علي جاسم ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 8504 - 2025 / 10 / 23 - 18:14
المحور:
الادب والفن
يا أمّاه،
نامي الليلة دون خوف،
فقد صرتُ طيفًا بدعائك،
لا أحمل في صدري سوى بقايا رملٍ،
وبعض الملح الذي كان دموعي الأخيرة.
أنا آسف يا أمّي،
لم أكن أبحث عن جنّةٍ ولا عن وطنٍ جديد،
كنت فقط أبحث عن مكانٍ أتنفّس فيه بهدوء.
لكن السفينة كانت من كذبٍ،
والحلم كان أوسع من البحر،
فضاق بنا الاثنان معًا،
أنا والنجاة.
لا تبكي يا أمّي،
إن لم يجدوا جثّتي،
فأنا الآن أطفو في ذاكرة الله،
أسبح بين الموج كحرفٍ من سورة الرحمن،
ولن تكلّفي ثمن التابوت ولا ثمن الوداع،
فكلّ البحار أصبحت مقابرنا الجماعية،
وطيور النوارس صارت شاهدةً علينا.
يا حبيبتي،
لا تبحثي عني في نشرات الأخبار،
فوجهي لا يظهر في الشاشات،
أنا مجرد رقمٍ في العداد،
لكنّي كنتُ يومًا مَن قال لكِ:
سأبني لك بيتًا من حبٍّ وأحلامٍ بيضاء،
ها هو البحر بناه لي فعلًا،
بيتًا بلا سقفٍ ولا بابٍ،
يسكنه الضوء والصدأ.
يا أخي،
لن تصلك الخمسون يورو،
لكن خذ من البحر رسالتي،
ربما تعلّمك أن الغرق ليس موتًا،
بل طريقة أخرى للحياة في الصمت.
ويا أختي،
اغفري لي،
لن يصلك الهاتف الجديد،
لكنّ السماء من فوقي مفتوحة دائمًا،
وفيها “واي فاي” أبدية،
أبثّ منها السلام إليكم جميعًا.
أيّها البحر،
يا أكثر الأبواب عدلًا،
شكرًا لأنك لم تسألني عن أوراقي،
ولا عن بلدي،
ولا عن لون جلدي.
استقبلتني كما أنا:
مبلّلًا بالحلم،
عارياً من التصريحات.
شكرًا للأسماك،
لأنها اقتسمتني بالعدل،
ولم تتقاتل على قطعةٍ منّي،
شكرًا لها لأنها لم تلعنني
ولم تسأل:
هل أنا مسلم أم لاجئ أم غير مصنّف؟
وشكرًا لقنوات الأخبار،
التي منحتنا خمس دقائق من الحزن،
خمس دقائق فقط،
كأنها دقيقة صمتٍ طويلة
في عزاءٍ للبشرية بأكملها.
أنا آسف يا أمّي،
لكني لم أعد آسفًا الآن،
فقد ارتحتُ، وارتاح البحر منّي،
ارتاحت الأرض من ثِقَل أقدامي،
واستراح حلمي الصغير
الذي لم يتجاوز ثمن دواءٍ
وابتسامةٍ من فمك المتعب.
لا تنتظريني،
نامي مطمئنة،
أنا لم أغب،
أنا فقط
تحوّلتُ إلى موجةٍ
تلامس الشاطئ حين تذكرين اسمي.
#علي_جاسم_ياسين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