أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - المطالبة بفرض العقوبات على النظام ووقف المساعدات















المزيد.....

المطالبة بفرض العقوبات على النظام ووقف المساعدات


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8387 - 2025 / 6 / 28 - 11:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


انطلاقًا من رؤية دقيقة تلامس ديناميكيات السياسة الإقليمية والدولية الراهنة، يمكن التأكيد على جملة من الاستنتاجات الجوهرية، من المهم وضعها في إطار تحليلي متكامل:

الغرب اليوم غارق في مرحلة "إدارة الأزمات"، ولم يعد تصدير الديمقراطية ضمن أولوياته. أما إدارة ترامب الحالية، فتعتمد عقلية عقابية وانعزالية، وغير معنية بوضع تونس أصلًا.

الاتحاد الأوروبي لا يزال رهينة لأزمة الطاقة، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. ورغم التحول نحو الغاز الأمريكي والقطري، فإن الأسعار لا تزال مرتفعة والأزمات مستمرة.

البنية التحتية لمرافئ الغاز الطبيعي المسال (LNG) غير كافية، خاصة في ألمانيا والنمسا وشرق أوروبا. كما أن فرنسا تعاني من تباطؤ في صيانة محطاتها النووية، ما قلص إنتاجها وزاد من اعتمادها على الاستيراد. أما الطاقة الخضراء، فهي غير قادرة على تغطية شتاء أوروبا أو الاستجابة للأزمات المفاجئة.

بكلمة، لم يتمكّن الاتحاد الأوروبي بعد من تأمين بديل طاقي مستقر وآمن.

في المقابل، نشهد تهميشًا استراتيجيًا متزايدًا لأوروبا منذ عودة ترامب للسلطة، وبدء التقارب الأمريكي الروسي، حيث عاد الخطاب الأمريكي إلى منطق الصفقة مع موسكو، وتم تخفيف النبرة العدائية تجاه روسيا، مع وقف شبه كامل للدعم التصعيدي لأوكرانيا. هناك إشارات (غير رسمية) إلى سعي الإدارة الحالية لتجميد الصراع الأوكراني بدل حله.

النتيجة؟
الأوروبيون، خصوصًا فرنسا وألمانيا، يشعرون بأن واشنطن تخلّت عنهم جيوسياسيًا. حلف الناتو يتآكل من الداخل بفعل ضغوط ترامب المالية وتهديده المتكرر بالانسحاب. في الآن ذاته، يزداد الانقسام بين أوروبا الشرقية المعادية لروسيا وأوروبا الغربية الأكثر براغماتية.

يتولد عن هذا السياق شعور متزايد في بروكسل بأن أوروبا لم تعد فاعلًا مركزيًا في النظام الدولي، الذي يُعاد تشكيله بين واشنطن وموسكو وبكين.

وفي ظل هذا الضعف، تُكافح أوروبا للخروج من التبعية الطاقية، حتى لو كان ذلك على حساب الأسعار أو العلاقات. أما التقارب الأمريكي الروسي – وربما مع الصين مستقبلاً – فسيُعمّق عزلة أوروبا سياسيًا وأمنيًا. وهو ما ينعكس داخليًا بصعود اليمين الشعبوي، خاصة بعد انتخابات البرلمان الأوروبي في جوان 2024، بما يزيد من احتمال تفكك الاتحاد.

هذا التراجع في النفوذ الأوروبي واضح في ملفات كبرى مثل إفريقيا، وفلسطين، وسوريا، وإيران، ويكشف هشاشة غير مسبوقة في التحالفات الأوروبية.

ومن هنا، نشهد عودة لبراغماتية صارمة. فلأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، أصبحت مسألة "اعتماد أوروبا على نفسها" أولوية وجودية.

