أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - الكيان الصهيوني يتفكّك: فما هي الأسباب البنيوية والعوامل المتراكمة؟















المزيد.....

الكيان الصهيوني يتفكّك: فما هي الأسباب البنيوية والعوامل المتراكمة؟


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8369 - 2025 / 6 / 10 - 09:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يعد الحديث عن تفكك الكيان الصهيوني مجرّد أماني في أدبيات المقاومة، بل أصبح موضوعًا مطروحًا في مراكز الدراسات الغربية قبل العربية، استنادًا إلى معطيات بنيوية وأزمات هيكلية تُهدّد وجود الكيان من داخله ومن محيطه في آنٍ معًا. فهذا الكيان الذي فُرض بالقوّة فوق أرض فلسطين، وبدعم استعماري مباشر، يعيش منذ نشأته أزماتٍ متلاحقة، تُنذر مع تزايدها، بتآكل كيانه، وعجزه عن الاستمرار في صورته الحالية.

في هذه الورقة سأحاول استعراض أبرز العوامل التي ستقود إلى تفكك المشروع الصهيوني، بالاستناد إلى شواهد تاريخية مماثلة من تجارب الاستعمار الاستيطاني، حيث تؤكد الوقائع أن الكيانات المصطنعة والمفروضة بالقوة تنتهي دومًا إلى الزوال.

1/ أزمة الكيان الوجودية البنيوية

أُقيم الكيان الصهيوني على أنقاض شعب آخر، عبر الإبادة والاقتلاع، فظل منذ تأسيسه يعاني أزمة شرعية وجود، باعتباره كيانًا غريبًا عن محيطه، فاقدًا للامتداد الجغرافي والثقافي.
هذه الأزمة البنيوية أصابت سابقًا كيانات استعمارية مثل جنوب إفريقيا حيث سقط نظام الأبارتهايد تحت ضغط المقاومة الداخلية والعزلة الدولية، وأثبتت أن كيانًا يستند إلى نفي الآخر محكومٌ بالسقوط.

2/ الهشاشة الديمغرافية

رغم تهويد الأرض، بقي التوازن السكاني يميل لصالح الفلسطينيين، حيث تشير الإحصائيات إلى أن أعداد الفلسطينيين بين النهر والبحر قاربت أعداد المستوطنين اليهود.
هذه المعادلة قابلة للترجيح لصالح الفلسطينيين خلال سنوات قليلة، تمامًا كما حدث في الجزائر خلال الاحتلال الفرنسي حين تحوّل العامل الديمغرافي إلى سلاح مقاومة.

3/ فشل مشاريع التهويد الكامل

لم تنجح كل سياسات محو الهوية وطمس الذاكرة في إنهاء الوجود العربي الفلسطيني.
المثال الأوضح: قطاع غزة الذي حوّله الاحتلال إلى سجن جماعي، لكنه خرج منه تحت ضربات المقاومة عام 2005، في اعتراف بفشل التهويد القسري.

4/ التوترات الاجتماعية والطبقية

المجتمع الصهيوني مُفكك داخليًا بين طوائفه:
الشرقيون والغربيون
المتدينون والعلمانيون
اليهود الروس والإثيوبيون والمغاربة

وقد تسببت هذه الانقسامات في صدامات عديدة، أشبه بما عرفته روديسيا الجنوبية (زيمبابوي اليوم) حين تفجرت التوترات بين البيض المستعمرين.

5/ أزمة قيادة وصراعات النُّخب

منذ اغتيال إسحاق رابين 1995، دخل الكيان حالة فوضى سياسية مزمنة، تحكمها صراعات يمينية متطرفة بلا رؤية جامعة. حالة مشابهة عرفتها فرنسا الاستعمارية في الجزائر بين 1954-1962، حيث تسببت الانقسامات في الداخل الفرنسي بين معسكر المتشددين والساسة المعتدلين إلى سقوط سبعة حكومات في ظرف ثمانية سنوات، ما أدّى إلى عودة الجنرال ديغول للسلطة، وتسريع قرار الانسحاب.

