أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين بوغانمي - حوار مع صديق لا يستقرّ على رأي















المزيد.....

حوار مع صديق لا يستقرّ على رأي


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8336 - 2025 / 5 / 8 - 04:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مبدئيًا، أود تذكيرك بأن أصل النقاش لم يكن عن [طبيعة المجتمع العربي في القرن السابع]، ولا عن بعض [أحكام الرق أو المواريث].

النقاش بدأ من تعليقي على قيادي (صفّ أول) في حركة النهضة، حول ما أوحى به من ضرورة أن تغير الدولة المدنية من نفسها حتى تتلاءم مع ما يقصده بالتلميح المُبطّن لـ"دولة الشريعة" في العقل الإخواني. وحاولت أن أبيّن بما استطعت من الدليل أن الإسلام لم يُنزل كنظام حكم أو دولة دينية، بل كرسالة أخلاقية وروحية حملت قيما تنظم حياة الأفراد والمجتمع، وتركت شأن السلطة والإدارة للاجتهاد البشري حسب مقتضيات العصر.

ثم جاء سؤالك طالبًا مستند هذا القول. فأجبتك بأدلة من النص القرآني، ومن التاريخ، ومن آراء كبار علماء الإسلام وفقهائه (طبعا أعرف أنك من الذين يسخرون من عبارة "علماء"). وأيضا من الفكر الفلسفي الحديث. فلم أفهم لماذا تركت جوهر هذا النقاش جانبًا، وذهبت إلى حواشي وتفصيلات ثانوية، ترتبط بأنماط العيش والعلاقات الاجتماعية في ذلك الزمان. وهذا في تقديري انحراف بالنقاش عن مساره الأصلي.

ولو تجاوزت ابتعادك عن جوهر الموضوع، وسايرتك حيث اتّجهت، لوقفت على مغالطة لا تخلو من التسطيح. سأحاول التفاعل الجدّي مع ما تفضّلت به من نقاط تِباعًا.

أولا، الدولة ليست وليدة هذا العصر. الدولة بمعنى السلطة والتنظيم الاجتماعي كانت موجودة منذ الحضارات السومرية والمصرية القديمة، وما قبلها من أشكال السلطة القبلية. ما تغير هو شكل الدولة وحدودها وأجهزتها، لا فكرة السلطة ذاتها.

ثانيا، حول قولك: "القرآن حدّد سلطات الحاكم بأحكام ذلك العصر" هذا غير صحيح. فالنص القرآني لم يحدد سلطات الحاكم أصلًا. ولا توجد فيه آية واحدة تتكلّم عن بنية الدولة أو صلاحيات الحاكم أو طرق تعيينه أو محاسبته. بل توجد مبادئ أخلاقية وقيم عامة. حين يقول: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان…" فهذا خطاب مبدئي يتجاوز الزمان والمكان.

ثالثًا، أحكام مثل المواريث وقطع يد السارق… ليست من باب تنظيم الحكم، بقدر ما هي جزء من التّشريع الاجتماعي الذي كان سائدا. وكلّ فقهاء الأصول يُفرّقون بين الأحكام التعبُّدية، والأحكام المصلحية، وهذه الأخيرة قابلة للاجتهاد حسب تغير الزمان والمكان.

رابعا، نمط عيش العرب في القرن السابع لا يلغي مقاصد القيم الكونية التي جاءت بها الرسالة. نعم، كان مجتمعًا قبليًا وأخلاقيًا محدودًا. والقرآن في جانب كبير منه جاء لتأهيل هذا المجتمع وترقيته. وهذا ما كشف عنه بعض الباحثين في تاريخ الأديان وعلم الاجتماع الديني، منهم هشام جعيط في السيرة النبوية، ومحمد أركون في قراءاته الأنتروبولوجية للنصوص، وبعض الدارسين الماركسيين مثل حسين مروة في النـزعات المادية في الفلسفة الإسلامية. جميعهم، رغم اختلاف المناهج والخلفيات، نظروا إلى المجتمع المكّي والجزيرة العربية قبل الإسلام، من منظور تاريخي-اجتماعي، على أنه كان مجتمعًا قبليًا، يهيمن فيه منطق العصبية والنسب. والاقتصاد يقوم على الرّعي والتجارة العابرة، وتقوم فيه الروابط الاجتماعية على الدم والانتماء العشائري. وجاءت الرسالة - خاصة مع وثيقة المدينة - كمحاولة جذرية لتحويل ذلك المجتمع من قبائل متناحرة إلى جماعة موحدة ايديولوجيا(الإيمان بالإسلام) مُتجاوزة للنسب. حتى أنهم اعتبروه حدثا ثوريا في بنية مجتمعٍ يقوم على العصبية. وبالمصطلح الماركسي، هو انتقال من نمط اقتصادي-اجتماعي قبَلي، إلى نمط يشبه كثيرا المجتمع الإقطاعي، حيث سيطرة أقلية مالكة للأرض والسلاح والذهب على وسائل الإنتاج، وهكذا بدأت تتشكّل طبقات جديدة: طبقة أغنياء المدينة (المهاجرون والتجار). وطبقة مساندة من العبيد والمستضعفين. وبقي الأعراب في الأطراف.

لكن هذه القراءة، حسب رأيي، ليست دقيقة الحقيقة، لأن البنية الاقتصادية للجزيرة ظلت محدودة بالزراعة والتجارة لقرون بعد دولة محمد. ولم تظهر علاقات إقطاعية كما في أوروبا مثلاً (أي ملاك أراضٍ وأقنان). ومع ذلك تظل، من أكثر المقاربات جدية، من جهة ردّ الرسالة إلى منبتها المادي التاريخي، باعتبارها ثورة اجتماعية، لا بمعنى انتقال من العبودية إلى الإقطاع تمامًا. بل بمعنى تفكيك النظام القبَلي لصالح كيان سياسي-ديني جامع (الأمة) تحت سلطة مركزية (النبي/الإمام/الخليفة)، وبتشريعات جديدة تنظّم توزيع الثروة والغنائم ...

