، لكن أضواء الشهرة لم تسلط عليها بالقدر الكافي. من بين هؤلاء الرائدات، يبرز اسم ماري كحيل، الشخصية المحورية التي كانت جزءًا لا يتجزأ من تأسيس الاتحاد النسائي المصري ولعبت دورًا هامًا في سنواته الأولى، لكن سيرتها ظلت شبه غائبة عن السردية التاريخية السائدة.

تُعد ماري كحيل (1889-1979) شخصية بارزة في تاريخ مصر الحديث، حيث جمعت بين النشاط النسوي الرائد والعمق الروحي، لتترك بصمة واضحة في مجالات متعددة. لم تكن كحيل مجرد ناشطة عادية، بل كانت مفكرة ومؤسسة، كرست حياتها لخدمة المجتمع والإنسان، ساعية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وتعزيز التفاهم بين الأديان. لذا من المهم أن نسلط . الضوء على أبرز جوانب حياة ماري كحيل وإسهاماتها، كما يجب أن نكشف عن دورها المحوري في الحركة النسوية المصرية، وجهودها في إرساء دعائم الحوار المسيحي الإسلامي، ومساهماتها الفكرية والخيرية التي تجاوزت حدود الزمان والمكان.
النشأة والحياة المبكرة
ولدت ماري كحيل في 28 يناير 1889 في دمياط، مصر، لعائلة برجوازية تنتمي إلى طائفة الروم الملكيين الكاثوليك. كانت عائلتها قد استقرت في مصر منذ منتصف القرن الثامن عشر، قادمة من بلاد الشام، وتحديداً من بعلبك في لبنان، حيث تعود جذورها إلى "بني المطران". كان والدها، قسطنطين كحيل، تاجراً للأخشاب ومالكاً للأراضي الزراعية، وقد توفي عام 1905. تلقت ماري تعليمها في مدارس الراهبات بالقاهرة وبيروت، وقضت فترة الحرب العالمية الأولى مع عائلة والدتها الألمانية في أوروبا، قبل أن تعود إلى القاهرة عام 1920.
منذ صغرها، أظهرت ماري كحيل اهتماماً بالعمل الخيري والديني. فبعد عودتها إلى مصر عام 1909، بدأت مسيرتها في الخدمة والعطاء، حيث تنوعت إسهاماتها لتشمل العديد من المجالات التي عكست شغفها بخدمة المجتمع والإنسان على حد سواء .
رائدة الحركة النسوية المصرية
عادت ماري كحيل إلى القاهرة عام 1920، وسرعان ما أصبحت من الشخصيات المحورية في الحركة النسوية المصرية الناشئة. شاركت في تأسيس الاتحاد النسائي المصري عام 1923، إلى جانب الرائدة هدى شعراوي، والذي يُعد من أوائل الحركات النسائية المنظمة في العالم العربي. شغلت كحيل منصب سكرتيرة ومديرة مشاركة في جمعية "مبرة محمد علي" الخيرية الإسلامية، مما يعكس انفتاحها على العمل المشترك بين الأديان في خدمة المجتمع.
كانت الحركة النسوية في مصر آنذاك شاملة، تضم نساء مسلمات ومسيحيات، وركزت على إصلاح الحقوق القانونية للمرأة، وتجريم زواج الأطفال، وضمان المساواة في الحصول على التعليم. كما عارضت الحركة الاستعمار البريطاني والصهيونية. لعبت كحيل دوراً قيادياً في أنشطة الاتحاد، وكانت على صلة وثيقة بشخصيات بارزة مثل أوت القلوب، أم كلثوم، وعائلة طه حسين.
تُظهر مشاركة ماري كحيل الفعالة في الاتحاد النسائي المصري التزامها العميق بقضايا المرأة وحقوقها، وسعيها لتحقيق مجتمع أكثر عدلاً ومساواة. كانت تؤمن بأن تقدم المجتمع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتمكين المرأة ورفع مكانتها، وهو ما تجلى في جهودها الدؤوبة في هذا المجال.
