أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - بين الاستبداد والفاشية: خديعة المصطلح














المزيد.....

بين الاستبداد والفاشية: خديعة المصطلح


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8331 - 2025 / 5 / 3 - 12:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حرب المفاهيم هي جزء من أدوات الرّجعية في تضليل الشعب، لتتفرّغ لاستعادة زمام الأمور على نحو كامل. فهي هجوم وظيفي مخطط له يهدف إلى تضليل المواطنين وقصف وعيهم، تمامًا كما يسعى المعتدون في الحروب إلى تدمير البنية التحتية والبيوت بالقذائف والصواريخ.

ما هو سرّ الإصرار على تزوير مفهوم "الفاشية"؟

تاريخيا مواجهة الفاشية احتاجت إلى تحالف بين مجموعة من الدول الرأسمالية والاشتراكية ضمن معسكر واحد سُمّي "الجبهة ضد الفاشية". إذن ولدت "الجبهة ضد الفاشية" في سياق الحرب العالمية الثانية. لا كمجرد تحالف عابر بين قوى دولية مختلفة ايديولوجيا، بل كانت عبارة عن التقاء مصالحها الاستراتيجية في مواجهة تهديد وجودي مثّلته ألمانيا وإيطاليا، ليس فقط للحلفاء الاستعماريين، بل لشعوب أروبا وآسيا وإفريقيا، وللبشرية بأسرها. ذلك أن الفاشية تُجسّد مشروعًا إمبرياليًا عنصريًا مدمرًا، يسعى لتوسيع النفوذ الرأسمالي عبر الحروب والمجازر والإبادة على اوسع نطاق، لإخضاع الشعوب وتأمين مصالح رأس المال. وهذا بالضبط ما يفسّر تحالف الاتحاد السوفييتي مع فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة للقضاء على هذا الخطر المحدق.

فالفاشية لم تكن في يوم من الأيام، ولا هي اليوم، ديكتاتورية شمولية أو قمع سياسي وحسب. بل كانت على الدوام اندفاعا عسكريا، يهدف إلى تأمين سيطرة رأس المال على مناطق نفوذ عالمية، من خلال الحروب التوسعية، معتمدًة على الإيديولوجيات العنصرية المتطرفة.

وعندما ننتقل الآن إلى السياق التونسي. يستعمل الأستاذ حمة الهمامي مصطلح "الفاشية الزاحفة" لتوصيف نظام قيس سعيّد، حاذِفًا كلّ الأبعاد التاريخية والاقتصادية لهذا المصطلح. وأنا على يقين أنه يدرك جيدا معاني الظاهرة ودلالات المصطلح. والحقيقة صرت أشُكّ فيما إذا كان إصراره على هذا التوصيف ينبع من الإصرار على الدّعوة ل"الجبهة ضد الفاشية"، في محاولة لتسويغ وتبرير الاصطفاف مع جزء من الرّجعية المُبعدة، ضد الجزء الآخر الذي أبعدها في إطار صراع النفوذ بين الطبقات المتنفّذة.

في نظري واعتقادي، إذا كان لابدّ من توصيف للفاشية اليوم، فهذا المفهوم ينطبق على الدول الغربية التي هبّت لنجدة الكيان الصهيوني / آخر قلاع الاستعمار الاستيطاني. وتمسّكت علنًا بحقّه في احتلال الأراضي الفلسطينية. بل وبعثت مسؤوليها واحدا تلو الآخر لتأييد جريمة إبادة متكاملة الأركان، وللإشراف على عميلية تهجير قسري، باستخدام جميع أدواة الموت: قصف البيوت والملاجئ والكنائس والمساجد والمدارس والمستشفيات، وتعمد قتل المرضى والاطباء والرضّع والنساء والشيوخ. ووقّعت هذه الدول (التي تتظاهر بدعم الديمقراطية في تونس) على إبادة شعب كامل بمنع الماء والغذاء والدواء والكهرباء وحصاره وتجويعه.

هذه هي السّمات النّوعية للفاشية. وليس النظام الاعتباطي في تونس، الذي يُخصِّص فصيلا مُسلّحًا من الأمن الرّئاسي لحماية الرّفيق حمّة ومرافقته، وهو يشتم رئيس النظام "الفاشي" أينما ذهب. بينما قد يُعتقل في أي لحظة شخص مجهول بسبب تدوينة تافهة.