6/ المقاومة الفلسطينية المتواصلة

لم يتمكن الكيان من القضاء على المقاومة المسلحة أو الشعبية، بل تزايدت فاعليتها مع الزمن. فما يحدث في الضفة الغربية وغزة اليوم يعيد إلى الأذهان تجربة المجاهدين الجزائريين والفيتكونغ في فيتنام، حيث فشل الاحتلال الأمريكي في إنهاء المقاومة رغم تفوقه العسكري.

7/ التكلفة الأمنية المتصاعدة

الكيان الصهيوني من أكثر دول العالم إنفاقًا على الأمن نسبة إلى عدد السكان، ويفرض على نفسه حالة طوارئ دائمة منذ 1948. وهو مصير يشبه ما عرفه الكيان الاستيطاني في روديسيا قبل انهياره سنة 1979 تحت ضربات المقاومة وتكاليف الحماية المتزايدة.

8/ العزلة الإقليمية التدريجية

رغم موجة التطبيع الأخيرة، ما يزال الكيان مرفوضًا شعبيًا في المنطقة العربية والإسلامية.
فالتطبيع الرسمي لا يصنع "سلامًا"، كما فشلت محاولات فرنسا أثناء احتلال الجزائر في كسب ود الشعوب المغاربية.

9/ تآكل الدعم الدولي

بدأت تتزايد مؤشرات العزلة الدولية، خاصة مع تصاعد حركة المقاطعة (BDS)، وتغير المزاج الأوروبي والأمريكي. ولنا في تجربة جنوب إفريقيا شاهدا على أن تآكل الدعم الدولي يعجّل بانهيار الأنظمة العنصرية والمحتلة.

10/ صعود قوى دولية منافسة

مع تقدم الصين وروسيا وتكتل دول الجنوب (بريكس)، أصبح الكيان يفقد تدريجيًا الغطاء الدولي الحصري من الولايات المتحدة.
نفس الظرفية عاشها الاحتلال الفرنسي في الجزائر حين بدأ يفقد دعم حلفائه الأوروبيين بعد أزمة قناة السويس.

أ/ تحولات النظام الدولي

في عالم متعدد الأقطاب، وبداية تصدّع المعسكر الغربي، سيكون من الصعب على الولايات المتحدة الاستفراد بحماية الكيان إلى ما لا نهاية، دون أكلاف سياسية ودبلوماسية واقتصادية وأمنية موجعة. وهذا ما حدث مع تراجع الإمبراطورية البريطانية، حين عجزت عن حماية مستعمراتها مع تغيّر موازين القوى العالمية.

ب/ إرهاق الجيش الصهيوني

عجز الجيش الصهيوني عن تحقيق نصر حاسم منذ حرب لبنان الثانية (2006)، وازدادت خسائره في المواجهات مع المقاومة في غزة. وهو ما يشبه استنزاف الجيش الأمريكي في فيتنام أو القوات الفرنسية في ديان بيان فو (1954) أمام المقاومة الفيتنامية.

ج/ الصراع بين اليمين واليمين الديني

حكومة نتنياهو الحالية مثال ساطع على الانقسام السياسي والفكري داخل النخبة الحاكمة، مع صعود قوى دينية متطرفة تُهدّد بتفجير الدولة من الداخل. هذا نفس ما حدث في جنوب إفريقيا حين انقسمت النخبة البيضاء بين المعتدلين والمتشددين، بما سرّع انهيار نظام الأبارتهايد.

