أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين بوغانمي - لماذا تعود الشعوب والأمم لقراءة تراثها وتفتيشه وبحثه وتمحيصه وحفره وإعادة فهمه؟















المزيد.....

لماذا تعود الشعوب والأمم لقراءة تراثها وتفتيشه وبحثه وتمحيصه وحفره وإعادة فهمه؟


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 02:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من زاوية التاريخ، كل أمة تحمل في ذاكرتها الجماعية سردياتها، وطقوسها، وأسئلتها القديمة عن نفسها وعن العالم. والعودة إلى التراث ليست حنينًا ساذجًا للماضي، بل، في عمقها، فعل تاريخي مركّب.
فهي محاولة لفهم الجذور التي أنتجت الحاضر.
وكشف آليات القوة والهيمنة والخضوع التي مورست في تاريخها.
ومساءلة المسارات التي اتخذتها أشكال تطوّر المجتمعات، وما إذا كانت حتمية، أم كان ممكنا أن تجري عبر جداول مغايرة لنهر ترحالها.

فحين يُعيد الغرب قراءة الفلسفة اليونانية أو اللاهوت المسيحي الوسيط، فهو يحاول أن يفهم أصول تصوّراته عن الإنسان والعقل والسلطة. وكذلك فعل الصينيون حين أعادوا قراءة كونفوشيوس بعد قرون من الإهمال، ليعيدوا ربط حاضرهم بإرثهم.
والعرب المحدثون، من الطهطاوي إلى محمد عابد الجابري، أعادوا مساءلة التراث لفهم أسباب الانحطاط التاريخي، وهل كان هنالك نبع أصلا؟ وإذا كان ذلك صحيحا، فأين توقّف؟ أو ماهي العوامل التي أدّت إلى التعثر الفادح عن اللحاق بركب العصر؟

من زاوية الفلسفة، التراث هو ذاكرة العقل. وليس المطلوب تمجيده أو تسقيطه، بل المطلوب فهمه. والفلسفة لا يمكنها أن تنفصل عن أسئلتها الأولى: ما الوجود؟ ما الخير؟ ما العقل؟
وفي العودة إلى الأسئلة الأولى نقد لما قيل، ونقد لأنفسنا ونحن نقرأه. وفيها بحث عن الظروف التاريخية والسياسية والفكرية التي وُلدت فيها المفاهيم الأصلية. وهل مازالت تحمل قدرة كامنة على إعادة الزّرع في تربة زمنية مختلفة، حتى تستمرّ وتتجدّد؟ أو أن مكانها متاحف الآثار؟

فكما يعيد الغربيون قراءة نيتشه وكانط وأفلاطون، ويعيد الصينيون تمحيص تعاليم لاو تسي، يعيد العرب، أو عليهم أن يعيدوا، قراءة الجاحظ والفارابي وابن خلدون، ليس بوصفهم رموزًا، بل كمفكرين حملوا أسئلة عصرهم التي قد تنفع في كشف تناقضات الحاضر. وحينئذ تنشأ الحاجة لإعادة قراءة النص المؤسس ذاته (القرآن، وما جُمِع على أنه سُنّة صحيحة) لا بوصفه نصًا تعبديًا، بل كـنص تاريخي وثقافي ومؤسّس لسردية وجودية واجتماعية، أنتجت علم الكلام، ثم فروع الفلسفة والفكر السياسي والاجتماعي والمعرفي.

علم الكلام لم يأتِ من فراغ. بل وُلد من رحم محاولة تفسير النصّ المؤسّس وتأويله، في مواجهة أسئلة المصير والعدل والتوحيد والإرادة والحرية. ثم جاء المعتزلة ليؤسّسوا عقلانية قائمة على النص من جهة، وعلى التأويل العقلي من جهة أخرى، للعدل، والأسماء والصفات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونفي رؤية الله، ونفي الكلام الإلهي، وخلق القرآن. وظهر الأشاعرة للردّ علبهم في الأصول الخمس، وما تفرّع عليها من قضايا نظر شتى حول المقدس والإنسان. وحاولوا عقلنة النقل، ولكنهم قيّدوه، دون أن يتركوا له حرية إعادة تعريف نفسه. فكانوا أحد أسباب تعطيل الاجتهاد.
ولاحقا ستولد لأول مرة ما يقترب من النظرية السياسية في مع الماوردي في الأحكام السلطانية، وفي نفس الاتجاه، وفي نفس الزمن (القرن العاسر ميلادي) سار الجويني وابن الأزرق. وبعدهم ابن خلدون في القرن الرابع عشر. هؤلاء، وغيرهم، شرّعوا للسلطة، وانتقدوها، ونظّروا للدولة.