خامسا، ادعاؤك أن فكرة تحرير الإنسان والتكافل من اختراع الحركات الدينية اللاحقة يناقض نصوصا قرآنية واضحة يا سي منجي:
"ولقد كرمنا بني آدم."
"إنما المؤمنون إخوة."
"لا إكراه في الدين."
"وتعاونوا على البر والتقوى."

ثم إن فلسفة التشريع في الإسلام، كما بيّنها الغزالي والطاهر بن عاشور والشاطبي، قائمة على تحقيق المصلحة، ودرء المفسدة، وحفظ النفس، والمال، والدين، والعقل، والنسل. وهي مقاصد اجتماعية وإنسانية تتجاوز حدود مجتمع قريش.

سادسا، استشهادك بآية "الحر بالحر والعبد بالعبد." خارج سياقها. هذه آية نزلت في باب القصاص، ضمن واقع اجتماعي كان فيه الرقّ موجودًا، والقرآن بدأ بمنهج التدرّج لتقويض العبودية. وهنالك عشرات الآيات والأحاديث التي حثّت على عتق الرّقاب وحظرت استعباد الأحرار.

سابعا، تجاهلت مسألة أن النبي نفسه قال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، ممّا يدل على أن إدارة الشأن العام ليست جزءًا من العقيدة الثّابتة، بل من الاجتهاد البشريّ الذي يتغير بتغير الأزمنة. وهنا كنت أتمنّى أنك شاركتني في الرد على سي عبد اللطيف المكي.

وأخيرًا، إن كنت تستشهد بسورة الأحزاب لِتُدلّل على "مستوى أخلاق ذلك المجتمع"، فالقرآن ذاته يقرّ ببدائية ذلك المجتمع ليعالجها ويرتقي بها كما أسلفت. وأين تضع قوله: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر…"؟
ألا تعني أن هذه "الخيريّة" مشروطة بممارسة تلك القيم، وليست منحة وراثية؟

على كلّ حال، أشكر تفاعلك، رغم أن تعليقك أهمل إجابتي على سؤالك. علاوة على أن فهمك لمضمون الحدث المحمّدي، من جهة، بعيد عن المنهج التاريخي الجاد بصفة عامة، وعن المنهج الماركسي على وجه الحصر. ومن جهة أخرى لا أظنّه يصمد أمام فقه المقاصد.

أتمنى أن نواصل النقاش في محلّه، لا أن ننقله في كلّ مرة إلى حافة سياقه. فالمسألة فكرية تستحق الجِدّة والوضوح. وتحتاج كثيرا من الاطلاع. وأكثر من ذلك تواضُعًا.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في منزلق سؤال الوزير السابق، السيد عبد اللطيف المكي عن -احتر ...
- دواعي تسريب المكالمة الهاتفية بين عبد الناصر ومعمر القذافي ف ...
- شعبي الذي خذله اللّصوص
- النفاق السياسي والانتهازية كأسباب لأزمة الثقة السياسية في تو ...
- بين الاستبداد والفاشية: خديعة المصطلح
- حدث 25 جويلية، صراع الإرادات: بين استئناف المسار الثوري، وإع ...
- العلم والسلطة: تفكيك العروبة الحضارية في شمال إفريقيا والشرق ...
- القانون الدولي بين مبدأ عدم التدخل، ومسؤولية الحماية: آليات ...
- إضاءات حول المعتزلة
- آثار الدّعاية -الإسرائيلية- في الخطاب اليومي
- حول العبارة الخاطئة المنسوبة لكارل ماركس -إياكم والمساومة عل ...
- في إنكار دوغمائية اليسار
- الأزمة السياسية في تركيا وصراع البرجوازية الحاكمة
- وثيقة موجهة إلى رئيس الجمهورية: من الغضب إلى الفعل، ومن الخط ...
- عنوان الحرب هو التطهير العرقي. وليس استرداد الرّهائن
- زلزال سياسي في تركيا: بين اهتزاز شرعية أردوغان وصعود المعارض ...
- دعوة للارتقاء بالنّقاش وإخراجه من دائرة القدح العشوائي.
- مَن يقود الشرق الأوسط، لا بدّ له من السيطرة على سوريا
- سوريا في بيئة ملتهبة بالصراعات الدولية والإقليمية
- وتستمر المعركة بين الدم والغطرسة


المزيد.....




- الفاتيكان يترقب تصاعد الدخان الأبيض لاختيار خليفة البابا فرا ...
- تسلسل زمني يقارن عدد أيام اختيار بابا الفاتيكان منذ العام 19 ...
- استئناف التصويت في الفاتيكان لليوم الثاني لانتخاب بابا جديد ...
- حدث الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سات وعرب سات وفر ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال ...
- مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك بحماية شرطة الاحتلال ...
- لماذا يمارس العلمانيون العرب الاستعلاء؟
- “استمتع بأجمل الأناشيد والبرامج بجودة HD”.. تردد قناة طيور ا ...
- لأول مرة .. روسيا تهدي أكبر المراكز الدينية في العراق مصاحف ...
- جدل ديني واجتماعي كبير عقب رفع فتاة الأذان بأحد مساجد القاهر ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين بوغانمي - حوار مع صديق لا يستقرّ على رأي