عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)
الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 18:00
المحور:
الادب والفن
الوطن لا يُختزل في شعار، ولا في أغنية ولا تمثال ولا خطبة حماسية. ولا هو نشيد يُذاع في الصباح، ولا راية تُرفع على الساريات، ولا خطاب تُلقيه سلطة شبعانة على شعبٍ يتضوّر جوعًا.
الوطن هو حيث يحيا الإنسان حرًّا كريمًا، يجد فيه قوت يومه، ومستشفى للمريض وطبّ يداويه، وتعليم ومقعد في مدرسة لائقة للطفل، وأمل في غدٍ أفضل وأفقٌ آمنٌ للشباب. هو خبزٌ كريم في يد الفقير.
ما أكثر الأوطان التي اختنقت بشعاراتها، وما أقل الأوطان التي تنبض في سعادة أطفالها وعيون أمهاتهم المطمئنة. لا يجوز لأي سلطة أن تتغنّى بالوطنية، وهي تعجز عن إطعام جياعه، أو تترك أبناءه للبطالة والتيه، أو تستهين بكرامتهم وحقوقهم.
الوطن الحقيقي هو عيش الناس في كنف العدالة والكرامة. وأقسى ما يُمكن أن تفعله سلطةٌ دعيّة فاشلة أن تحاسب الجائع على صرخته، بدل أن تحاسِب نفسها على جوعه.
كل ّسلطةٌ تُجيد الخطابة وترفع شعارات السيادة الوطنية، وتفشل في إسكان المشرد وإطعام الجائع، لا تُحبّ الوطن بل تحب الحُكم باسم الوطن.
الوطن في نهاية المطاف ليس كلامًا… الوطن هو الناس.
في هذا السياق، قرأت للفقيد محمد الماغوط الشاعر والأديب والمسرحي السوري حكاية مؤثّرة جدّا، سأنقلها لاحِقًا.
الماغوط يُعد من أبرز رواد قصيدة النثر في الأدب العربي الحديث. بدأ الكتابة في سجن المزة بدمشق عام 1955 على أوراق السجائر. هو من الأوائل الذين كتبوا قصيدة النثر، وحرّروا الشعر من الأوزان والقوافي التقليدية. وقد عاش طوال حياته مُعبرًا عن هموم الإنسان العربي بلغة بسيطة ومباشرة وساخرة سخرية لاذعة. ومن هذا الباب دخل للنقد الاجتماعي والسياسي.
علاوة عن الشعر كتب الماغوط العديد من المسرحيات، منها "كاسك يا وطن"، "غربة"، و"ضيعة تشرين"، والتي تعاون فيها مع الفنان دريد لحام..
قصّة القاضي والمتّهم
ـ القاضي: هل كنت بتاريخ كذا، ويوم كذا، تنادي في الساحات العامة، والشوارع المزدحمة، بأن الوطن يساوي حذاء؟
المتهم: نعم.
القاضي: وأمام طوابير العمال والفلاحين؟
المتهم: نعم.
القاضي: وأمام تماثيل الأبطال، وفي مقابر الشهداء؟
المتهم: نعم.
القاضي: وأمام مراكز التطوع والمحاربين القدماء؟
المتهم: نعم.
القاضي: وأمام أفواج السياح، والمتنزهين؟
المتهم: نعم.
القاضي: وأمام دور الصحف، ووكالات الأنباء؟
المتهم: نعم.
القاضي: الوطن ... حلم الطفولة، وذكريات الشيخوخة، وهاجس الشباب، ومقبرة الغزاة والطامعين، والمفتدى بكل غالِِ ورخيص، لا يساوي بنظرك أكثر من حذاء؟ لماذا؟ لماذا؟
المتهم: لقد كنت حافياً يا سيدي !
#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)
Boughanmi_Ezdine#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