وفي الخلال كان لا بدّ للمنزع العقلي أن ينتقل إلى العلوم الطبيعية والجبر والرياضيات والفلك، التي لم تكن مستقلة عن المناخ الفكري لسجالات النص المؤسّس. بمعنى أن النص المؤسّس (القرآن على وجه الخصوص)، لم يكن مجرد خلفية إيمانية صامتة تافهة، بل كان طرفًا في الحوار، وفاعلًا في تشكيل الحقول المعرفية. وبهذا المعنى فالعودة العلمية اليوم لهذا التراث، لا تعني أبدا إعادة تسليم وعبادة، بل إعادة مساءلة علاقة النص بالسلطة، بالنظام الاجتماعي، بالتاريخ، بالعقل، وبمفهوم الإنسان نفسه.

من زاوية الأنثروبولوجيا، الإنسان كائن يحيا بالرموز والمعاني. وكل مجتمع يبني سرديته عن ذاته عبر قصص وآلهة وأبطال ونكبات وانتصارات. والعودة للتراث من زاوية أنثروبولوجية تعني فهم المنظومات الرمزية التي شكّلت المخيال الجمعي. واستكشاف كيف صاغت المجتمعات رؤاها عن الطبيعة، والإنسان، والمقدّس. ورصد التحولات التي طرأت على هذه الرموز، ولماذا تم التخلي عن بعضها والاحتفاظ بغيرها.

هذا هو ما معنى أن يكون التراث مرآة ما، ولو كانت مُغبرّة بفعل الأزمنة، تُظهر كيف عالج الناس أسئلة المصير والموت والحب والسلطة في سياقاتهم المختلفة.

أما من زاوية نظرية المعرفة، فما العودة إلى التراث سوى تأكيد على أنه لا توجد معرفة محايدة ولا مطلقة. وكل إنتاج معرفي هو وليد سياقه، وتحكمه شروط اجتماعية وثقافية وتاريخية. والعودة هنا، تمرين على نقد آليات المعرفة القديمة: كيف كان الآوائل يفكّرون؟ ما أدواتهم؟ ما حدود تصوّراتهم؟ وهي كشف عن المقولات الكبرى التي لا تزال تهيمن ضمنيًا على وعينا، وإن ظننا أننا قطعنا معها. ووسيلة لإعادة بناء المفاهيم استنادًا إلى الحاضر، لا لتقديس الماضي، بل لإنتاج معرفة نقدية متجاوزة.

لهذا يعيد الغرب -مثلًا- قراءة ديكارت وكانط، ليجد جذور أزماته الراهنة في تصوّرات قديمة عن الذات والعقل والمعرفة.

إذن، كما تلاحظون. ليست العودة للتراث ترفًا، ولا حنينًا شكليًا، بل هي فعل مقاومة فكرية ومعرفية ضد النسيان، وضد التبعية العمياء لكلّ ما يُقدَّم لنا ك"معرفة كونية". مع التشديد على مكانة الكوني المشترك طبعًا. وكما أن الأمم العاقلة تُنقّب في آثارها، وتحفر في ذاكرتها، وتعيد مساءلة سردياتها، فإن المجتمعات التي تقطع مع تراثها دون وعي، تصبح فريسة سهلة للتاريخ الذي يصنعه الآخرون. والتراث إذا قُرئ بأدوات الحاضر وبنقد بصير، قد يُصبح موردًا لتحرّر الفكر من التبعية، ومُحرّكًا لمغامرة التجديد. وبكلّ الأحوال لا توجد ثقافة وطنية معلّقة في السماء لا منبت لها ولا جذور في المجتمع والتاريخ، وإلّا كانت لقيطة هجينة، لا تؤسّسُ سوى لتكرار نفسها في حلقة مُفرغة.

