أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي جاسم ياسين - العقل تحت الإقامة الجبرية منذ القرن الرابع الهجري














المزيد.....

العقل تحت الإقامة الجبرية منذ القرن الرابع الهجري


علي جاسم ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 00:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ثقافتنا تعبد النصوص؛ يكفي أن تقول: قال فلان، فيتوقف العقل.بهذه العبارة الخاطفة لخص نصر حامد أبو زيد الحرب الفكرية كلها.
عقل المسلم الذي كان يومًا يحاور الفلسفة الإغريقية، ويجادل في علم الفلك، والطب، والكيمياء أُودع الآن زنزانة فكرية لا يُسمح له بالخروج منها إلا تحت حراسة مشددة: قال فلان و أجمع الشيوخ.
في العصر العباسي الأول، كان المسلم يناقش الكون كما يناقش الميتافيزيقا، يكتب عن الضوء كما يكتب عن التأويل، يجادل في المعنى كما يجادل في المعادلة. ابن رشد شرح فلسفة أرسطو بلا خوف، الفارابي حلم بمدينة فاضلة، وابن الهيثم اختبر قوانين البصريات عمليًا. كانت النصوص تُقرأ لتُفهم لا لتُعبَد، والعقل كان شريكًا لا ذليلًا.
لكن في القرن الرابع الهجري، صدر القرار التاريخي: إغلاق باب الاجتهاد. كان الأمر أشبه بقرار إداري يوقف العمل بالعقل حتى إشعار آخر. تحوّل الدين إلى قانون يُنفذ حرفيًا بلا تطوير، وأضحى الفقيه حارس البوابة، لا يسمح لأي فكر إلا بإذنه. ومن ذلك اليوم، أصبحت عبارة قال فلان أقوى من أي برهان، وأصبح التراث المرجع النهائي حتى في قضايا لم يتصور أسلافنا أنها ستُناقش.
الأمثلة كثيرة: في الأندلس، حُرقت كتب ابن رشد الفلسفية لأنها،كما قيل تفسد العقيدة، كما لو أن العقيدة تمثال من الصلصال لا يحتمل نفحة نقد. وفي بغداد، أهملت مؤلفات الرازي والبيروني في الطب والفلك لصالح كتب الوعظ والقصص. وفي الدولة العثمانية، حين دخلت أوروبا عصر الطباعة، حُرّمت الطباعة قرونًا، كما لو أن نسخ الكتب باليد وصايا منزلية من السماء.
واليوم، رغم انتشار الإنترنت والهواتف الذكية، لا يزال العقل تحت الإقامة الجبرية. كل سؤال يحتاج ختم الموافقة من شيخ، وكل فكرة تُعرض على لجنة تفتيش عقائدي قبل أن تُناقش. نعيش في زمن تتاح فيه المعلومة في غضون ثوانٍ، لكن الإجابة المفضّلة لا تزال: قال فلان… فسكت العقل.
الأزمة ليست منظومة اجتماعية أو سياسية فحسب، بل انتشار الدين نفسه كممارسة سلطوية دوغمائية يُسيطر عليها حراس النص، الذين يرون السؤال تهديدًا، والنقد كفرًا، والاجتهاد بدعة. العقل مكبّل منذ القرن الرابع، تحت الإقامة الجبرية، في انتظار قرار الإفراج المشروط. ورغم ذلك، لا يزال محاصرًا بالدوغمائيين الذين يرمون عليه حجارة الجهل ويبتسمون بفخر شديد.
الحقيقة العلمية تتساقط على رؤوسهم كما المطر على صحراء عطشى، لكنهم يصرون على تبجيل الكتب القديمة كما لو كانت مصابيح سحرية قادرة على إنارة العصر الحديث. وفي وقت تتدفق فيه المعرفة عبر الشاشات، يظل السؤال المستنير جريمة، والنقد البناء تهديدًا وجوديًا، والابتكار الفكري جريمة مشروعة، كل ذلك تحت شعار واحد:قال فلان… فسكت العقل.والمأساة الكبرى أن هذا العرض الفكري لا يزال يُعرض في المسرح العام، وكأن الزمن توقف، بينما العالم ينظر ويبتسم ساخرًا على هذا المسرح الصامت.



#علي_جاسم_ياسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوجد أولًا… ثم نختار من نكون
- الإنسان يولد غير مكتمل


المزيد.....




- متظاهرون يحتجون أمام كاتدرائية نوتردام في باريس ضد مجازر إسر ...
- ماذا قال السوداني عن استغلال المناسبات الدينية لأغراض سياسية ...
- حماس تحذر من تصعيد المستوطنين في المسجد الأقصى
- «إرهابي مجرم.. عار على الشعب اليهودي».. متظاهرون يلاحقون بن ...
- النيجر تعلن مقتل زعيم بوكو حرام بغارة جوية
- مؤتمر -غزة مسؤولية إسلامية وإنسانية- في إسطنبول ينطلق بنداء ...
- متى ستحل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا نفسها؟
- من يتحمل المسؤولية عن العنف الطائفي في سوريا؟
- بمشاركة نحو 100 عالم دين.. انطلاق -مؤتمر غزة- في إسطنبول
- 45 ألفا أدّوا صلاة الجمعة في المسجد الأقصى


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي جاسم ياسين - العقل تحت الإقامة الجبرية منذ القرن الرابع الهجري