أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين بوغانمي - في منزلق سؤال الوزير السابق، السيد عبد اللطيف المكي عن -احترام الدولة المدنية للمبادئ القيمية الإسلامية-: تفكيك لمغالطة فلسفية















المزيد.....

في منزلق سؤال الوزير السابق، السيد عبد اللطيف المكي عن -احترام الدولة المدنية للمبادئ القيمية الإسلامية-: تفكيك لمغالطة فلسفية


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 17:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بداية معالي الوزير أراد أن يقول "قيم الإسلام" باختصار. ولكن بطريقته هو، لأنه لا يوجد في التراث الأصولي أو التفسيري أو الفقهي مصطلح مركّب بهذه الصيغة.
وهذا غير مهم كثيرا، الأهم هو أن نتفاعل معه لإزالة الغموض.

يثير التساؤل الذي طرحه سي عبد اللطيف المكي على صفحة الأستاذ صلاح البرقاوي: "هل تحترم هذه الدولة المدنية المبادئ القيمية للإسلام؟" مسألة شائكة تخفي أكثر مما تعلن، وتكشف عن توجّه سياسي-فكري مأزوم يواصل الاشتغال بمنطق الالتباس والمراوغة، بدل التوجه نحو بناء تعاقد وطني جامع. ولعل مكمن الإشكال ليس في ظاهر السؤال، بل في خلفياته التأويلية ومآلاته السياسية.

أولا:
كمين المفهوم: حين يُساء استعمال المصطلحات

إن استدعاء عبارة "المبادئ القيمية للإسلام" في سياق مساءلة الدولة المدنية لا يخلو من كمين مفاهيمي. إذ يُراد به تمرير تأويل مخصوص للدين، يُختزل في منظومة حكم، ويُحوَّل من منظومة قيم روحية وأخلاقية كونية إلى مشروع سلطة بشرية. في حين أن الدولة المدنية، كما تبلورت في الفكر السياسي الحديث، لا تتنصّل من القيم الدينية، بل تحمي حريّة الاعتقاد والضمير وتصون كرامة الإنسان، بغض النظر عن دينه أو معتقده أو نمط حياته.

بهذا المعنى، فإن أي ادعاء بأن الدولة المدنية لا تحترم المبادئ القيمية للإسلام هو مغالطة فكرية مزدوجة:
أولًا، لأنها تفترض أن "قيم الإسلام" لا يمكن أن تتحقق إلا داخل نظام حكم ديني. وثانيًا، لأنها تُقصي حقيقة أن القيم الدينية، ومنها الإسلامية، هي في جوهرها مبادئ إنسانية مشتركة، لا يصح احتكارها أو توظيفها سياسيًا.

ثانيا:
الإسلام دين قيم لا منظومة حكم

تاريخيًا وفلسفيًا، لم ينزل الإسلام كنظام سياسي، بل كرسالة روحية وأخلاقية تهدف إلى تحرير الإنسان، وإرساء قيم العدل والرحمة والمساواة والتكافل. ولم يفرض شكلًا للحكم، بل دعا إلى الشورى وترك للناس حرية تنظيم شؤونهم بما يحقق مقاصد العدل. والتجربة الإسلامية نفسها عبر التاريخ لم تعرف نموذجًا مقدسًا موحدًا، بل شهدت أنماطًا متعددة للحكم، تتفاوت في مدى تحقيقها لمقاصد الشريعة.

وحينما استند الحكام إلى "شرعية إلهية"، في أي سياق ديني أو سياسي، ضاق هامش الاعتراض، وتمّت مصادرة حق الاختلاف، وصار الرأي الحر يُصنَّف رِدّة، وكفرًا. أو خروجًا عن الجماعة.
ولعل أخطر ما أصاب الوعي المسلم هو ذلك الخلط بين النصوص الدينية ومتطلبات الحكم، مما أنتج أنظمة قهرية ادّعت تمثيل الإرادة الإلهية، واعتدت على كرامة الإنسان باسم الدين.

