عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)
الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 02:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المقاومة لم تكن في أيّ يوم من الأيام خيار الحكومات في أي بلد من البلدان العربية منذ إنشاء الكيان الصهيوني، بل كانت الانظنة على الدّوام أدوات وظيفية بيد الولايات المتحدة، وجزء أساسي في منظومة الهيمنة.
بلد مثل لبنان منعوه من بناء دولة وهوية وانتماء، ما جعل الانقسام والتشتّت والكراهية والفساد، نظاما سياسيا واجتماعيا قائما بذاته، يستثمر فيه العدوّ لفرض معنى مُزوّر للسّيادة.
شعب من أجمل شعوب العالم ومن أثراها من جهة التنوع القافي والحضاري، حوّله هذا النظام الطائفي المتخلّف إلى مخبر تجارب للأسلحة والتخريب، تحت حكم وجاهات طائفية تقتسم الكراسي والوظائف والصفقات برعاية الأجانب، وتترك الوطن مسألة شعرية يتغنّى بها الشيوعيون والسيدة فيروز.
المقاومة خيار الشعوب وخيار الأحرار . ولا أظنّهم سيتسلمون للضغوط وسيسلّمون سلاحهم للعدو وداءهم وقُراهم للصهيوني، الذي يهدف إلى تجريد لبنان من قوّته في انتظار ضمّه إلى "إسرائيل الكبرى" وتحويل اللبنانيين إلى عبيد.
قرار نزع السلاح هو قرار أمريكي صهيوني. والخطة واضحة وضوح الشمس، يريدون الضغط على لبنان وعصره حتى تتحول المعركة ضد المحتل إلى الداخل اللبناني.
عقيدة إسرائيل الأمنية الجديدة:
منطق الإبادة وسبل المواجهة
ما نواجهه اليوم ليس "عدوانًا إسرائيليًا" جديدًا، كعهدنا بالأعمال العدوانية التي طالت كل البلدان العربية بشكل أو بآخر، بل نحن نشهد تحولًا جذريًا في استراتيجية التوسع تعت عنوان "تغيّة عقيدة الأمن الصهيوني" نحو مشروع إبادة واستئصال، يتجاوز غزة إلى مجمل الإقليم. والمواجهة معه لا تكون بنزع سلاح المقاومة والتطبيع والانخراط في مشروعه، بل بمشروع للمقاومة الشاملة، يعتمد على التكامل الفلسطيني - العربي، الإسلامي والأممي، ويعيد تعريف الأمن كقيمة جماعية لا يُصنع بالاندماج بالعدو، بل بالدفاع حتى الموت على السيادة والكرامة.
التحول في العقيدة الأمنية الإسرائيلية
هنالك مفارقة في السلوك الصهيوني قائمة على التناقض بين خطابها السياسي تجاه الدول العربية، وسلوكها الأمني. فمن جهة تزعم أنها تسعى للاندماج الإقليمي عبر اتفاقيات سلام وتفاهمات اقتصادية. ومن جهة أخرى تنتهج سياسة الإبادة في غزة والضفة، وعلى فرض أحزمة أمنية منزوعة السلاح مع مصر والاردن وسوريا ولبنان، القائمة على الانفصالية والعدوان والعزل والسيطرة والإرهاب.
فكيف يمكن للأنظمة العربية أن تُبشّر بالشراكة الاقتصادية والسلام مع كيان عنصري استعماري توسعي، يُقيم معازلا أمنية ويعزل نفسه بجدران إسمنتية وسياجات إلكترونية، ويُعيد ترسيم خريطة الإقليم وفقًا لمخاوفه الأمنية الذاتية دون إقامة أي اعتبار لسيادة الدول المجاورة لفلسطين المحتلة؟
لقد كانت العقيدة الأمنية الإسرائيلية، قبل 7 أكتوبر 2023، تقوم على ما يُعرف بـ"إدارة التهديد" من خلال الردع، التفوق الاستخباراتي، بناء مناطق عازلة (غلاف غزة، سيناء، غور الأردن، جنوب لبنان، الجولان...)، ونشر تكنولوجيا الرصد والمنع. غير أن طوفان الأقصى، بما أحدثه من اختراق أمني وعسكري واسع، أسقط هذه العقيدة دفعة واحدة، وكشف هشاشتها.
في أعقاب ذلك، انتقلت "إسرائيل" إلى ما يُمكن تسميته عقيدة "حذف التهديد بالإبادة"، أي تحويل مجرٍد التهديد إلى خطر وجودي يستوجب الاجتثاث الكامل، ليس فقط للتنظيمات المسلحة، بل أيضًا للبيئة الاجتماعية والمدنية الحاضنة لها. هذا ما فُهم من تصريحات مسؤولين صهاينة، وما تُرجم عمليًا في تدمير شامل للبنية التحتية وللحياة في غزة عبر ارتكاب جرائم تطهير عرقي، واستهداف البيئة الديموغرافية لغزة.
هذه العقيدة الجديدة، التي تُسمّي الإبادة دفاعا عن النفس، لم يعُد يُطبق فقط في القطاع من خلال "غلاف غزة" بل تتمدد باتجاه العقيدة الإقليمية. كل دول الطوق ليتحوّل إلى "غلاف إسرائيل" الذي يمتد إلى سيناء شرقًا، ولبنان شمالًا، والعراق والأردن شرقًا، وحتى المفاعلات النووية في إيران وبرنامجها الصاروخي مازال استهدافه مطروحًا، وفي كل لحظة.