النظام الذي يقوده قيس سعيد ليس فاشيًا. صحيح هناك تزايد للجنوح نحو الطابع الاستبدادي لنظام مأزوم يسعى لإعادة الانتشار وتجديد ضبط الدولة والمجتمع. وهناك محاولات لتوسيع السيطرة على النشاط المدني. ولكن لا توجد أيّ سمة من سمات الفاشية. فلا هو مشروع إمبريالي توسعي، ولا سياسته سياسة إبادة جماعية على نطاق واسع، كما كان الحال في ألمانيا النازية أو إيطاليا الفاشية، أو ما يقوم به الكيان الصهيوني اليوم. أما الرئيس فلا يعدو أن يكون واجهة للإدارة السياسية الحاكمة. والدليل على ذلك الرجل ليس له أي برنامج من أي نوع. انتخبه الشعب للقضاء على الفساد، وللتشفي من نخبة فاسدة. فإذا به يجمّد السياسة في الفضاء العام، وينزعها من مؤسسات الحكم.

بهذا السياق، وبعيدا عن القدح في ذمة الأستاذ حمة الهمامي، حتى وإن كانت النيّة مغايرة لهذا التأويل القاسي، فمن المهم أن نكون دقيقين في استخدام المفاهيم حتى لا نخسر مصداقيتنا أمام شعب ذكيّ ومتعلّم، كلّ من يحاول مغالطته، إنما يرتكب خطأ فادحًا في حق نفسه. وأيضا حتى لا نسقط في تجريد المفاهيم من محتوياتها، والتّدليس على الشّعب دون نيّة في التدليس.

(يتبع)



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث 25 جويلية، صراع الإرادات: بين استئناف المسار الثوري، وإع ...
- العلم والسلطة: تفكيك العروبة الحضارية في شمال إفريقيا والشرق ...
- القانون الدولي بين مبدأ عدم التدخل، ومسؤولية الحماية: آليات ...
- إضاءات حول المعتزلة
- آثار الدّعاية -الإسرائيلية- في الخطاب اليومي
- حول العبارة الخاطئة المنسوبة لكارل ماركس -إياكم والمساومة عل ...
- في إنكار دوغمائية اليسار
- الأزمة السياسية في تركيا وصراع البرجوازية الحاكمة
- وثيقة موجهة إلى رئيس الجمهورية: من الغضب إلى الفعل، ومن الخط ...
- عنوان الحرب هو التطهير العرقي. وليس استرداد الرّهائن
- زلزال سياسي في تركيا: بين اهتزاز شرعية أردوغان وصعود المعارض ...
- دعوة للارتقاء بالنّقاش وإخراجه من دائرة القدح العشوائي.
- مَن يقود الشرق الأوسط، لا بدّ له من السيطرة على سوريا
- سوريا في بيئة ملتهبة بالصراعات الدولية والإقليمية
- وتستمر المعركة بين الدم والغطرسة
- مفاعيل الإبادة الجماعية، وبداية تفكك الأبارتهايد الصهيوني
- المعارضة التونسية ستندثر إذا لم تُعيد تعريف نفسها وتتصالح مع ...
- مسار تغيّر النظام الدولي ودلالات صعود اليمين المتطرّف في فرن ...
- اليسار يحتاج تنظيما جديدا
- سوق التّجارة بمعاناة اليهود في أزمة كساد خانقة.


المزيد.....




- -كان معي ملائكتي الحارسة-.. سيدة تنجو بأعجوبة من اقتحام سيار ...
- ما حقيقة الفيديو المنسوب إلى حرائق القدس؟
- تصريحات مؤرخ جزائري عن الأمازيغية تثير جدلاً واسعاً، ومحكمة ...
- في يومها العالمي.. هل تستعيد الصحافة في سوريا حريتها المسلوب ...
- استقالة (أو إقالة؟) رئيس حكومة اليمن إثر خلافات واستياء شعبي ...
- هل يؤجج قصف إسرائيل لسوريا نعرات طائفية؟
- عراقجي: اتهامات الغرب كاذبة واستفزازية
- مصر.. فتاة أجنبية تتسبب في أزمة والسلطات تتدخل
- بإشراف من الشرع.. مشروع سوري أمريكي لتحديث منظومة عمرها 30 ع ...
- الليبيون يحيون ذكرى معركة سيدي السائح


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - بين الاستبداد والفاشية: خديعة المصطلح