أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي جاسم ياسين - الآخرة مؤجلة… والعقار نقدا














المزيد.....

الآخرة مؤجلة… والعقار نقدا


علي جاسم ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 8463 - 2025 / 9 / 12 - 22:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يُحدّثك المؤمن عن الجنة كما لو كان سمسارا لمشروع إسكان سماوي: يرفع سبابته، ويصف لك القصور المنيفة، والأنهار الجارية، والحور اللواتي يُضيء الليل بابتسامتهن. تقول في نفسك: هذا رجلٌ يملك يقينًا لا يتزعزع! ثم تلتفت فتراه يقيس الأرض بالذرع، ويُفاوض الجار على المتر المربع كما لو أن الخلود مرهونٌ بالمساحة المبنيّة.
وتبقى الحقيقة أن الجنة في خطابه دائما أوسع وأجمل من الدنيا، لكن خطواته تفضحه: يزاحمك في البنك، يُكدّس الذهب في الخزانة، يكتب العقار باسم ابنه الرضيع حتى لا تُنقصه يدُ الميراث شيئا. كأن لسانه يعيش في الفردوس، لكن قلبه عالق في دفتر الطابو.
تراه يقرأ: “ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم”، ثم يلهث كلبا خلف سيارة الدفع الرباعي. يصدح: “إنما الدنيا متاع الغرور”، ثم يغتصب فرصة، ويقايض ضميره مع أول صفقة عقار. يلعن الدنيا على المنبر، ثم يلحس حذاءها في السوق.
أي جنّةٍ هذه التي يؤمن بها، إذا كان يخاف أن يدخلها صفر اليدين؟ لماذا يحشو جيوبه بالمال كأن الحوريات سيسألن عن رصيده البنكي؟ أي شهوة تافهة تدفعه ليكون مؤمنًا بالآخرة و”مستثمرًا بالدنيا” في الوقت ذاته؟
لقد صار المؤمن العقاري أسطورة معاصرة: نصفه واعظٌ للآخرة، ونصفه الآخر لصٌّ في المزاد. يمدّ يدًا إلى السماء، والأخرى في جيبك. يُشبه التاجر الذي يمنحك مفتاحا يقول إنه يفتح أبواب الجنة، بينما هو في الحقيقة يفتح خزانته.
فإذا سألته: “أما كنت تؤمن بأن عند الله خيرا وأبقى؟” أجابك بابتسامة: نعم، ولكن الاحتياط واجب. قد تكون الجنة مؤجلة، أما العقار فمضمون الملكية!
هذا المؤمن لا يكتفي بامتلاك الأرض، بل يبارك نفسه باعتبار كل صفقة “رزقا من الله”. فإذا ربحتَ عليه دينارا، فأنت سارق، أما إن ربح عليك أضعافًا، فهو توفيق من رب العالمين. يجعل من الجشع فضيلة، ومن الانتهازية عبادة، حتى تظن أن الآخرة عنده ليست سوى فرع ثانٍ من شركته العقارية، يدرّ عليه أرباحا آجلة، بينما يملأ جيوبه بأرباح عاجلة.
وحين يجلس على كرسي الوعظ، يطالبك بالصبر على الفقر لأنه امتحان من الله، بينما يمتحن هو صبرك على رؤية ثروته المتضخمة. يعظ الناس بالزهد وهو يمدّد عقوده في السوق، ويستشهد بالآيات عن البذل والعطاء وهو يخبّئ المال في الخزانة ويضع المفاتيح تحت وسادته. هكذا يصبح الدين غطاء يغطي قبح الطمع، وتصبح الجنة شعارا إعلانيا يلوّح به، فيما الأرض الحقيقية تُباع وتُشترى تحت طاولته.
وفي النهاية، يظل المؤمن بالعقار أصدق من المؤمن بالجنة، لأن سند الملكية أقوى عنده من أي وعدٍ إلهي.



#علي_جاسم_ياسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يختلف كلام الله في القرآن في الأهمية؟ تأمل نقدي
- سرديات بلا ضمير… وأتباع بلا تفكير
- وصايا النهرين في زمن اللصوص
- سفر أيوب: ملحمة المعاناة والبحث مدخل تاريخي وفلسفي
- رمزية الفقر والسلطة في قصيدة بهاء جمعة “المعطف”
- فتوى لإعادة تدوير الفساد والخراب
- التفكير المستمر.. طريقنا إلى الحقيقة
- التاريخ يعيد خطأه: الانحياز إلى الأشخاص
- العقل تحت الإقامة الجبرية منذ القرن الرابع الهجري
- نوجد أولًا… ثم نختار من نكون
- الإنسان يولد غير مكتمل


المزيد.....




- تحقيق لبي بي سي يكشف: أعضاء جماعة أمريكية معادية للإسلام يدي ...
- صحفي يهودي: الدعاية الإسرائيلية تفقد نفوذها في وسائل الإعلام ...
- فرنسا: كاتدرائية -نوتردام- تتجاوز -برج إيفل- ومعالم سياحية ب ...
- حاخام: الصهيونية تغذّي معاداة السامية بربط اليهود بإبادة غزة ...
- كاتدرائية نوتردام بباريس باتت المعلم السياحي الأول في فرنسا ...
- باحثون فرنسيون يلغون مشاركتهم في ندوة حول تاريخ يهود فرنسا ب ...
-  الإسلام السياسي: أقذر أنواع الحكم البرجوازي – العراق نموذجً ...
- بزشكيان سيشارك في القمة الاسلامية الطارئة في الدوحة
- حاخام: الصهيونية تغذّي معاداة السامية بربط اليهود بإبادة غزة ...
- دُفن في البحر وحقائق أخرى لم تكن تعرفها عن أسامة بن لادن


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي جاسم ياسين - الآخرة مؤجلة… والعقار نقدا