رائدة الحوار المسيحي الإسلامي
لم يقتصر دور ماري كحيل على العمل النسوي، بل امتد ليشمل ريادة الحوار بين الأديان في مصر خلال القرن العشرين. تعرفت على المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون عام 1909، وتجدد لقاؤهما عام 1934 في القاهرة. في هذا اللقاء، توجها إلى دمياط للصلاة في كنيسة مهجورة، حيث تعاهدا على تكريس حياتهما للصلاة والتأمل نيابة عن المسلمين، وهو ما كان نواة لتأسيس حركة "البدلية" الروحية.
أسست كحيل وماسينيون حركة "البدلية" في 1 فبراير 1934، وهي جماعة روحية تقوم على الصلاة والتأمل والاعتراف بالعقائد المسيحية نيابة عن الإخوة المسلمين. كما أسست جماعة "إخوان الصفا" عام 1941 مع الأب هنري عيروط وآخرين في دار السلام، بهدف إجراء دراسات معمقة في سبيل الحوار المسيحي الإسلامي. وفي عام 1975، أنشأت جمعية "الإخاء الديني" لتعميق الحوار المسيحي الإسلامي، بمشاركة شخصيات بارزة مثل وزير الصحة الأسبق عبده سلام، وعميد الأزهر الشريف الشيخ عبد العزيز كامل، والشيخ بكري.
تُظهر هذه الجهود التزام ماري كحيل العميق بالسلام والتفاهم بين الأديان، وإيمانها الراسخ بأن الحوار هو السبيل الوحيد لبناء جسور التواصل والتآخي بين الشعوب. كانت ترى أن التعايش السلمي بين المسيحيين والمسلمين هو أساس تقدم المجتمع المصري، وعملت بلا كلل لتحقيق هذا الهدف النبيل.
الإسهامات الفكرية والخيرية
إلى جانب نشاطها النسوي وجهودها في الحوار الديني، كان لماري كحيل إسهامات فكرية وخيرية متعددة. في عام 1945، أنشأت مركز دراسات عُرف باسم "دار السلام" في المبنى الملحق بكنيسة العذراء مريم سيدة السلام. استضاف هذا المركز كبار المحاضرين على مدار ثلاثين عاماً، لإلقاء محاضرات في مختلف نواحي الفكر والثقافة واللاهوت، ومن بينهم موريس زندل، ورينيه فوايوم، وروجي أرلوندايز، وفرنسوا دوما، ولويس ماسينيون.
في ميدان العمل الخيري، بدأت ماري كحيل نشاطها من خلال جمعية "محمد علي الخيرية الإسلامية"، حيث عملت كسكرتيرة لها. كما ترأست جمعية "عاملات الشفقة" من عام 1931 إلى 1936، والتي خدمت الفقيرات واليتيمات والعاملات من بنات الطائفة الملكية. انضمت أيضاً إلى عضوية جمعية "غذاء الظهر" من عام 1943 إلى 1961، لتقديم الغذاء لطلاب المدارس، واهتمت بتوزيع الكساء على فقراء الطائفة الملكية في مصر من خلال "لجنة الكساء".
قدمت كحيل منزل عائلتها بالقرب من رأس البر عام 1928 لاستقبال "مبرة مصيف الأولاد"، واهتمت بإقامة مدارس الأحد للفتيات لتلقي الدروس الدينية. كما ساهمت في تدعيم الرسالات الكنسية الكاثوليكية في مناطق شرق الأردن ووادي النصارى. نالت ماري كحيل تقديراً كبيراً لجهودها، حيث حصلت على وسام صليب أورشليم البطريركي عام 1972، ووسام الكمال من الرئيس محمد أنور السادات في 19 ديسمبر 1972، بمناسبة يوم العمل الاجتماعي.
