أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - القانون الدولي بين مبدأ عدم التدخل، ومسؤولية الحماية: آليات الفصل السابع وازدواجية المعايير الاستعمارية














المزيد.....

القانون الدولي بين مبدأ عدم التدخل، ومسؤولية الحماية: آليات الفصل السابع وازدواجية المعايير الاستعمارية


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8329 - 2025 / 5 / 1 - 20:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


القانون الدولي بين مبدأ عدم التدخل، ومسؤولية الحماية: آليات الفصل السابع وازدواجية المعايير الاستعمارية

شكّل تطور القانون الدولي منذ نشأته الحديثة ساحة جدلية دائمة بين مبدإين متعارضين ظاهريًا: مبدأ عدم التدخل الذي يقوم على احترام سيادة الدول واستقلال قراراتها الوطنية، ومبدأ مسؤولية الحماية الذي نشأ لاحقًا ليمنح المجتمع الدولي حقًّا، بل واجبًا، في التدخل لحماية المدنيين من انتهاكات جسيمة لحقوقهم الأساسية.

غير أنّ هذا التوازن الهشّ بين حماية السيادة، وضمان حقوق الإنسان، ظلّ على الدوام رهنًا بموازين القوى، إذ تحوّلت آليات القانون الدولي، خصوصًا الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلى أدواتٍ وظّفتها القوى الاستعمارية القديمة والجديدة لتمرير مشاريعها الجيوسياسية تحت غطاء قانوني.

حول أبعاد ازدواجية المعايير في التعامل مع الأزمات الدولية.

1. مبدأ عدم التدخل: خلفياته وأبعاده

يُعد مبدأ عدم التدخل أحد أقدم قواعد القانون الدولي المعاصر. تأسّس مضمونه الصريح مع نشأة النظام الدولي ما بعد معاهدة وستفاليا (1648) التي كرّست سيادة الدول وحرمة حدودها. وقد ثبّته ميثاق الأمم المتحدة في المادة الثانية (الفقرة 7) التي تنصّ على:

"ليس في هذا الميثاق ما يُخوّل الأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولةٍ ما".

يقوم هذا المبدأ على حماية حق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون وصاية أجنبية. وهو يُعد ضمانةً أساسيةً ضد الاستعمار والتوسع الإمبريالي. لكنّ هذا المبدأ ظلّ يحمل في طيّاته استثناءً يتمثّل في إمكانية تدخل مجلس الأمن في حال تهديد السلم والأمن الدوليين، وهو ما شكّل لاحقًا ثغرة قانونية استغلتها القوى الكبرى.

2. مسؤولية الحماية: المفهوم والإشكال

مع نهاية القرن العشرين، وبعد مجازر رواندا 1994، ويوغوسلافيا 1995، تزايد الضغط الدولي لإيجاد آلية تتيح للمجتمع الدولي التدخل لحماية المدنيين. فتبلور هذا المفهوم في تقرير اللجنة الدولية حول التدخل وسيادة الدولة سنة 2001، تحت اسم "مسؤولية الحماية" (Responsibility to Protect)، والذي صادق عليه مؤتمر القمة العالمي للأمم المتحدة سنة 2005.

يقوم المبدأ على ثلاث مراحل:

مسؤولية الدولة عن حماية مواطنيها

مسؤولية المجتمع الدولي في تقديم المساعدة

مسؤولية المجتمع الدولي في التدخل إذا فشلت الدولة

غير أنّ المعضلة تكمن في:

غياب معايير دقيقة لتحديد "الفشل"

غموض الجهة المخوّلة بتشخيص الحالة

هشاشة ضمانات عدم توظيف التدخل لأغراض جيوسياسية

وهكذا، تحوّلت مسؤولية الحماية من مبدأ إنساني إلى ذريعة للتدخل الانتقائي.

3. الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة: آليات التدخل

يُعد الفصل السابع من الميثاق الأداة القانونية التي تتيح لمجلس الأمن التدخل لفرض السلم أو استعادته. وينصّ في (المواد من 39 إلى 51) على صلاحية المجلس في:

تحديد وجود تهديد للسلم

فرض عقوبات سياسية واقتصادية

اتخاذ إجراءات عسكرية

ما يُلاحظ أن الفصل السابع كان مصمّمًا أصلاً لمواجهة حالات العدوان بين الدول، لكنه استُخدم لاحقًا لتبرير تدخلات داخلية بذريعة تهديد السلم.

4. ازدواجية المعايير في توظيف الفصل السابع

منذ نهاية الحرب الباردة، لجأت القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وحلفاؤها، إلى توظيف آليات الفصل السابع وفق مصالحها الاستراتيجية.

في العراق:
استُخدم الفصل السابع 1990 لفرض حصار خانق ثم تدمير بنية الدولة تحت غطاء حماية الأمن الدولي.
ثم سُوّغ التدخل سنة 2003 بحجة امتلاك أسلحة دمار شامل دون تفويض من مجلس الأمن.

