أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - تهرم سكاني في تونس وانفجار ديمغرافي إفريقي: قراءة استراتيجية في أفق 2035














المزيد.....

تهرم سكاني في تونس وانفجار ديمغرافي إفريقي: قراءة استراتيجية في أفق 2035


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 01:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يشهد المشهد الديمغرافي في تونس تحولات نوعية صامتة لكنها محورية في تحديد مستقبل البلاد. أبرز هذه التحولات تباطؤ النمو السكاني، اقتراب المجتمع من عتبة التهرم، مقابل انفجار ديمغرافي غير مسبوق في إفريقيا جنوب الصحراء. لا يمكن عزل هذا التباين السكاني عن السياقات الاقتصادية، الجيوسياسية، والاجتماعية التي تعيشها البلاد والمنطقة. خاصة في ظل محدودية الموارد وغياب سياسات ديمغرافية واستراتيجية واضحة تستشرف المخاطر والفرص ضمن منظور استراتيجي متكامل، حتى تتهيّأ الدولة لما ينتظر تونس خلال العقد القادم، استنادًا إلى المعطيات الإحصائية الراهنة.

أولا، مؤشرات التهرم السكاني في تونس

تكشف المعطيات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في تعداد 2024 أن عدد سكان تونس بلغ 11.9 مليون نسمة، بزيادة قدرها مليون فقط مقارنة بسنة 2014. يشير معدل النمو السنوي إلى تقلص لافت بنسبة 0.9%، وهو رقم دون العتبة المطلوبة لتعويض الأجيال (2.1 طفل لكل امرأة). يترافق هذا الانكماش مع تزايد نسبة كبار السن، حيث يُتوقع أن ترتفع من 13% اليوم إلى حوالي 20% بحلول عام 2040.

بموازاة ذلك، تتراجع نسبة الفئة النشيطة (15-59 سنة) تدريجيًا، ابتداءً من سنة 2035، وهو ما سيؤدي إلى تقلص قاعدة دافعي الضرائب والمساهمين في منظومات الحماية الاجتماعية. كما تسجّل البلاد استمرار نزيف هجرة الكفاءات والشباب، ما يفاقم أزمة التوازن الديمغرافي.

ثانيا، المخاطر الاقتصادية والاجتماعية المترتبة

ينذر هذا التهرم السكاني بسلسلة من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة. فمن المتوقع أن تعاني صناديق التقاعد من عجز متزايد، نتيجة ارتفاع عدد المتقاعدين مقابل انخفاض عدد المساهمين. كما سينكمش الطلب الداخلي بسبب تراجع نسبة الشباب وارتفاع متوسط العمر، ما يهدد ديناميكية السوق العقارية والخدماتية.

في المقابل، سيتزايد الضغط على المنظومة الصحية نتيجة الحاجة إلى خدمات خاصة بكبار السن، في وقت تشهد فيه البلاد محدودية في الموارد الطبية والمالية. كما أن استمرار هجرة الشباب والكفاءات نحو الخارج، سيعمق نقص اليد العاملة المؤهلة محليًا، ما يعيق فرص النمو الاقتصادي.

اجتماعيًا، يُتوقع أن تتسع الهوة بين الأجيال، وتظهر مؤشرات على تآكل الطبقة الوسطى، وارتفاع معدلات الفقر والهشاشة. وهو ما قد يتسبب في اختلالات اجتماعية حادة، تهدد استقرار البلاد.

ثالثا، الانفجار الديمغرافي في إفريقيا جنوب الصحراء وأثره على تونس

في المقابل، يشهد المحيط الإقليمي، وتحديدًا إفريقيا جنوب الصحراء، انفجارًا ديمغرافيًا غير مسبوق. فوفق تقديرات الأمم المتحدة، سترتفع الكتلة السكانية للمنطقة من 1.3 مليار نسمة في 2020 إلى 2.5 مليار بحلول 2050. وتعد إفريقيا جنوب الصحراء المنطقة الأعلى في نسبة الشباب بالعالم، إذ يتجاوز 60% من سكانها سن 25 سنة.