توفيت ماري كحيل في 28 يونيو 1979 في منزلها بالزمالك، تاركة وراءها إرثاً غنياً من العمل الدؤوب في مجالات النسوية، والحوار الديني، والعمل الخيري، والفكر. كانت حياتها مثالاً للتفاني في خدمة الإنسانية، وتجسيداً للقيم النبيلة التي آمنت بها. إن إسهاماتها المتعددة والمتنوعة جعلت منها شخصية فريدة في تاريخ مصر، ومصدر إلهام للأجيال القادمة التي تسعى إلى بناء مجتمع أكثر عدلاً وتسامحاً وازدهاراً.
تمثل قصة ماري كحيل تذكيرًا بأن الحركات الاجتماعية الكبرى لا يصنعها فرد واحد، بل هي نتاج جهود جماعية وتضحيات مشتركة لشخصيات قد تعمل في الظل. إن إعادة تسليط الضوء على دورها وأدوار رائدات منسيات أخريات ليس مجرد تصحيح لسردية تاريخية، بل هو تقدير مستحق لنساء كرسن حياتهن من أجل قضية آمنّ بها، وكنّ بحق منارات مهدت الطريق لأجيال المستقبل.



#هويدا_صالح (هاشتاغ)       Howaida_Saleh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رائدات في الظل والنور..إستر فانوس شعلة التنوير (5).
- رائدات بين الظل والنور: حواء إدريس(4)
- رائدات بين الظل والنور: لطفية النادي رائدة الطيران المصري(3)
- -رائدات في الظل والنور: سردية مصرية( 1) نبوية موسى الرائدة ا ...
- رائدات في الظل والنور ..(2) سيزا النبراوي صوت المرأة في زمن ...
- -رائدات في الظل والنور: سردية مصرية 1 (نبوية موسى)
- ملامح قصيدة ما بعد الحداثة في ديوان- كل هذا الدفء في عيني مر ...
- الذكاء الاصطناعي والحالة الإنسانية
- تأثير التكنولوجيا على التعليم: بين الثورة والتحديات
- في الرد على مغالطات برنامج -الدحيح-، حلقة - نهاية الفراعنة-
- إشكالية الدين والسياسة في فلسفة ابن رشد
- تأسيس جماليات عربية جديدة: قراءة في تجاوز المركزيات الغربية
- النسق الثقافي بين بيير بورديو وإدوارد سعيد وعبد الله الغذامي
- -يوم آخر للقتل- من حكايات الجنيات إلى منصات السوشيال ميديا
- توظيف ثقافة الشعر في التصميمات الإبداعية البصرية
- تمثلات التكنولوجيا وجماليات العتبات النصية في -راوتر شيخ الب ...
- **الرواية ما بعد الحداثية: الجماليات والأساليب السردية
- اللغة والفكر: ملاحظات نقدية على -قلق الجندر- لجوديث بتلر
- جوليا كريستيفا: رائدة نسوية وفيلسوفة تتحدى جميع الأنساق الثق ...
- ال -nonfiction- من المذكرات والسير إلى البودكاست


المزيد.....




- فيلم “صوت هند رجب” يفوز بجائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقي ...
- -فوات الأوان- لمحمد أبو زيد: في مواجهة الوقت الذي أفلت
- صوت هند رجب: فيلم عن غزة يفوز بالأسد الفضي لمهرجان البندقية ...
- فيلم -هند رجب- يفوز بالأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائ ...
- جائزة الأسد الفضي لـ -صوت هند رجب- في مهرجان البندقية السينم ...
- -صوت هند رجب-... أبرز الأفلام المرشحة لنيل -الأسد الذهبي- بم ...
- أبكى الجمهور... فيلم التونسية كوثر بن هنية حول غزة مرشح لنيل ...
- فيلم -هجرة- للسعودية شهد أمين يفوز بجائزة -NETPAC- في مهرجان ...
- مهرجان البندقية السينمائي: اختتام دورة تميزت بحضور قوي للسيا ...
- -التربية-: إعادة جلسة امتحان اللغة العربية لطلبة قطاع غزة في ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - رائدات بين الظل والنور ماري كحيل(6) رائدة العمل النسوي والحوار الديني في مصر