ثالثا:
الدولة المدنية: حماية القيم من الابتذال السياسي

الدولة المدنية ليست نقيضًا للإسلام ولا معادية لهويته القيمية. بل هي الإطار القانوني والمؤسسي الذي يكفل ممارسة الشعائر الدينية بحرية، ويحمي الضمائر، ويمنع المتاجرة بالدين. وهي الضامن الوحيد لحق الاختلاف، والمواطنة المتساوية، وحرية الرأي. وكل محاولة لربطها بنفي "قيم الإسلام" ما هي إلا مغالطة تنطلق من تأويل اختزالي للإسلام، يحصره في نظام سلطوي، بدل كونه منظومة قيم عليا.

في السياق التونسي، حُسِمت هذه المسألة من داخل مؤسسة الزيتونة ذاتها، وليس من خارجها. إذ قدّم الشيخ العلّامة الطاهر بن عاشور، أبرز أعلام الاجتهاد المقاصدي، قراءة عقلانية للإسلام، قائمة على اعتبار مقاصد الشريعة مبادئ إنسانية مطلقة، تتجاوز الأزمنة والأمكنة، وتتحقق ضمن أنظمة مدنية متعددة. حدّدها في خمسة: حفظ النفس، الدين، العقل، النسل، والمال. واعتبر أن العدل والحرية وكرامة الإنسان هي مقاصد سابقة على التشريع نفسه، ولا يمكن تقييدها.

رابعا:
القيمة المطلقة ومعيار العدل

في المنظور الزيتوني العقلاني، وفي منظور مختلف أطياف المجتمع السياسي المجمعة على الدولة الوطنية، القيم لا تُقاس بمدى قربها أو بعدها من "الحكم بالشريعة" كما يتصور سي عبد اللطيف وعموم الأصوليين الذين يفكرون ضمن الدائرته الثقافية لجماعة الإخوان المسلمين، بل تُقاس بمدى تحقيقها للعدل، وفق القاعدة الشهيرة: "حيثما كان العدل فثمّ شرع الله". بينما ينزع الخطاب الإخواني إلى جعل العدل مقيدًا بمصلحة "الدولة الإسلامية" التي يتصورها، ويرى حرية الرأي والاجتهاد مقيدة بما يراه هو مصلحة الأمة، ويُجيز تقييد الحرية ومصادرة الفكر باسم الجماعة.

خامسا:
من الصلاة إلى القيم: منطق استعمال الدين

يتجلّى هذا التباين حتى في تأويل الشعائر: فالصلاة، في التصوّر الزيتوني-التونسي، ومن ثمة الدولة المدنية التونسية، عبادة فردية أخلاقية-قيميّة، تهذّب النفس وتربي على الانضباط والعدل. أما عند سي عبد اللطيف وجماعته، فهي واجب جماعي ضمن مشروع إعداد "المجتمع المسلم"، ويُراد بها مظاهر جماعية سياسية الطابع، تنتهي ـ متى سنحت الفرصة ـ إلى إخضاع الناس عبر أجهزة "شرطة الصلاة في وقتها".

سادسا:
ضرورة تحرير القيم من الاستعمال السياسي

إن القيم الإسلامية، بما هي مبادئ إنسانية عليا، يمكن أن تتحقق في أي نظام عادل يكفل الحريات ويحمي الضمائر. ولا يجوز لطرف سياسي أن يحتكرها أو يوظفها لخدمة مشروع سلطوي. ومن الخطر الفكري والسياسي تحويل هذه القيم من غايات أخلاقية إلى أدوات سياسية وأدوات ضبط اجتماعي.

