أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - لماذا لم يدافع الشعب التونسي عن -الديمقراطية-؟














المزيد.....

لماذا لم يدافع الشعب التونسي عن -الديمقراطية-؟


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 15:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الثورة السياسية الحديثة وصناعة مفهوم "الشعب"

كانت الثورة السياسية الحديثة نقطة التحول الكبرى التي نقلت المجتمعات من الحكم الإمبراطوري الفردي إلى الدولة الديمقراطية القائمة على الإرادة الشعبية. بحيث تحوّل شكل الحكم بناءً على التحوّل الجذري في فلسفة الشرعية ذاتها؛ إذ انتقل مركزها من "الحق الإلهي للملوك" إلى "الحق الشعبي". وانتقل مركز اهتمام الحكم والسياسات من خدمة السلطان وحاشيته إلى خدمة المواطنين.

بمعنى أن "الشعب" لم بكن مفهوما جاهزًا أو طبيعيًا، وإنما هو صناعة ثقافية أنجزتها النخب المؤمنة بالديمقراطية من خلال مؤسسات الدولة الجديدة. فقد أدركت تلك النخب أن الديمقراطية لا يمكن أن تقوم إلا على قاعدة اجتماعية صلبة، وأن المشاركة السياسية لا تصبح ممكنة إلا عندما يُعاد تشكيل الإنسان ذاته ليكون مواطنًا حرًا ومسؤولًا.

من هنا جاءت السياسات التي غيّرت وجه أوروبا، ثم وجه العالم: إجبارية التعليم، تعميم الثقافة، تأسيس المسرح والفنون، تشجيع البحث العلمي، تطوير الطب، تحسين شروط العيش، مكافحة الفقر، وتوسيع مجال الحريات العامة...
كل ذلك كان جزءًا من مشروع تاريخي متكامل هدفه بناء شعب قادر على أن يكون مصدرًا للشرعية السياسية، وذلك بتغيير واقعي لشروط الحياة، وبخلق روابط جديدة بين الفرد والدولة قائمة على القانون والمصلحة العامة، ومؤطّرة بدستور مُتّفق عليه.

بهذا المعنى، الديمقراطية ليست هديّة للنخب أو لعبة تنظّم بها تقاسم المناصب والمنافع في ما بينها بعيدا عن مصالح الناس. بل هي مشروع تاريخي للارتقاء بالإنسان. لذلك أصبحت الديمقراطية، في المجتمعات التي أنجزت هذا التغيير وانتقلت بنجاح من العصر السلطاني إلى العصر الديمقراطي، مكسبًا شعبيًا راسخًا لا يمكن للناس أن يُفرّطوا فيه أبدا. ذلك أن الديمقراطية لم تعد فكرة نظرية مجرّدة، بل تجربة حياة أثبتت قدرتها على تحسين حياة الناس وضمان كرامتهم.

في هذا السياق لابدّ وأنّك توقّعت سؤالا يطرح نفسه في التجربة التونسية، وهو: لماذا لم يدافع الشعب التونسي عن الديمقراطية حين تعرّضت للخطر، بل أيّد "عودة الحكم الفردي" ممثّلًا في رئيسٍ يحكم بمفرده ويعيد إنتاج منطق السلطة السلطانية؟

لفهم هذه المفارقة، لا بد من العودة إلى دور النخب السياسية والفكرية بعد ثورة 14 جانفي.

أولًا، فشلت النخب في مساعدة الشعب على فهم معنى الديمقراطية وأهميتها. فقد تعاملت معها باعتبارها مجرد آليات إجرائية، لا كقيمة حضارية أو مشروع لإعادة بناء الإنسان والمجتمع. فلم تُترجم الديمقراطية إلى سياسات تُحسّن حياة الناس، ولم تُدمج في الوعي الجمعي عبر التعليم والثقافة والإعلام.

ثانيًا، تحوّلت الديمقراطية إلى لعبة نخبوية، تتنازع داخلها الأحزاب على السلطة والمناصب دون مشروع وطني مشترك. لقد اختزلت النخب الديمقراطية في صناديق الاقتراع، ونسيت أن جوهرها الحقيقي هو تحسين شروط حياة الأغلبية الفقيرة وضمان الكرامة الإنسانية. ومع تفاقم الفقر والبطالة وغياب العدالة، بدا للناس أن هذه الديمقراطية ليست سوى خديعة سياسية أو واجهة للفساد.

وهكذا، حين جاء الخطاب الشعبوي الذي وعد بالحسم والانضباط، لم يجد مقاومة تُذكر، لأن القاعدة الاجتماعية التي تحمي الديمقراطية لم تُبنَ أصلًا. فالشعب الذي لم يُشارك فعليًا في صناعة مشروعه الوطني لم يجد ما يدافع عنه، ولم يشعر أن النظام الديمقراطي يمثل مصالحه.

لقد أثبتت التجربة الأوروبية أن الشعوب لا تُولد ديمقراطية، بل تُصنع من خلال مشروع طويل تشارك فيه الدولة والنخب معًا. أما التجربة التونسية، فتكشف أن فشل النخب في بناء هذا المشروع هو ما جعل الديمقراطية شكلًا بلا مضمون، فأفقدها معناها الشعبي، ومهّد الطريق لعودة السلطوية.

