أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي جاسم ياسين - لماذا يمنع الآخر من نقد التاريخ والتراث؟














المزيد.....

لماذا يمنع الآخر من نقد التاريخ والتراث؟


علي جاسم ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 08:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تدعو النصوص الدينية في ظاهرها إلى التفكير والتأمل، لكن الواقع التاريخي يظهر أن الأديان عموما، ومنها الإسلام في تجربته الواقعية، لم تكن منفتحة تماما على حرية البحث والنقد والتقييم. فقد غلب عليها الطابع المحافظ الذي يخشى المساءلة ويخاف من إعادة النظر في المسلمات، خاصة حين تأتي المراجعة من الخارج.

ومع ذلك، من الضروري أن ندرك اليوم أن كل ما نعرفه عن القرآن والسنّة وسيرة النبي والخلفاء والصحابة والأئمة مأخوذ من المصادر الإسلامية نفسها. فعندما يظهر نقد أو تساؤل أو مراجعة من باحث أو مفكر، فإنها غالبا لا تأتي من خارج الإسلام كدين، بل من داخل تاريخه ونصوصه وكتبه التي دوّنها المسلمون عبر القرون.

لذلك فإن الاعتراض على البحث أو النقد بحجة أنه “طعن في الدين” غير منصف، لأن الدين نفسه شهد نقدا داخليا متواصلا بين أتباعه. فكيف يُقبل أن ينتقد المسلمون بعضهم بعضا عبر التاريخ، ثم يُمنع الباحث أو المفكر المعاصر من أن يقرأ أو يناقش أو يراجع؟

إن رفض النظر في تلك المصادر بعقل مفتوح يكشف عن غياب العدالة الفكرية والإنصاف، لأن الإيمان لا يضعف أمام السؤال، بل يتقوى به، والحق لا يخشى البحث، وإنما يخشاه الباطل وحده.
الغاية من دراسة التاريخ والتراث ليست الهدم، بل الفهم: فهم النصوص في سياقها التاريخي والاجتماعي، والنظر إلى الموروث كنتاج بشري تراكم عبر العصور، يعكس واقع الناس وظروفهم وأفكارهم في أزمنتهم المختلفة.
ومن المهم أن نتذكر أن هذا الأمر لا يخص الإسلام وحده، بل يشمل كل الأديان والمعتقدات التي عرف تاريخها خلافات وانشقاقات وقراءات وتأويلات متباينة. لذلك، فإن دراسة التراث أو نقده من الخارج لا تعني العداء، بل يمكن أن تكون
محاولة للفهم الموضوعي.

لم يكن منع النقد أو التضييق على الفكر أمرا جديدا في تاريخنا العربي والإسلامي. فقد عرف التراث نفسه حالات كثيرة من الرفض والتكفير والإقصاء لكل من حاول أن يقرأ النصوص أو التاريخ قراءة مختلفة.
فقد تعرّض ابن سينا وابن رشد إلى التكفير من معاصريهما بسبب محاولتهما التوفيق بين الفلسفة والدين، ورُفضت كتب ابن المقفع والحلاج والسهروردي، بل ودفع بعضهم حياته ثمنا لأفكاره.
وفي العصر الحديث، تكرّر المشهد نفسه، إذ وُوجه مفكرون مثل طه حسين في كتابه في الشعر الجاهلي، ونصر حامد أبو زيد في دراساته حول النص الديني، ونوال السعداوي في دفاعها عن حرية المرأة، وأدونيس في قراءاته النقدية للتراث، ونبيل فياض في أطروحاته الفكرية، بحملات من التكفير والتخوين أو المنع من الكتابة.

ولم يقتصر الأمر على الإسلام وحده، فكل الأديان الكبرى عرفت مواقف مشابهة تجاه المفكرين الأحرار.
في المسيحية، أُحرق الفيلسوف جيوردانو برونو بسبب آرائه التي خالفت الكنيسة، وتعرّض غاليليو لمحاكم التفتيش لأنه قال بدوران الأرض حول الشمس.
وفي اليهودية، طُرد الفيلسوف باروخ سبينوزا من مجتمعه بسبب أفكاره العقلانية حول الله والطبيعة، وواجه موسى بن ميمون انتقادات شديدة لتأثره بالفلسفة.
أما في الهندوسية، فقد حورب مصلحون مثل نارايانا غورو ورام موهان روي لأنهم دعوا إلى المساواة ورفض التمييز الطبقي.
وفي البوذية، واجه مفكرون إصلاحيون مثل تايكسو مقاومة كبيرة عندما دعوا إلى تجديد فهم البوذية لتواكب العصر.