وعليه، فإن محاولة الوزير التشكيك في مدى احترام الدولة المدنية للمبادئ القيمية الإسلامية ليست إلا مناورَة خطابية، تستبطن نزوعًا للمصادرة باسم الدين، وتنكّرًا لروح النص القرآني، ولإرث جامع الزيتونة، ولتاريخ الاجتهاد العقلاني في تونس.

أخيرا:
لقد أتعبتم شعبكم، وأتعبتم أنفسكم:

أختم فأقول لمعالي الوزير: نحن، التوانسة المجمعون على الدولة الوطنية، ليس لنا ما نُغيّر حتى نتأقلم مع "دولتكم المتخيلة". بل المطلوب هو أن تتحرّروا من ميراث جماعة الإخوان الثقيل، وتلتحقوا بالإجماع الوطني على الدولة، حتى تتحوّلوا إلى جزء من شعبكم. وتساهموا في بناء بلادكم مع إخوتكم، الذين لطالما اعتبرتموهم عنوان "جاهلية القرن العشرين".
فارفقوا بنا وبأنفسكم.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دواعي تسريب المكالمة الهاتفية بين عبد الناصر ومعمر القذافي ف ...
- شعبي الذي خذله اللّصوص
- النفاق السياسي والانتهازية كأسباب لأزمة الثقة السياسية في تو ...
- بين الاستبداد والفاشية: خديعة المصطلح
- حدث 25 جويلية، صراع الإرادات: بين استئناف المسار الثوري، وإع ...
- العلم والسلطة: تفكيك العروبة الحضارية في شمال إفريقيا والشرق ...
- القانون الدولي بين مبدأ عدم التدخل، ومسؤولية الحماية: آليات ...
- إضاءات حول المعتزلة
- آثار الدّعاية -الإسرائيلية- في الخطاب اليومي
- حول العبارة الخاطئة المنسوبة لكارل ماركس -إياكم والمساومة عل ...
- في إنكار دوغمائية اليسار
- الأزمة السياسية في تركيا وصراع البرجوازية الحاكمة
- وثيقة موجهة إلى رئيس الجمهورية: من الغضب إلى الفعل، ومن الخط ...
- عنوان الحرب هو التطهير العرقي. وليس استرداد الرّهائن
- زلزال سياسي في تركيا: بين اهتزاز شرعية أردوغان وصعود المعارض ...
- دعوة للارتقاء بالنّقاش وإخراجه من دائرة القدح العشوائي.
- مَن يقود الشرق الأوسط، لا بدّ له من السيطرة على سوريا
- سوريا في بيئة ملتهبة بالصراعات الدولية والإقليمية
- وتستمر المعركة بين الدم والغطرسة
- مفاعيل الإبادة الجماعية، وبداية تفكك الأبارتهايد الصهيوني


المزيد.....




- “استمتع بأجمل الأناشيد والبرامج بجودة HD”.. تردد قناة طيور ا ...
- لأول مرة .. روسيا تهدي أكبر المراكز الدينية في العراق مصاحف ...
- جدل ديني واجتماعي كبير عقب رفع فتاة الأذان بأحد مساجد القاهر ...
- تصاعد دخان أسود في الفاتيكان.. ماذا يعني ذلك؟
- “استمتع بأجمل الأناشيد والبرامج بجودة HD”.. تردد قناة طيور ا ...
- دخان أسود في الفاتيكان ولا بابا جديدا
- رويترز: الإمارات لديها مخاوف من الميول الإسلامية لقادة سوريا ...
- وسط سرية تامة... الكرادلة يبدأون انتخاب بابا جديد في مجمع مغ ...
- الكرادلة الناخبون يبدأون مراسم التصويت في الفاتيكان لانتخاب ...
- بدء مراسم انتخاب بابا الفاتيكان الجديد.. الأنظار تتجه لسطح ك ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين بوغانمي - في منزلق سؤال الوزير السابق، السيد عبد اللطيف المكي عن -احترام الدولة المدنية للمبادئ القيمية الإسلامية-: تفكيك لمغالطة فلسفية