انعكاسات هذه التحولات على وضع نظام قيس سعيّد:

انطلاقًا من هذا السياق العام، يمكن تحليل تأثير هذه التحولات على نظام قيس سعيّد من ثلاث زوايا رئيسية:

الأولى، من تصدير الديمقراطية إلى منطق "الاحتواء الوقائي":
الغرب لم يعد معنياً بإسقاط الأنظمة غير الديمقراطية ما دامت لا تهدد المصالح الاستراتيجية. أوروبا، بحكم الضغوط، علّقت منطق "الهندسة السياسية" في دول الجنوب، وركزت على منع الفوضى وضمان الاستقرار.
بالتالي، بات يُنظر إلى تونس كـ"حارس للحدود الجنوبية"، لا كرئيس غير ديمقراطي. وطالما لم ينفلت الوضع الاجتماعي أو الأمني، سيستمر دعم أوروبا لقيس سعيّد، ولو على مضض. أما تقارير الحريات، فستُستعمل كورقة ضغط، لا كسبب حقيقي للعقوبات.

الثانية، التوازن مع الدول العربية النفطية المناهضة للإخوان:
هناك جبهة عربية تضمّ السعودية، الإمارات، مصر، الجزائر، كلها تعتبر الإسلام السياسي خطرًا وجوديًا.
قيس سعيّد، شئنا أم أبينا، هو آخر من وجّه ضربة سياسية وقانونية قاصمة للإخوان. وهو بذلك، ضمنيًّا، جزء من هذه الجبهة العربية.

أوروبا تدرك أن استفزاز هذه الدول، أو محاولة إعادة الإخوان إلى تونس، قد يعقّد علاقاتها مع شركائها الطاقيين. من هنا، يصبح قيس سعيّد خيارًا براغماتيًا أفضل من المجازفة بانفجار داخلي يعيد الإسلاميين للحكم.

يعني فعليًا، توجد مظلة إقليمية غير معلنة تحمي النظام التونسي من العزلة. وهناك تنسيق أمني قائم مع عدة عواصم عربية وأوروبية في قضايا الإرهاب والهجرة. ويبدو أن عودة النهضة أو من يدور في فلكها، لم يعد خيارًا مطروحًا، لا تونسيًا ولا إقليميًا ولا غربيًا.

الثالثة، أوروبا لاعب ثانوي.. والاستقرار أولوية:
أصبحت أوروبا قوة ثانوية في نظام عالمي تقوده واشنطن، موسكو وبكين. في ظل أزمات داخلية متعددة -من طاقة، وهجرة، وصعود يمين متطرف، وتآكل الناتو- بات استقرار الجنوب المتوسطي مسألة حيوية.

بالتالي، فإن أي فراغ في تونس سيُعدّ صداعًا استراتيجيًا لأوروبا: موجات هجرة، جريمة منظمة، تصدير تطرف. ولهذا يُنظر إلى نظام قيس سعيّد، رغم الانتقادات، كحلّ مؤقّت، مقارنة ببدائل معزولة شعبيا ومفروضة من الخارج قد تُدخل البلاد في فوضى.

صحيح أن الغرب لا يحبذ خطاب قيس سعيّد حول فلسطين، لكن حاجته لاستمرار العلاقة مع الدول العربية النفطية تمنعه من التصعيد. ومع الحرب في غزة وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، تُفضل أوروبا تجنب إشعال جبهات جديدة في شمال إفريقيا.

وفي السياق ذاته، فإن الضغوط الاجتماعية في الداخل الأوروبي تدفع السياسيين لاعتماد براغماتية جافة في علاقتهم بجنوب المتوسط.

هم يعلمون أن قيس سعيّد ليس إصلاحيًا، يفتقر لرؤية اقتصادية واضحة، ويعاني من عزلة داخلية. لكنه لا يتبنى مشروعًا أيديولوجيًا، ولا يشكّل تهديدًا على مصالح الغرب أو الخليج، ولا يفتح الأبواب أمام روسيا أو إيران بشكل مثير للقلق. وهو يتبنى خطابًا سياديًا، لكنه غير عدائي. لذلك، يُنظر إليه كـ"أفضل المُتاح". في وقت أجّل فيه الغرب "البحث عن الديمقراطيين"، ما دام ملف الديمقراطية لا يجلب نفطا ولا غازا.

بالنتيجة، إذا لم تنفصل المعارضة التونسية عن إرث الإخوان، وتُقدّم رؤية بديلة قابلة للتسويق إقليميًا في الباب الأول، ستظل محصورة التأثير داخليًا ومرفوضة خارجيًا.

