علي جاسم ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 20:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أغلب المسلمين يرددون بثقة أن أكل لحم الخنزير يطيح بغيرة الإنسان، ويجعل الرجل بلا شرف. وكأن الأمر حقيقة علمية لا نقاش فيها، لكن أين الدليل؟ لا في الطب، ولا في علم النفس، ولا في التاريخ. مجرد وهم موروث، يردده الناس جيلا بعد جيل.
المفارقة أن الغرب، الذي يأكل لحم الخنزير منذ مئات السنين، لم يفقد غيرته ولا إحساسه بالشرف. بل هو الذي خرجت منه الثورات الكبرى لحقوق الإنسان، وهو الذي يملأ شوارعه اليوم مظاهرات تضامن مع غزة. شباب وشابات أوروبا وقفوا بجرأة أمام حكوماتهم دفاعا عن العدالة، بينما مجتمعاتنا المطهرة من الخنزير بقيت ساكنة، لا غيرة فعلية ولا كرامة حقيقية.
والأدهى أن أغلب المسلمين أنفسهم قد فقدوا الغيرة فعلا، ليس بسبب لحم الخنزير، بل بسبب الخراب والفساد الذي دمّر أوطانهم وحوّلهم إلى رعايا أذلاء في بلدانهم. لم يبق عندهم أي حس بالكرامة، خصوصا حين تعلق الأمر بفلسطين، واليوم غزة، بما تحمله من مأساة مروّعة تعرض أمامهم على الشاشات. هنا لم يظهر أثر الغيرة الإسلامية المزعومة، بل ظهر الصمت واللامبالاة وكأن الأمر يحدث في كوكب آخر.
الخرافة إذن لا تفسّر شيئا، بل تكشف عجزا. هي طريقة سهلة للهروب من مواجهة الواقع بدل أن نسأل لماذا صارت شعوبنا عاجزة عن التضامن أو الثورة، نرمي اللوم على طبق لحم.
الحقيقة البسيطة أن الغيرة لا علاقة لها بالمعدة، بل بالموقف. الشرف لا تحدده وجبة غذائية، بل شجاعة الإنسان حين يختبره الزمن. وأشد ما يكشف تفاهة هذا الوهم أن من يروّج له هو نفسه غالبا مكبّل بالصمت، مكتف بإقناع نفسه أنه أفضل من الغربي الذي يأكل الخنزير.
لكن غزة اليوم وضعت المرآة أمامنا.
أما الأوروبي الذي يأكل الخنزير هو من خرج ليهتف للعدالة، بينما المسلم الذي يزعم أن عنده الغيرة، فقد جلس متفرجا.
#علي_جاسم_ياسين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