أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - 2. صناعة الأزمة: المقاطعة الشاملة كأداة تفكيك الدولة الطبقية وبناء “اللاحكومة”














المزيد.....

2. صناعة الأزمة: المقاطعة الشاملة كأداة تفكيك الدولة الطبقية وبناء “اللاحكومة”


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 19:48
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


الدولة في التحليل الماركسي هي تجسيد مادي لهيمنة طبقة على أخرى. هي الأداة التي تحتكر العنف من أجل الحفاظ على علاقات الإنتاج السائدة وضمان استمرار تراكم رأس المال في أيدي القلة. في الواقع السوداني، تتجلى هذه الحقيقة في تحالف الرأسمال الطفيلي مع الأجهزة العسكرية والأمنية، حيث تحولت مؤسسات الدولة إلى مظلة قانونية لشبكات النهب والاحتكار، بينما أُعيد تعريف “الخدمة العامة” لتصبح غطاءً لتدفق الفائض نحو الطبقة المسيطرة. كل قانون يُسنّ لحماية الملكية الخاصة، وكل إجراء مالي يُفرض لضبط السوق، هو تثبيت للعنف الطبقي وتقييد لإمكانيات التغيير من القاعدة.

تتحرك المقاطعة الشاملة داخل هذا السياق كفعل جدلي يعرّي بنية الدولة من الداخل. حين تمتنع الجماهير عن المشاركة في الدورة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للنظام، فإنها لا تمارس انسحابًا سلبيًا بل تعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع. المقاطعة لا تتوجه ضد مؤسسات محددة فقط، بل ضد المنطق الذي يمنحها الشرعية. فكل سلعة تُستهلك من شبكات الرأسمال المسيطر تمثل تجديدًا ضمنيًا لعقد الخضوع، وكل معاملة مالية عبر قنوات النخبة هي ضخّ مباشر في شرايين القمع. وعندما تتوقف هذه الدورة بفعل الوعي الجمعي، يتكشف زيف الحياد المؤسسي وتظهر الدولة على حقيقتها كجهاز مادي لحماية الاستغلال.

في تحليل غرامشي، تُمارس الطبقة الحاكمة هيمنتها عبر مزيج من القسر والرضا، إذ تضمن بوسائل الأيديولوجيا والثقافة قبول الجماهير بالنظام القائم. المقاطعة تُحدث خلخلة في هذا التوازن، إذ تسحب الجماهير رضاها الطوعي وتفكك شرعية النظام دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة. حين تُقاطع الجماهير الانتخابات وتنسحب من مؤسسات التمثيل السياسي، لا يكون الامتناع عزوفًا، بل فعلًا واعيًا يعلن نهاية صلاحية الشكل البرجوازي للديمقراطية، ويكشف أن الدولة لم تعد قادرة على إنتاج قبول أيديولوجي. عند هذه النقطة، تنهار وظيفة “الإقناع” لتحل محلها وظيفة “الإكراه”، ويتحول الحكم إلى قمع عاري من غطاء الشرعية.

تمتد المقاطعة الاقتصادية كشقّ عملي لهذا الوعي، إذ تضرب مركز تراكم رأس المال وتعيد توجيه الفعل الجماهيري نحو تعطيل دورة الفائض. في السياق السوداني، تجلت هذه الديناميكية في مقاطعة سلع شركات التكتل الاقتصادي المسيطر، حيث أدى توقف الاستهلاك إلى خنق التدفقات النقدية لشبكات الريع، مما أظهر قدرة الفعل الجماهيري المنظم على إحداث اختلالات ملموسة في بنى تراكم رأس المال. توقف الاستهلاك والامتناع عن التعامل مع مؤسسات النخبة لا يعطل السوق فقط، بل يكشف هشاشة البنية الرأسمالية التي لا تستمد استقرارها إلا من امتثال الجماهير. وعندما تتوسع المقاطعة لتشمل الجوانب السياسية والاجتماعية، فإنها تُحدث توازنًا جديدًا في القوى، حيث تتراجع قدرة الدولة على إدارة المجتمع، وتبدأ مرحلة انتقالية تتجسد فيها ملامح “اللاحكومة”.

في هذه المرحلة، لا يعني غياب الدولة غياب التنظيم، بل تحوله من الأعلى إلى الأسفل. الجماهير التي تبادر إلى إنشاء شبكات تبادل وتعاون محلية تُمارس فعلًا سياسيًا جوهريًا، لأنها تبني في قلب الأزمة نمطًا بديلًا من الإدارة قائمًا على الثقة المباشرة والتوزيع العادل للموارد. الأسواق الشعبية التي تنظم الإمداد خارج قبضة السلطة، ولجان الأحياء التي تتولى مهام الخدمات، تمثل البنية التحتية الأولى لسلطة موازية. ومع تطور هذه البنى، تظهر الآليات الانتقالية التي تجعل “اللاحكومة” أكثر تنظيمًا، عبر تنسيق لجان الأحياء واتحادات العمال والمزارعين في مجالس مشتركة لتخطيط الموارد، وبناء شبكات تضامن مالي تؤمن الاستمرارية وتمنع العفوية من التبدد. في هذا التراكم التنظيمي، تتشكل نواة السلطة الجديدة.