كل هذه الأمثلة من الشرق والغرب، ومن أديان مختلفة، تؤكد أن الخوف من السؤال ليس خاصية لدين أو ثقافة بعينها، بل هو ميل بشري يتكرر كلما واجه الإنسان ما يهدد يقيناته أو مصالحه.
هذه الأمثلة لا تعبّر عن أفراد بعينهم بقدر ما تعبّر عن عقل جمعي يخاف السؤال، ويخلط بين النقد والعداء. فبدل أن يُناقش الفكر بالفكر، يُقابَل أحيانا بالتجريم أو الاتهام. ومع ذلك، بقيت أفكار هؤلاء وغيرهم، لأن ما يُكتب بصدق لا يموت، حتى وإن حورب زمنا.
من أراد أن يعرف الإسلام كما هو، فعليه أن يقرأه بعين ناقدة صادقة لا خائفة ولا متعصبة، فالحقيقة لا تهزم بالبحث، وإنما تهزم بالخوف منه.
إن حرية التفكير والنقد ليست تهديدا لأي معتقد، بل وسيلة لتقوية الوعي.



#علي_جاسم_ياسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيستاني: مرجعية الصمت والتواطؤ
- إمام علي No ستي Yes: النجف بين قداسة الرمز وتناقض الموقف
- الحلقة الثانية: لماذا الشرق الأوسط بالذات؟
- الحلقة الأولى: الحضارات القديمة وظاهرة النبوة
- الفلاسفة ورجال الدين في صراع العقل والسلطة عبر التاريخ
- لحم الخنزير والغيرة المفقودة
- أفلاطون عزيز… لكن الحقيقة أعز
- هل القرآن كتاب الله أم كتاب إساءة إلى الله؟
- نصب الحرية: من جواد سليم إلى شباب تشرين
- قمل وذباب على قمة السلطة
- عندما تثقف امرأة… تسقط كل الأعراف!
- حضارة نفتخر بها… بعد أن كفّرنا أصحابها
- الآخرة مؤجلة… والعقار نقدا
- لماذا يختلف كلام الله في القرآن في الأهمية؟ تأمل نقدي
- سرديات بلا ضمير… وأتباع بلا تفكير
- وصايا النهرين في زمن اللصوص
- سفر أيوب: ملحمة المعاناة والبحث مدخل تاريخي وفلسفي
- رمزية الفقر والسلطة في قصيدة بهاء جمعة “المعطف”
- فتوى لإعادة تدوير الفساد والخراب
- التفكير المستمر.. طريقنا إلى الحقيقة


المزيد.....




- انشاء ركن القدس في مركز الحضارة الإسلامية في طشقند
- مقبرة الساهرة إحدى أقدم المقابر الإسلامية في القدس
- اتفاق غزة يفضح صراع جبهات الإخوان.. مصر بمرمى المزايدات
- اتفاق غزة يفضح صراع -جبهات الإخوان-.. مصر في مرمى المزايدات ...
- بابا الفاتيكان يشيد بالصحفيين لنقلهم الحقائق من غزة
- المستوطنون يستبيحون المسجد الاقصى وسط إجراءات عسكرية مشددة
- مالي: شهر على حصار العاصمة من قبل -جماعة نصرة الإسلام والمسل ...
- قائد الثورة: الترويج للصلاة، واجب حتمي لاجهزة الدعوة الدينية ...
- مستعمرون يعتدون على مواطن وزوجته ويسرقون محصول الزيتون غرب س ...
- السعودية تعرض لأول مرة عملات إسلامية نادرة.. بينها أول دينار ...


المزيد.....

- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي جاسم ياسين - لماذا يمنع الآخر من نقد التاريخ والتراث؟