في ليبيا:
سنة 2011، صدر القرار 1973 تحت الفصل السابع لحماية المدنيين.
تحوّل التدخل إلى عملية عسكرية لإسقاط النظام وتقويض الدولة، ما أدّى إلى انهيار ليبيا وتحويلها إلى ساحة صراع بين ميليشيات وأطراف أجنبية.

في فلسطين:
عشرات القرارات الدولية أدانت الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه، لكن مجلس الأمن عجز عن اتخاذ أي إجراء ملزم بسبب الفيتو الأمريكي، ما كشف زيف حياد القانون الدولي.

في اليمن والكونغو ورواندا:
تُركت المذابح والصراعات دون تدخل دولي حاسم، لأنّها لا تمس مصالح القوى الكبرى.

5. البُعد الاستعماري في إعادة صياغة "القانون الدولي"

ما يتبدّى من كل هذا هو أن "القانون الدولي" في جوهره ليس قانونًا عالميًا محايدًا، بل أداة سياسية وُضعت وفق موازين القوى عقب الحرب العالمية الثانية. فما يسمى بـ"مسؤولية الحماية" أصبح أداة لـ:
إعادة رسم خرائط سياسية
تفكيك دول منافسة
فرض أنظمة وظيفية تابعة
بينما يُستخدم مبدأ عدم التدخل ذريعة لحماية أنظمة حليفة.

إنّ هذا الاستغلال السياسي للقانون الدولي يفضح استمرار النسق الاستعماري الحديث، الذي انتقل من الاحتلال العسكري المباشر إلى إدارة الفوضى والتحكم عبر أدوات قانونية.

يتّضح من هذا العرض أنّ العلاقة بين القانون الدولي والواقع الدولي ليست علاقة تنظيرية أخلاقية بريئة، بل تعبير عن موازين قوى دولية.
مبادئ السيادة ومسؤولية الحماية، كما آليات الفصل السابع، تُوظَّف انتقائيًا وفق مصلحة القوى الكبرى.

القانون الدولي في صيغته الحالية يمنح المنتصرين شرعية التحكم في مصائر الشعوب، ويفرض إرادتهم تحت شعارات أخلاقية.

ولا سبيل لإصلاح هذا الاختلال سوى بإعادة صياغة النظام الدولي على قاعدة المساواة في السيادة وحق الشعوب في تقرير مصيرها دون وصاية استعمارية مقنّعة.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إضاءات حول المعتزلة
- آثار الدّعاية -الإسرائيلية- في الخطاب اليومي
- حول العبارة الخاطئة المنسوبة لكارل ماركس -إياكم والمساومة عل ...
- في إنكار دوغمائية اليسار
- الأزمة السياسية في تركيا وصراع البرجوازية الحاكمة
- وثيقة موجهة إلى رئيس الجمهورية: من الغضب إلى الفعل، ومن الخط ...
- عنوان الحرب هو التطهير العرقي. وليس استرداد الرّهائن
- زلزال سياسي في تركيا: بين اهتزاز شرعية أردوغان وصعود المعارض ...
- دعوة للارتقاء بالنّقاش وإخراجه من دائرة القدح العشوائي.
- مَن يقود الشرق الأوسط، لا بدّ له من السيطرة على سوريا
- سوريا في بيئة ملتهبة بالصراعات الدولية والإقليمية
- وتستمر المعركة بين الدم والغطرسة
- مفاعيل الإبادة الجماعية، وبداية تفكك الأبارتهايد الصهيوني
- المعارضة التونسية ستندثر إذا لم تُعيد تعريف نفسها وتتصالح مع ...
- مسار تغيّر النظام الدولي ودلالات صعود اليمين المتطرّف في فرن ...
- اليسار يحتاج تنظيما جديدا
- سوق التّجارة بمعاناة اليهود في أزمة كساد خانقة.
- نهاية رواية مُزوّرة!
- إسرائيل، مشروع مُفتَعَل
- طوفان الأقصى، ضربة في مقتل.


المزيد.....




- نتنياهو: هاجمنا إيران لمنع -محرقة نووية- وهذا ما قاله عن -تغ ...
- أنور قرقاش يعبر عن إدانة الإمارات الضربات الإسرائيلية على إي ...
- الجيش الأردني: نسقط الصواريخ والمسيرات التي تنتهك مجالنا الج ...
- سكان القدس يخزنون المؤن وسط تصاعد التوتر مع إيران
- نيكولا ساركوزي يفقد وسام الشرف الفرنسي بعد إدانته رسمياً
- لماذا هبت دول عربية وتركيا لمساعدة سوريا؟
- نتنياهو: العملية الإسرائيلية قد تؤدي إلى تغيير النظام في إير ...
- تركي آل الشيخ لجمهور الزمالك: لا تصطادوا في الماء العكر
- وزير الخارجية القطري ونظيره الفرنسي يؤكدان أهمية الاستقرار ف ...
- إسرائيل لم تخطر بريطانيا بهجماتها مسبقا


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - القانون الدولي بين مبدأ عدم التدخل، ومسؤولية الحماية: آليات الفصل السابع وازدواجية المعايير الاستعمارية