أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي جاسم ياسين - وصايا النهرين في زمن اللصوص














المزيد.....

وصايا النهرين في زمن اللصوص


علي جاسم ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 10:30
المحور: الادب والفن
    


يا ابن الرافدين،
يا وريث الحروف التي خطّت أول شمس على ألواح الطين،
أكتب إليك من زمنٍ عطِش فيه النهران،
وتأوّهت الأرض تحت خطى عمائم ثقيلة،
تسوق البلاد كما تُساق القوافل إلى الصحراء،
وتبيع الموانئ كما لو كانت خرائط قديمة بلا أصحاب.
تحت سماء لا تشرق إلا على جثث الأحلام،
يتحوّل الوطن إلى رمادٍ متناثر،
بين أيدي لصوصٍ لا يعرفون غير أسمالهم
الملطخة بمالٍ مسروق.
المدن قائمة على أسمائها فقط:
بغداد بلا قلب،
البصرة بلا ماء،
الموصل بلا أمان،
النجف وكربلاء غارقتان في السياسة أكثر من الدين،
والعمارة والرمادي تلعقان جراحهما في صمت.
الكهرباء تزور ساعة ثم تختفي،
الماء يأتي مالحًا أو لا يأتي،
المستشفيات تنتظر موت مرضاها،
والمدارس قوالب من جدران بلا علم.
الميليشيات تسير في الشوارع كأنها الدولة،
ترفع السلاح وتفرض القوانين،
والساسة يقسمون الوزارات كما يقسم الصيادون الغنائم،
لا حساب ولا عقاب،
ومن يرفع صوته يُختطف أو يُسكت إلى الأبد.
منذ الاحتلال،
تداول الحكم عمائم وبزّات عسكرية،
كلاهما يعرف كيف يملأ الخزائن،
وكلاهما يرفع الشعارات ليُخفي الصفقات.
منابر الدين نشرات سياسية،
خطابات الوطنية تُلقى من وراء الجدران المحصّنة،
في الخارج، الناس يعدّون ساعات انقطاع الكهرباء،
ويحسبون أيام العطش.
وحين جاء داعش،
ذهب أبناء الفقراء إلى الجبهات،
حملوا البنادق القديمة وواجهوا الموت وجهًا لوجه،
بينما أبناء القصور ظلّوا في القصور،
لا يظهرون إلا حين تضيء الكاميرات،
ثم يعودون ليعلَّقوا على صدورهم أوسمة نصرٍ
دفع ثمنه آخرون.
ومهما رفعت العمائم شعارات الجهاد،
لن تجد بينهم من أرسل ابنًا أو حفيدًا،
فالفتوى سلعة تُباع وتُشترى،
والموت دائمًا للآخرين.
في الجنوب، البحر يبتعد،
الأرض تُقتطع،
الحدود تُرسم على الورق من جديد،
وميناء خور عبدالله يُسلَّم باتفاقيات مريبة،
كأن العراق غنيمة تُقسم بين الجيران،
ولا حاكم يعترض،
فكل اعتراض قد يوقف تدفق المال إلى الجيوب.
في الأزقة، يشاهد الشيوخ أحفادهم يكبرون بلا مدارس،
ويرى الفلاح أرضه تتشقّق،
ويعرف الصياد أن البحر لم يعد له،
ويتعلم الطفل أن الصمت أحيانًا
هو وسيلة النجاة الوحيدة.
إلى الأجيال القادمة،
نكتب هذه الشهادة كي تعرفوا أن النهرين بكيا في زمنكم،
لا من الجفاف وحده، بل من الخيانة،
كي تعرفوا أن البلد كان مسلوبًا،
وأن اسمه كان يُستخدم لتبرير كل صفقة،
وأن الفتوى كانت جسرًا لعبور اللصوص
إلى خزائن الدولة.
لكن العراق، مهما طال ليله،
يحمل في أعماقه ما يكفي ليعود،
لا بفضل من حكمه في هذا الزمن،
بل بفضل من ظلّوا مخلصين رغم الجوع والخوف،
ومن حفظوا الحكايات كي تصل إليكم كما هي،
دون تزييف أو تحريف.



#علي_جاسم_ياسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سفر أيوب: ملحمة المعاناة والبحث مدخل تاريخي وفلسفي
- رمزية الفقر والسلطة في قصيدة بهاء جمعة “المعطف”
- فتوى لإعادة تدوير الفساد والخراب
- التفكير المستمر.. طريقنا إلى الحقيقة
- التاريخ يعيد خطأه: الانحياز إلى الأشخاص
- العقل تحت الإقامة الجبرية منذ القرن الرابع الهجري
- نوجد أولًا… ثم نختار من نكون
- الإنسان يولد غير مكتمل


المزيد.....




- أنقذتهم الصلاة .. كيف صمد المسلون السود في ليل أميركا المظلم ...
- جواد غلوم: الشاعر وأعباؤه
- -الجونة السينمائي- يحتفي بـ 50 سنة يسرا ومئوية يوسف شاهين.. ...
- ?دابة الأرض حين تتكلم اللغة بما تنطق الارض… قراءة في رواية ...
- برمجيات بفلسفة إنسانية.. كيف تمردت -بيز كامب- على ثقافة وادي ...
- خاطرة.. معجزة القدر
- مهرجان الجونة يحتضن الفيلم الوثائقي -ويبقى الأمل- الذي يجسد ...
- في روايته الفائزة بكتارا.. الرقيمي يحكي عن الحرب التي تئد ال ...
- في سويسرا متعددة اللغات... التعليم ثنائي اللغة ليس القاعدة  ...
- كيت بلانشيت تتذكر انطلاقتها من مصر في فيلم -كابوريا- من بطول ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي جاسم ياسين - وصايا النهرين في زمن اللصوص