أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - رائدات في الظل والنور ..(2) سيزا النبراوي صوت المرأة في زمن الصمت














المزيد.....

رائدات في الظل والنور ..(2) سيزا النبراوي صوت المرأة في زمن الصمت


هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية

(Howaida Saleh)


الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 09:03
المحور: الادب والفن
    


في كل سردية وطنية هناك نساء صنعن الفارق، لكن بقيت أسماؤهن أحيانًا في الظل، أو نُورت لحظات ثم أُهملت في أرشيف التاريخ الرسمي. بين صمت المؤرخين وذاكرة الشارع، تتسلل حكايات نساء قدن التغيير، وناضلن من أجل العدالة، دون أن يطلبن مقابلاً سوى أن يُسمع صوتهن.

"رائدات في الظل والنور" ليست مجرد سلسلة عن بطلات من الماضي، بل محاولة لاستعادة الوعي بما قدّمته نساء متميزات من أدوار تنويرية، فكرية، سياسية، وجمالية، في مصر القرن العشرين، حين كان التحدي مضاعفًا: أن تكوني امرأة، وأن تكوني صاحبة موقف.

في هذا العدد الثاني من السلسلة، نبدأ مع إحدى أهم الأسماء التي ساهمت في صياغة الحركة النسوية المصرية الحديثة: سيزا النبراوي — صوت المرأة في زمن الصمت، حيث ٍ كان صمتُ النساء فضيلةً، وصوتهن جريمة، حيث وقّعت على أولى صفحات النسوية المصرية بحبرٍ من الجرأة والإيمان بالحق. لم تكن فقط صوتًا يعبر عن النساء، بل جسدًا حيًّا لنضال طويل، خاضته بين أروقة الصحف، ومنابر الاتحاد النسائي، وممرات السياسة المسدودة بالأبواب الموصدة.

من الإقطاع إلى التمرد

ولدت سيزا النبراوي في الإسكندرية عام 1897 لأسرة أرستقراطية ذات أصول تركية، وتربت في حضن الامتياز الطبقي، لكن وعيها لم يتوقف عند حدود الامتياز، بل قفز نحو المظلومين، نحو النساء المعزولات خلف الحجاب والخوف. درست في باريس، وهناك تشبّعت بأفكار الحرية والمساواة، وعادت إلى مصر لا لتعيش في برجها العاجي، بل لتخوض معركتها.

رفقة هدى شعراوي.. بداية التحول

كانت صداقة سيزا النبراوي بهدى شعراوي أكثر من مجرد صداقة بين امرأتين من الطبقة الراقية؛ كانت تحالفًا فكريًا ونضاليًا أعاد تعريف الحركة النسوية المصرية. شاركت معها في تأسيس الاتحاد النسائي المصري عام 1923، ورافقتها في الموقف الرمزي الجريء بنزع الحجاب أمام محطة قطار رمسيس بعد العودة من مؤتمر نسائي دولي في روما.

هذا المشهد لم يكن مجرد فعل احتجاجي، بل تحطيمًا رمزيًا لمفهوم العزل الأنثوي، ونقطة انعطاف في المخيال الجمعي المصري تجاه صورة المرأة.

قلمٌ يواجه السلطة

تولت سيزا تحرير مجلة "المصرية", لسان حال الاتحاد النسائي، وكانت تكتب مقالات جريئة تهاجم التهميش، وتطالب بالمساواة في التعليم، والعمل، والحقوق السياسية. لم تكن تطالب بـ"إحسان" للمرأة، بل بـ"عدالة". فرّقت بوضوح بين حقوق تُمنح من علٍ، وحقوق تُنتزع بالنضال.

رفضت سيزا الخضوع لسلطة الدولة أو رجال الدين، واصطدمت مرارًا بمفاهيم محافظة كانت ترى صوت المرأة نشازًا، ومطالبتها بالمساواة خروجًا على "الطبيعة".

حضور دولي.. وصوت عالمي

لم تكن سيزا محلية النظرة، بل مثّلت مصر في العديد من المؤتمرات النسوية الدولية، وكانت من أوائل من ربطوا بين **تحرير المرأة والتحرر الوطني**. رأت في الاستعمار الذكوري والاحتلال الأجنبي وجهين لعملة واحدة. هذا الربط بين السياسة والجسد، بين الوطن والأنثى، هو ما منح خطابها بعدًا أعمق من مجرد المطالبة بحقوق "مدنية" سطحية.