بهذا المعنى، فإن النخب السياسية التونسية التي أُبعدت عن الحكم بعد 25 جويلية لا ينبغي أن تنشغل بشتم الشعب أو باتهامه بالحنين إلى الحكم الفردي، بل عليها أن تراجع تجربتها بصدق وشجاعة. فالمشكلة ليست في الشعب الذي فقد ثقته في النخب، بل في هذه النخب ذاتها التي عجزت عن بناء علاقة ثقة متبادلة تقوم على الوعي والمصلحة العامة.

لكل هذا الذي تقدّم اعتقد أن الخطوة الأولى في أي مشروع استعادة للديمقراطية هي المراجعة الفكرية والسياسية الصريحة. على النخب أن تعيد النظر في فهمها السطحي للديمقراطية الذي حوّلها إلى صراع على المواقع بدل أن تكون مشروعًا وطنيًا شاملًا لتغيير شروط حياة الناس نحو الأفضل. فالديمقراطية بهذا المعنى، ليست شعارات ولا انتخابات دورية فحسب، بل هي ثقافة ومسؤولية اجتماعية تتجسد في سياسات التعليم والثقافة والعدالة الاجتماعية، وفي مكافحة الفقر وتحسين نوعية الحياة. فحين يشعر المواطن أن النظام الديمقراطي يحسّن واقعه ويصون كرامته، عندها فقط يصبح مستعدًا للدفاع عنه.

لذلك، لا سبيل أمام النخب التونسية لاستعادة ثقة الشعب إلا عبر نقدها الذاتي العميق: أن تسائل نفسها عمّا فعلته أو لم تفعله كي تجعل من الديمقراطية مكسبًا شعبيًا حقيقيًا، لا واجهة فارغة. وهذه الثقة لا تُستعاد بالشتائم ولا بالخصومات الإعلامية، بل بقدرة النخب على الاعتراف بأخطائها، وتجديد خطابها، وربط مشروعها السياسي بحياة الناس اليومية وتطلعاتهم الحقيقية.

فقط حين تُنجز النخب هذه المراجعة، يمكن أن تعود لتكون صاحبة مشروع يتعلق بحياة المواطنين ومستقبل بلادهم. وحينها، يمكن للديمقراطية الحقيقية في تونس أن تُولد على أنقاض الديمقراطية الفاسدة التي أسقطها شعب تونس.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقاومة والحواف الأخلاقية لضبط العنف الضروري
- الجدل المغلوط حولاتّفاقية التعاون الدفاعي بين توس والجزائر.
- الحرب على إيران والبيئة الاستراتيجية لإسرائيل الكبرى
- في الذكرى الثانية للطّوفان، دفاعًا عن المقاومة
- مقترح ترامب، مناورة جديدة، ومواجهة جديدة بين المقاومة وأعدائ ...
- كيف سقط النظام السوري؟
- حول مسألة -المساجد في المعاهد التونسية-
- حنظلة تونس في شوارع الليل ، حتى لا ننسى !
- تمييز السياقات هو الحدّ الفاصل بين القراءة الموضوعية وسردية ...
- -المؤامرة الغربية لإسقاط نظام قيس سعيّد- بين الوقائع والدّعا ...
- بخصوص مشروع قانون -استعادة الديمقراطية في تونس-.
- مرّة أخرى دفاعا عن التاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل وحزب ...
- الاتحاد العام التونسي للشغل والحزب الحاكم: فروق جوهرية لا يج ...
- الأزمة النقابية في تونس: بين فساد البيروقراطية وتواطؤ الفاعل ...
- مقاومة الاستعمار خيار شعبي، وكل الحكومات معادية لبنادق الثوّ ...
- من التبعية إلى التمويه: أوروبا بين الإخضاع الأميركي والاستثم ...
- النظام السوري وازدواجية الأداء في لبنان وفلسطين
- سوريا الأسد: في توازن السلاح والسياسة، دعم المقاومة كتحجيمها
- العدوان الصهيوني ومشروع إسرائيل الكبرى
- الصهاينة يريدون سوريا مقسمة


المزيد.....




- سرقة جريئة في وضح النهار.. شاهد الأدوات التي استخدمها لصوص ل ...
- -جيل زد هو القوة الجديدة في السياسة العالمية-- فايننشال تايم ...
- قطة محظوظة وكرة ممزقة: أشياء تمسّك بها الغزّيون طوال عامين م ...
- لحظة فارقة في تاريخ الجمهورية.. ساركوزي أول رئيس فرنسي يدخل ...
- نائب الرئيس الأمريكي يصل إلى إسرائيل وحماس تؤكد -التزامها بو ...
- ماكرون يلوح بإمكانية إجراء استفتاء لحسم الجدل حول تعديل نظام ...
- تقنيات لمراقبة المتاحف تعتمد على الذكاء الاصطناعي لم يتم اعت ...
- نتائج الانتخابات الرئاسية في الكاميرون تُعلن الخميس
- سعر بعضها يبلغ الملايين.. -إكس- تبيع أسماء المستخدمين غير ال ...
- هآرتس: حماس تعزز قبضتها على غزة ونفوذ العشائر يتلاشى


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - لماذا لم يدافع الشعب التونسي عن -الديمقراطية-؟