أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - اليسار يحتاج تنظيما جديدا














المزيد.....

اليسار يحتاج تنظيما جديدا


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 7982 - 2024 / 5 / 19 - 16:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد ثبت بعد ثلاثة عشر سنة أن الأحزاب اليسارية النخبوية، المشكلة من فرق وخلايا سرية، في بناء هرمي يقوده أمين عام أو رئيس ومكتب سياسي ولجنة مركزية (والذي يشبه التنظيم العسكري)، لم يعد مؤاتيا ومقبولا من قبل إنسان القرن الواحد والعشرين. وبات على اليسار أن يبتكر التنظيم الذي يتناسب مع مهمات بناء الدولة الحديثة ، ويستفيد من التطور التكنولوجي وسهولة التواصل، ويستلهم من تجارب مجموعات التلاقي المختلفة على الأنترنت، وتجارب الصحف والنشرات الإلكترونية ليبني تنظيما حديثا ، يكون العنصر المحرك فيه هو الموقف والقضية، وإطاره هو كل صيغ التواصل الممكنة من أجل تجميع الكتلة التاريخية القادرة على تحقيق التغيير الاجتماعي.

اليسار اليوم يحتاج تنظيم حديث وذكي ورحب يشمل كل المنادين بالعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية واستقلال القضاء وتحديث الدولة والمجتمع بتوطين الديمقراطية والعلمنة. ويشمل جميع المتحدين حول قضايا شاملة كالاشتراكية، والوحدة العربية، وقضايا البيئة،والمشتغلين في مجال القضايا المهنية كالنقابات العمالية والمهن الحرة والأجور، أو حول قضايا فكرية ، ولا سيما المتعلقة منها بتطوير الفكر التغييري وبالصراع الايديولوجي، الخ. تنظيم ذكي يضمن احترام كل صيغ التنوع والتعدد حول كل هذه القضايا، سواء فيما بين قوى اليساري، أو داخل التنظيم نفسه.

يعني التحدي الأكبر هو بناء تنظيم يساري حديث قادر على مراجعة التجارب السابقة ومساءلة كل الأفكار التي ادعت تمثيلها الوحداني للثورة والتغيير، والكشف عن أعطابها وحدودها بشجاعة، والتخلي عن تلك التأويلات المتعسفة، والكف عن الاعتقاد بإن الماركسية هي نهاية تاريخ العلوم والمعارف، والعمل على تجديدها وتحديثها، ووصلها بكل العلوم التي تمنح مصطلح الثورة مدلوله الحقيقي بعد أن شوهته التأويلات السطحية السخيفة التي قادها أناس محدودين بلا مواهب هم أقرب لضباط المخابرات ورجال الدين منهم لشباب الثورة والمستقبل.

اليساريحتاج تنظيما يُربي الأجيال على فكرة التغيير الشامل اقتصادا وسياسة وثقافة اعتراضا على التربية الانقلابية التي يقتصر التغيير فيها على تبديل المواقع في هرم السلطة. وهذا يقتضي إعادة النظر بكل المفاهيم "الربّانية" الإطلاقية الجامدة كالبروليتاريا والعنف الثوري، واشتراط التنظيم وحدة ايديولوجية وسياسية وتنظيمية! وحدة غير ممكنة حتى عند أهل السنة والجماعة.
لا بد من تنظيم قادر على التخلي عن هذه المفاهيم الغبية وتحصين أجياله ضد التطرف والانغلاق، وذلك بتحريض الشباب على تمثّل التعدد والتنوع والتعاون وبناء أفكارهم على ضوء العلوم والمعارف والوقائع والمعطيات .

اليسار يحتاج تنظيم له مؤسسات ومراكز بحث تتولى دراسة مقومات اقتصاد تونس وثرواتها وأولويات شعبها ومحيطها وموقعها في العالم وإمكانياتها، حتى يرسم مشروعا وطنيا قابلا للتنفيذ. فالماركسية لا تكفي تونس. فعلى سبيل المثال نحن نعلم أن اهتمام ماركس انصب على الجانب الاقتصادي من تطور الرأسمالية في إطار سعيه وراء تفسير التاريخ واستخراج قوانينه. ولذلك تكاد كتاباته تخلو من البحوث السياسية التي توازي، في عمقها، بحوثه الاقتصادية. كما نعلم أنه جرى تأويل أفكار ماركس المبعثرة والقليلة عن الدولة تأويلا إيديولوجيا بافلوفيا، مفاده القضاء على الدولة بدل النضال من أجل إصلاحها بما يؤمّن الشروط المادية لانتصار الاشتراكية. ونعلم أنه ما من فلسفة عظيمة وملهمة إلا وبنت لنفسها فردوسها وجنتها الخالدة. ومن ذلك مجتمع ماركس الفاضل الخالي من الطبقات الذي تضمحل فيه الدولة من تلقاء نفسها ما أن تنتهي شروط وجودها.