المأزق الأخير وفقدان السيطرة على البشرية

ختامًا، لم يعد تفكك الكيان الصهيوني احتمالًا نظريًا، بل هو نتيجة حتمية لمسار تاريخي، تحكمه عوامل داخلية وخارجية تتكامل وتتفاقم مع مرور الوقت. وكما أظهرت التجارب الاستعمارية السابقة، فإن الكيانات المفروضة بالقوة والمبنية على إلغاء الآخر محكوم عليها بالزوال. وما يُسرّع هذا المسار اليوم هو اندلاع انتفاضة بشرية عالمية غير مسبوقة، تتجلّى في موجات قوافل برّية وبحرية تتجه نحو غزة، وفي اعتصامات الموانئ العمالية لمنع شحن الأسلحة إلى الكيان الصهيوني، وحملات المقاطعة المتزايدة في الجامعات والفضاءات العامة الغربية. وهذه الانتفاضة الأممية مرشّحة للتصاعد في جميع الحالات:
فإن نجحت هذه القوافل والموجات البشرية في اختراق الحدود وكسر الحصار، ستعطي دفعة حاسمة للمقاومة الفلسطينية، وستسرّع من انهيار الجبهة الداخلية للكيان.
أما إذا ردّ الكيان بعنف دموي على المتضامنين الدوليين، فسيُشعل ذلك غضبًا عالميًا، يعمّق عزلة إسرائيل السياسية، ويعجّل بانهيار حكومة نتنياهو، ويوسّع الأزمة البنيوية في الداخل الصهيوني، وسط تصاعد النقمة الشعبية والاضطرابات الاجتماعية.

إنّ هذه المعادلة التاريخية تؤكد أن المشروع الصهيوني يعيش حاليًا مرحلة أفول لا رجعة فيها، وأن الزمن القادم هو زمن تحرّر فلسطين، ليس فقط بفعل المقاومة الميدانية، بل أيضًا بفضل انخراط أحرار العالم في معركة كسر الحصار وإنهاء الاحتلال.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشوّه البنية الكولونيالية وتحوّلاتها الاقتصادية والسياسية
- أمريكا هي الطاعون
- المسؤولية الشعبية في الصراع الفلسطيني الصهيوني وضرورات قلب ا ...
- قيس سعيّد وسياسة اللّيل
- دولة السبعين عامًا: بيروقراطية المصالح وصراع الطبقات في تونس ...
- مفهوم -الكتلة التاريخية- بين أنطونيو غرامشي والتلقي العربي: ...
- في جوهر سؤال محمد لخضر الزغلامي: نحو نظرية عملية لتنظيم الطب ...
- أوروبا المتأرجحة بين العجز والمراوغة، ما الذي غيّر موقفها من ...
- النهضة أسقطتها جرائمها
- حركة النهضة في أيامها الأخيرة
- التحليل السياسي والفكري يجب أن يتمّ بعيدًا عن العواطف والموا ...
- صوت يأتي من بعيد
- الإمبريالية وتمويل المجتمع المدني في دول الجنوب العالمي
- بين الثورة والإصلاح
- حول القاضي والمُتّهم
- تهرم سكاني في تونس وانفجار ديمغرافي إفريقي: قراءة استراتيجية ...
- جذور المركزية الأروبية ومآلاتها البربرية
- العوامل التي تمنع إقدام الغرب على تنظيم سيناريو الإطاحة بقيس ...
- لماذا تعود الشعوب والأمم لقراءة تراثها وتفتيشه وبحثه وتمحيصه ...
- حوار مع صديق لا يستقرّ على رأي


المزيد.....




- فستان زفاف ثانٍ لأمينة خليل في اليونان..هل تفوّق على الأول؟ ...
- -حيوانات ترفع أعلامًا أجنبية-.. شاهد ما قاله ترامب عن -مثيري ...
- إيران تهدد باستهداف جميع القواعد الأمريكية في حال فرض الحرب ...
- -الدوما-: لا طرق قانونية لتمديد ولاية زيلينسكي
- الجيش الإسرائيلي ينشر نتائج تحقيقه حول أحداث 7 أكتوبر في موش ...
- الأحزاب المعارضة تصوت على حل الكنيسيت الإسرائيلي اليوم.. كيف ...
- لوس أنجلوس.. ترامب يبعث الحياة في -قانون الانتفاضة- بعد أكثر ...
- -التحالف الدولي- يبحث مخاطر -داعش- في سوريا
- إسرائيل تبدأ تجنيد جيش من الحريديم مطلع يوليو
- نتنياهو يسابق الزمن لإنقاذ حكومته وسط تهديدات بحل الكنيست بس ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - الكيان الصهيوني يتفكّك: فما هي الأسباب البنيوية والعوامل المتراكمة؟