تطالب دولة الاحتلال اليوم بمناطق أمنية داخل أراضي الغير، وتفرض شروطًا أحادية على دول الجوار، وترفض السيادة الفلسطينية على الأغوار، وتحاول فرض منطقة عازلة في جنوب لبنان عبر تثبيت شرط عدم وجود المقاومة اللبنانية جنوب الليطاني مع التمسك بالنقاط الخمس. وفرض احتلال منطقة تعادل ضعف الجولان المحتل، بحيث تمنع وجود قوات عسكرية من أي نوع جنوب دمشق. دون أن ننسى الوضع الخاص لسيناء ضمن اتفاقيات كامب ديفيد.
بالتوازي مع الإبادة والعدوان على جميع الساحات، تسعى الأنظمة العربية إلى تجذير شراكات اقتصادية، وتطبيع العلاقات تل أبيب، ومشاريع في الطاقة والتكنولوجيا بدأ تنفيذها. علما وأن هذا الاندماج الاقتصادي المجاني، وهذا القبول بالتسيّد الصهيوني على المشرق العربي، لا تُوازيه أي تفاهمات سياسية تتصل بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بل على العكس، يترافق كل هذا مع عقلية أمنية تقوم على فرض الهيمنة والسيطرة بالقوة، وتُقصي الأطراف الأخرى من أي دور حقيقي في تعريف التهديدات أو صياغة المعالجات.
بهذا المعنى، يُصبح مشروع "الشرق الأوسط الجديد" في تصور نتنياهو ليس مشروع سلام أو تنمية، كما يروّج الإعلام العربي المتصهين، بل مشروع هندسة أمنية عنيفة، يُعاد من خلاله تشكيل خرائط المنطقة على حواف الدم والطوائف والإتنيات، بما يخدم التفوق الصهيوني المطلق.
لكن هذا المشروع محكوم عليه بالفشل. فالتاريخ، والتجربة، وكل نظريات الأمن في الأنظمة غير المتكافئة، تُثبت أن الأمن الحقيقي لا يتحقق بالهيمنة والتشريد وقوّة السلاح.
ثانيًا: سُبل مواجهة الغطرسة الصهيونية
في ضوء هذا التحول في العقيدة الأمنية العبريّة، يصبح السؤال الجوهري: ما هي سبل المواجهة؟ وكيف يمكن وقف هذا الكيان المجرم عند حدوده؟
ينبغي أن تتوزع استراتيجيات المواجهة على خمس دوائر متكاملة:
أولا، فلسطينيًا:
إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية على أساس مشروع تحرري جامع يتجاوز الانقسام الفصائلي، يدعم صمود الشعب الفلسطيني في الداخل، سياسيًا وماديًا، ويُعزز شبكات التضامن المحلي والإقليمي والدولي.
تطوير الخطاب السياسي الفلسطيني ليكشف تناقضات المشروع الإسرائيلي ويعيد تعريف القضية كقضية تحرر وطني لا نزاع حدود.
الاستثمار في المشهد القانوني الدولي لفضح جرائم الاحتلال ودعم المساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ثانيا، على مستوى دول الجوار:
رفض مشاريع المناطق العازلة التي تمس السيادة الوطنية وإعلان حرب تحرير شعبية ضد الوحود العسكري الصهيوني(في لبنان، سوريا، مصر...).
مطلوب من شعوب دول الطوق تحصين الحدود، ومنع التغلغل الإسرائيلي الأمني أو الاستخباراتي تحت ذريعة مكافحة "التهديدات".
دعم القضية الفلسطينية بشكل واضح وفعّال، وعدم الانخراط في ترتيبات تطبيع أمني تؤسس لمشاريع الهيمنة الإسرائيلية.
ثالثا، دور الشعوب العربية
الضغط على الحكومات المطبعة لإسقاط تلك الاتفاقيات السرطانية والخيانية. ومحاصرة البرلمانات والحكومات وسفارات رأس الافعى، وفرض إخال النفط في المعركة، لإعادة الاعتبار للموقف العربي الجماعي، وفرض إلغاء المبادرة العربية للسلام، ووضع مبادرة عربية لتحرير فلسطين. مطلبها الأول وقف العدوان والثاني إزالة المستوطنات.. وبعد ذلك لكل حادث حديث.
قطع كل أشكال التطبيع المجاني، الذي يُستخدم لتجميل صورة إسرائيل وتبرير سياساتها الاستيطانية.
استخدام أدوات الضغط الاقتصادية والإعلامية والسياسية في المنابر الدولية والإقليمية.
إسلاميًا:
تفعيل مؤسسات التعاون الإسلامي لاتخاذ مواقف أكثر حزمًا بدل الاكتفاء بالإدانات الرمزية.
الدول الإسلامية عليها إطلاح سراح الإسلام المقاوم كرافعة سياسية وأخلاقية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني من خلال كسر الحصار والتصدي بكل الوسائل للعدوان بما في ذلك التدخل العسكري وإعادة بناء القطاع.
تنسيق جهود العلماء والمفكرين المسلمين في الزيتونة والازهر لتعرية الرواية الصهيونية أخلاقيًا وشرعيًا أمام شعوب الأمة.
دوليا، على المستوى الدولي:
مطلوب الترويج لإعادة تدويل القضية الفلسطينية وإعادة تعريفها باعتبارها قضية تحرر، وقضية تحرّر الإنسانية من البشاعة وثقافة التصالح مع إبادة الأطفال.
بناء تحالفات عالمية مع حركات مناهضة الاستعمار والفصل العنصري، ومع القوى المناهضة للهيمنة الأميركية.
الضغط من خلال المنظمات الدولية على إسرائيل لوقف جرائم الحرب، ومحاسبتها على سياساتها العنصرية، وربط العلاقات معها باحترام القانون الدولي.
#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)
Boughanmi_Ezdine#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