النسوية كوعي.. لا كترف

ربما لم تترك سيزا النبراوي كتبًا كثيرة تحمل اسمها، لكنها تركت أثرًا عميقًا في الذاكرة المؤسِّسة للنسوية المصرية. كانت تُصغي للنساء في صالونات الاتحاد، وتكتب عنهن، وتتبنى قضايا العاملات، والأرامل، والأمهات المُهمّشات. لم تكن نسويتها برجوازية ناعمة، بل **وعيًا طبقيًا وثقافيًا بأن تحرير المرأة لا يتم بمعزل عن بنية المجتمع كله**.

إرث لا يموت

توفيت سيزا النبراوي عام 1985، لكن سيرتها ما زالت حاضرة في كل حركة نسوية تتحدث بلغة جذرية، وفي كل امرأة تنكسر على بابها فكرة الخضوع. لم تأخذ سيزا مكانها الذي تستحقه في كتب التاريخ الرسمي، لكنها حاضرة في السرديات التي تُكتب من الهامش، من "الظل" حيث ناضلت، ومن "النور" الذي أنارت به طريقًا لأجيال بعدها.

سيزا النبراوي ليست مجرد اسم من الماضي، بل أرشيف حيّ لنضال نسائي عقلاني، واثق، متّقد. هي من ذلك الطراز من النساء اللواتي لا يبحثن عن الشهرة، بل عن التغيير. وبين الظل والنور، اختارت أن تكون جسدًا يمشي بين العتمة ويترك أثرًا من ضوء.



#هويدا_صالح (هاشتاغ)       Howaida_Saleh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -رائدات في الظل والنور: سردية مصرية 1 (نبوية موسى)
- ملامح قصيدة ما بعد الحداثة في ديوان- كل هذا الدفء في عيني مر ...
- الذكاء الاصطناعي والحالة الإنسانية
- تأثير التكنولوجيا على التعليم: بين الثورة والتحديات
- في الرد على مغالطات برنامج -الدحيح-، حلقة - نهاية الفراعنة-
- إشكالية الدين والسياسة في فلسفة ابن رشد
- تأسيس جماليات عربية جديدة: قراءة في تجاوز المركزيات الغربية
- النسق الثقافي بين بيير بورديو وإدوارد سعيد وعبد الله الغذامي
- -يوم آخر للقتل- من حكايات الجنيات إلى منصات السوشيال ميديا
- توظيف ثقافة الشعر في التصميمات الإبداعية البصرية
- تمثلات التكنولوجيا وجماليات العتبات النصية في -راوتر شيخ الب ...
- **الرواية ما بعد الحداثية: الجماليات والأساليب السردية
- اللغة والفكر: ملاحظات نقدية على -قلق الجندر- لجوديث بتلر
- جوليا كريستيفا: رائدة نسوية وفيلسوفة تتحدى جميع الأنساق الثق ...
- ال -nonfiction- من المذكرات والسير إلى البودكاست
- فلسفة الجسد في المسرح التجريبي
- الرواية والذكاء الاصطناعي: تحولات في الأدب والأساليب السردية ...
- الذكاء الاصطناعي وما بعد الإنسانية في الرواية
- روايات أدب الرعب: لماذا هي الأكثر مبيعًا بين الشباب؟
- مسلسل- فاتن أمل حربي- وال - ستريو تايب-


المزيد.....




- صناعة النفاق الثقافي في فكر ماركس وروسو
- بين شبرا والمطار
- العجيلي... الكاتب الذي جعل من الحياة كتاباً
- في مهرجان سياسي لنجم سينمائي.. تدافع في الهند يخلف عشرات الض ...
- ماكي صال يُحيّي ذكرى بن عيسى -رجل الدولة- و-خادم الثقافة بل ...
- الأمير بندر بن سلطان عن بن عيسى: كان خير العضيد ونعم الرفيق ...
- -للقصة بقية- يحقق أول ترشّح لقناة الجزيرة الإخبارية في جوائز ...
- الكاتبة السورية الكردية مها حسن تعيد -آن فرانك- إلى الحياة
- إصفهان، رائعة الفن والثقافة الزاخرة
- سينمائيون إسبان يوقعون بيانًا لدعم فلسطين ويتظاهرون تنديدا ب ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - رائدات في الظل والنور ..(2) سيزا النبراوي صوت المرأة في زمن الصمت