اليسار يحتاج تنظيما عقلانيا ينظر بدقة للتطور اللامتكافئ بين المركز والأطراف، ليعيد النظر في برنامجه الذي بناه زمن الحرب الباردة، على هاجس الاستقلال الاقتصادي وفك الارتباط مع المنظومة الرأسمالية. وذلك لكي يكون قادرا على انتاج فكر واقعي يقول بالنضال من أجل تحسين شروط استقلال القرار السيادي داخل المنظومة الرأسمالية، طالما لم تعد هنالك منظومة اشتراكية في هذا العالم. وفي هذا الباب هنالك جبل من الدراسات، وضعها مفكرون تقدميون ماركسيون عرب وأجانب من كل العالم. يمكن لليسار اليوم الاستفادة منها، والاسترشاد بها لإعادة بناء مشروعه. ويمكن أيضا بحث تجارب عالمية تميزت بطابع اشتراكي في بعض بلدان شمال أوروبا (السويد والدنمرك وبعض بلدان أميركا اللاتينية كالبرازيل. والتجربة الصينية ونظرية اقتصاد السوق الاشتراكي).

اليسار يحتاج تنظيم يعيد النظر بتركيزه على الجانب الاقتصادي، وإغفاله كون الرأسمالية منظومة كاملة من القيم الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والفنية، وبالتالي فإن تجاوزها لا يتم بالتبسيط الذي تخيله السوفييت، أي بمجرد استلام السلطة عن طريق الثورة المسلحة أو الثورة الجماهيرية، أو بانقلاب يقوده زعيم قبيلة، بل هو عملية تاريخية معقدة طويلة الأمد.

اليسار يحتاج تنظيم حقيقي له مؤسسة بحثية تساعده على إعادة النظر في الاعتقاد بأن العصر هو عصر الانتقال إلى الاشتراكية. ذلك الاعتقاد البسيط الذي جعله يرسم برامجه ويحدد جبهة أعدائه وجبهة حلفائه على أساسه. لأنه منذ ثلاثين عاما، سقطت الفرضية القائلة إن البشرية تعيش "عصر الانتقال إلى الاشتراكية". ومنذ ذلك الوقت بات على اليسار أن يعيد رسم حلمه على أسس جديدة.

مقصدي من هذا التعليق المطوّل جملة واحدة. "أزمة اليسار التونسي هي أزمة تنظيم حديث عقلاني مرن وواسع، وله بوصلة حقيقية". وعندي يقين أن كل النقاشات الجادة مهمة ومفيدة وضرورية كمجمل الاسئلة والقضايا التي يثيرها توفيق على جداره باستمرار. ولكني أعتقد أن أهم موضوع على الإطلاق في المرحلة الراهنة هو موضوع التنظيم. وحده التنظيم يخلق القادة، ويخلق البوصلة، ويبني المشروع، ويُجمّع الناس ويلهمهم ويبني لهم ثقة في بلادهم وفي مستقبلهم.

مع الودّ دائما



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوق التّجارة بمعاناة اليهود في أزمة كساد خانقة.
- نهاية رواية مُزوّرة!
- إسرائيل، مشروع مُفتَعَل
- طوفان الأقصى، ضربة في مقتل.
- الولايات المتحدة الأمريكية شريكة في الحرب على غزة
- صُنّاع الكراهية يقودون المظاهرات ضدّ الكراهية!
- سقوط حلّ الدولتين، أو انتصار الدم على المدفعيّة
- هل تغيّر الموقف الأمريكي تُجاه الحرب على غزة؟
- كلّ الجهود ضدّ حرب إبادة الشعب الفلسطيني
- حذار من الإفراط في التفاؤل
- الحرب على غزّة ودواعي تطوّر الموقف العربي الرسمي
- محنة الماركسيين التوانسة في علاقتهم بمقولتي -الدولة- و -الدي ...
- نظام الفساد والإرهاب، لا يبني ديمقراطية.
- العرڨ دسّاس
- الدولار لن يبقى سيّد العالم
- هل التعدّد المذهبي والطائفي والثقافي هو سبب تخلّف العرب؟
- الإسلام الموازي وتكفير أهل الكتاب
- حول -الاستقلال- ودولة الاستقلال.
- بوصلة الشهيد!
- العالم بتغيّر


المزيد.....




- عض سيدة وجرها إلى الأرض.. كلب بيتبول يهاجهم طفلًا و3 أشخاص ب ...
- من القاهرة.. بلينكن يدعو دول الشرق الأوسط إلى -الضغط على حما ...
- بشأن الإقامة.. السفارة السعودية في القاهرة تصدر -بيانا هاما- ...
- غرامات وعقوبات تفرضها السعودية على المخالفين في الحج
- شاهد: ثور يقفز فوق سياج حلبة في أوريغون ويصيب 3 أشخاص قبل ال ...
- مراسلنا: إسقاط طائرة مسيّرة إسرائيلية فوق أجواء منطقة إقليم ...
- حزب الحرية النمساوي يفوز في انتخابات البرلمان الأوروبي في ال ...
- الجيش الإسرائيلي يؤكد سقوط مسيّرة تابعة له بصاروخ أرض جو في ...
- بدء الحملات الانتخابية في إيران
- النصيرات.. تواصل انتشال الضحايا


المزيد.....

- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - اليسار يحتاج تنظيما جديدا