في ضوء هذا المشهد الدولي المعقد، تأتي دعوة عدد من المنظمات الحقوقية إلى فرض عقوبات على الرئيس التونسي ومسؤولين في حكومته، لتصطدم بواقع استراتيجي لم يعد يُقوّم الأنظمة في الجنوب بمعيار الديمقراطية، بل بمقدار قدرتها على ضبط الاستقرار ومنع الانفجار.

بقطع النظر عن الموقف من مطالبة أروبا بتسليط عقوبات على الدولة، يبقى توقيتها وسياقها يُظهران مدى ابتعاد هذه المنظمات عن منطق اللحظة الدولية. إذ لم تعد بروكسل تُقارب الملف التونسي من زاوية "نموذج ديمقراطي" بل من زاوية "جدار أمني". وكل ما لا يهدد هذا الجدار لن يستدعي تحركًا فعليًا، مهما بلغت حدة الخطاب الحقوقي.

وبهذا المعنى، فإن المطالبة بالعقوبات يبدو اليوم أقرب إلى توفير ورقة مجانية للغرب لمزيد الضغط على البلد، وما عدا ذلك فهو لا يُنتج أثرا ملموسا في موازين القرار الأوروبي. وفي ظل انشغال الغرب بمعاركه الكبرى، وتقلّص حماسه لمشاريع التغيير السياسي خارج حدوده، تغدو هذه الدعوات معلّقة في هواء نظام دولي لم يعد يستجيب إلا لما يمس أمنه ومصالحه المباشرة.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المواجهة التاريخية بين مشروعين
- الرد الإيراني على العدوان الأميركي
- إيران، من دولة محاصرة إلى نظام مخترق
- المواجهة الغربية الإيرانية: رهانات تغيير نموذج الحكم، وعوامل ...
- اسرائيل تعتدي على إيران بالوكالة
- مسار الصراع بين مشروعين
- من تحييد مصر إلى العدوان على إيران: معركة اقتلاع روح المقاوم ...
- المغزى السياسي والاستراتيجي من المواجهة العسكرية بين إيران و ...
- الكيان الصهيوني يتفكّك: فما هي الأسباب البنيوية والعوامل الم ...
- تشوّه البنية الكولونيالية وتحوّلاتها الاقتصادية والسياسية
- أمريكا هي الطاعون
- المسؤولية الشعبية في الصراع الفلسطيني الصهيوني وضرورات قلب ا ...
- قيس سعيّد وسياسة اللّيل
- دولة السبعين عامًا: بيروقراطية المصالح وصراع الطبقات في تونس ...
- مفهوم -الكتلة التاريخية- بين أنطونيو غرامشي والتلقي العربي: ...
- في جوهر سؤال محمد لخضر الزغلامي: نحو نظرية عملية لتنظيم الطب ...
- أوروبا المتأرجحة بين العجز والمراوغة، ما الذي غيّر موقفها من ...
- النهضة أسقطتها جرائمها
- حركة النهضة في أيامها الأخيرة
- التحليل السياسي والفكري يجب أن يتمّ بعيدًا عن العواطف والموا ...


المزيد.....




- -نفتقدك-.. كيتي بيري تغيب عن زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز
- في كوريا الشمالية.. من يُسمح له بالدخول إلى المنتجع الضخم ال ...
- ليلة تحييها ليدي غاغا وإلتون جون.. وتوقعات اليوم الأخير لحفل ...
- هل توجد مؤشرات حقيقية تدفع نتانياهو للتوجه نحو إقرار هدنة في ...
- -عراك بين إسرائيلي وإيراني- في أستراليا.. ما هي حقيقة الفيدي ...
- -شهيدات لقمة العيش-.. مصر تودع 18 فتاة قضين في حادث مأساوي
- خلفيات التوجه الأمريكي نحو إقرار وقف لإطلاق النار بغزة
- رواندا والكونغو الديموقراطية توقعان اتفاق سلام في واشنطن
- التداعيات المحتملة لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورو ...
- تحذيرات من موجة حر قياسية تضرب جزء من أوروبا ومخاوف من حرائق ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - المطالبة بفرض العقوبات على النظام ووقف المساعدات