ولعلّنا معًا، بمحاولاتنا المجهرية البسيطة مقارنة بما قدمة معلّمونا وأساتذتنا، نعيد للكتابة معناها الأول: أن تكون أثرًا وموقفًا وسؤالًا.

على هذا، أزعجني هذا الشّخص الدّعي دون علم ولا كتاب منير. في كلّ مرّة، أحاول ترويضه بكلّ ما أوتيت من جُهدٍ، لأرفعه إلى مقام نقاش نتعلّم فيه من بعضنا البعض، وقد ينفع النّاس. وإذا به يهرب من موضوع إلى آخر. وخطّ تحريره الأوحد، وكلّ ما يملك، هو أن يُعيُّرني بأنّي "إخواني"، حتّى أيقنتُ أنّه لا يفقه من هذه الأمور شيئًا، غير زهوه برمي الحديث في غير محلّه، يُعيد به مجدًا مُتخيّلًا بإعادة رسكلة إسمًا منسيًّا، علق هناااااك، بعيدًا، في عهد صِباه، قبل خمسين عامًا. ومن سوء حظّه، أن كان الامتحان على هذه الصفحة.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع صديق لا يستقرّ على رأي
- في منزلق سؤال الوزير السابق، السيد عبد اللطيف المكي عن -احتر ...
- دواعي تسريب المكالمة الهاتفية بين عبد الناصر ومعمر القذافي ف ...
- شعبي الذي خذله اللّصوص
- النفاق السياسي والانتهازية كأسباب لأزمة الثقة السياسية في تو ...
- بين الاستبداد والفاشية: خديعة المصطلح
- حدث 25 جويلية، صراع الإرادات: بين استئناف المسار الثوري، وإع ...
- العلم والسلطة: تفكيك العروبة الحضارية في شمال إفريقيا والشرق ...
- القانون الدولي بين مبدأ عدم التدخل، ومسؤولية الحماية: آليات ...
- إضاءات حول المعتزلة
- آثار الدّعاية -الإسرائيلية- في الخطاب اليومي
- حول العبارة الخاطئة المنسوبة لكارل ماركس -إياكم والمساومة عل ...
- في إنكار دوغمائية اليسار
- الأزمة السياسية في تركيا وصراع البرجوازية الحاكمة
- وثيقة موجهة إلى رئيس الجمهورية: من الغضب إلى الفعل، ومن الخط ...
- عنوان الحرب هو التطهير العرقي. وليس استرداد الرّهائن
- زلزال سياسي في تركيا: بين اهتزاز شرعية أردوغان وصعود المعارض ...
- دعوة للارتقاء بالنّقاش وإخراجه من دائرة القدح العشوائي.
- مَن يقود الشرق الأوسط، لا بدّ له من السيطرة على سوريا
- سوريا في بيئة ملتهبة بالصراعات الدولية والإقليمية


المزيد.....




- ليو الرابع عشر: ماذا وراء الأسماء التي يختارها باباوات الفات ...
- هل الصدام وارد بين الرئيس الأمريكي ترامب وبابا الفاتيكان -ال ...
- ماذا نعرف عن دبلوماسية الفاتيكان؟
- ما ردود الفعل الأمريكية على انتخاب بابا -أمريكي- لأول مرة في ...
- الفاتيكان: انتخاب خلف للبابا فرنسيس.. ولادة عهد جديد
- ماذا عن العلاقة بين دولة الفاتيكان ومدينة القدس؟
- الفاتيكان: ثقل مالي واقتصادي لأصغر دولة في العالم
- الفاتيكان يعاني من عجز مالي.. ما الأسباب؟
- شيخ الأزهر الشريف يهنئ البابا ليو الرابع عشر بمناسبة انتخابه ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي يطالب السلطات التونسية بحماية اليهو ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين بوغانمي - لماذا تعود الشعوب والأمم لقراءة تراثها وتفتيشه وبحثه وتمحيصه وحفره وإعادة فهمه؟