هذا التآكل البطيء لسلطة الدولة هو التعبير الواقعي عن الصراع الطبقي في لحظته الأعلى. فكل انسحاب جماهيري من مؤسسات القهر هو انتزاع لمساحة من السلطة، وكل مبادرة جماعية خارج منطق الدولة هي خلية في بنية السلطة الجديدة. المقاطعة هنا ليست مجرد احتجاج أو رفض، بل عملية إنتاج واعٍ للأزمة، لأن الأزمة في المفهوم الماركسي ليست انقطاعًا مؤقتًا في النظام، بل لحظة انكشاف للبنية الاجتماعية التي تخفيها القوانين والأيديولوجيا.

حين تفقد الدولة قدرتها على استيعاب التناقض داخل مؤسساتها، تنفجر الأزمة كتعبير عن استنفاد أدوات السيطرة. ومع كل محاولة للسلطة لتعويض فقدان الشرعية بمزيد من العنف، يتعمق الوعي الثوري بأن المشكلة ليست في من يحكم، بل في شكل الحكم نفسه. عند هذه النقطة، تتحول المقاطعة إلى مدرسة للوعي الطبقي، تتيح للجماهير أن ترى الدولة على حقيقتها كجهاز عنف منظم لا يمكن إصلاحه بل تجاوزه.

إن المقاطعة الشاملة، إذ تكشف عن طبيعة الدولة الطبقية، تفتح أفقًا جديدًا لفعل الجماهير، حيث تُنتج في صيرورتها بذور السلطة البديلة. كل انسحاب من دائرة السيطرة هو خطوة نحو تنظيم جماعي حر، وكل أزمة ناتجة عن هذا الانسحاب هي لحظة خلق، لا انهيار. من هنا يبدأ تشكل “اللاحكومة” بوصفها نفيًا جدليًا للدولة القائمة، لا غيابًا للنظام بل إرهاصًا بسلطة الجماهير المنظمة.

“كل دولة هي في جوهرها جهاز عنف منظم من طبقة ضد أخرى.”
فريدريك إنجلز.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاقتصاد المقاوم: المقاطعة كأداة للتحول الثوري في السودان 1
- أسئلة بلا طبقة
- 14. التنظيم الثوري وبناء الحزب الجديد: من النظرية إلى الممار ...
- 13. نحو ماركسية سودانية جديدة: الدروس العالمية والتأسيس النظ ...
- 12. البيئة والمناخ: الإمبريالية الخضراء والعدالة المناخية
- 11. الثقافة والأدب في السودان: جبهات الصراع الإيديولوجي
- 10. الإعلام والوعي الزائف: آليات الثورة المضادة في السودان
- 9. الهوية والدين: أسلحة الطبقة الحاكمة في السودان
- 8. التبعية والصراع الإمبريالي: الديناميكيات الإقليمية والدول ...
- 7. العنف المضاد للثورة: تشريح جهاز الدولة البورجوازي
- 6. اقتصاد الحرب في السودان: الرأسمالية الطفيلية والهيمنة الع ...
- 5. اليسار السوداني: الأزمة الاصلاحية وتحول البنية الطبقية
- 4. التشكيلة الاجتماعية السودانية: تحليل طبقي للبنية المعقدة
- 3. الماركسية واللاعنف: قراءة في صراع النظرية والتاريخ
- 2. السودان والمأزق النظري: تشريح إخفاق الثورة السلمية
- الماركسية والثورة السودانية – جدل النظرية والممارسة 1. المار ...
- 10. آفاق الثورة السودانية في السياق الأممي: نحو قطيعة مع أوه ...
- رأسمالية التعليم وإخصاء الوعي
- 8. القطيعة الثورية: الاشتراكية كطريق وحيد لتحطيم أوهام الإصل ...
- 7. البرجوازية الطفيلية: الحلقة المفقودة في أزمة الإصلاح السو ...


المزيد.....




- هولندا ـ انتخابات مبكرة في اختبار حاسم لفيلدرز واليمين المتط ...
- إضراب عمال “رباط السفن” احتجاجًا على تقليص الحوافز 
- الولايات المنقسمة العربية
- أبناء البلد.. حركة يسارية تدافع عن حقوق فلسطينيي 48
- مداخلة فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب حول مشروع القانو ...
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تحتج أمام السفا ...
- Gunboat Diplomacy In the Caribbean
- Review of Kathryn Bigelow’s -A House of Dynamite’
- Poetry As Resistance: On Art, Conscience, and the Courage to ...
- Review of Jeff Schuhrke’s -No Neutrals There:  US Labor, Zio ...


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - 2. صناعة الأزمة: المقاطعة الشاملة كأداة تفكيك الدولة الطبقية وبناء “اللاحكومة”