يترافق هذا النمو الديمغرافي مع هشاشة اقتصادية وبطالة مرتفعة، وضعف بنى تحتية، وتفاقم النزاعات الداخلية. ومن الطبيعي أن يؤدي هذا الواقع إلى انفجار موجات هجرة نحو شمال إفريقيا وأوروبا.

رابعا، تفاعل المعطيين وانعكاساته الجيوسياسية

ستكون تونس، بحكم موقعها الجغرافي وارتباطاتها الأوروبية، في قلب هذا التفاعل السكاني. فمن جهة، يشهد المجتمع التونسي نزيفًا ديمغرافيًا بفعل الهجرة وتقلص معدلات الولادة، ومن جهة أخرى، تستقطب البلاد موجات من المهاجرين الأفارقة. وهذا سيؤدي إلى ضغط أوروبي متزايد لتحويل تونس إلى منطقة عازلة للهجرة، في إطار سياسة ضبط الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي. ومحليًا، ستبرز تحديات اجتماعية ناجمة عن اشتداد المنافسة على الموارد المحدودة (سوق الشغل، المنظومة الصحية، السكن، والماء). كما قد تنشأ توترات هوياتية وثقافية نتيجة التغيّر التدريجي المنتظر في التركيبة الديمغرافية.

من جهة أخرى، تشكل هذه الوضعية تهديدًا للأمن القومي في ظل هشاشة الحدود الجنوبية والمنظومة الاقتصادية. وهو ما قد تستغله أطراف إقليمية ودولية لتعميق اختراقها في الداخل التونسي.

خامسا، لتفادي السيناريوهات السلبية، نضع بعض التوصيات الاستراتيجية العامة:

*/ مسألة صياغة سياسة ديمغرافية وطنية متكاملة، تراعي حاجات البلاد المستقبلية وترتبط بمفهوم الأمن القومي، هي قضية حياة أو موت.

*/ إصلاح منظومة التقاعد عبر الزيادة في مساهمات الدولة والمشغلين.

*/ الاستثمار في الكفاءات الشابة وتثبيتهم محليًا من خلال مشاريع إنتاجية وبرامج تشغيل مبتكرة.

*/ وضع رؤية وطنية للهجرة تتحكم في عدد ونوعية الوافدين الأفارقة وفق الحاجات الاقتصادية والثقافية.

*/ تحصين النسيج الاجتماعي من مخاطر التصادم عبر برامج إدماج مدروسة وضبط قانوني صارم.

*/ استباق الضغط الأوروبي بوضع شروط واضحة في أية شراكات تخص الهجرة، تضمن مصلحة تونس ومناعتها الاجتماعية.

نُنهي بالتّشديد على ضرورة أن تأخذ الدولة جميع التدابير بهذا الخصوص، على مأخذ الجدّ لأن التحولات الديمغرافية ليست مسألة بسيطة يمكن محاصرتها إن أصبحت أمر واقع، بل هي معطى استراتيجي حاسم في تحديد مستقبل الدول. وتونس، إن لم تتعامل مع معطياتها السكانية والجهوية بمنطق استباقي وطني، فإنها مرشحة لأن تتحول إلى بلد شائخ عاجز، مفتوح على هجرات غير منظمة، ومسرح صراع إقليمي حول التحكم في تدفقات البشر.
بمعنى أن المرحلة الراهنة تفرض مراجعة جذرية للسياسات السكانية ضمن رؤية وطنية تستوعب التحولات الإقليمية وتؤمّن التوازن بين مقتضيات الأمن الديمغرافي والإنصاف الاجتماعي.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جذور المركزية الأروبية ومآلاتها البربرية
- العوامل التي تمنع إقدام الغرب على تنظيم سيناريو الإطاحة بقيس ...
- لماذا تعود الشعوب والأمم لقراءة تراثها وتفتيشه وبحثه وتمحيصه ...
- حوار مع صديق لا يستقرّ على رأي
- في منزلق سؤال الوزير السابق، السيد عبد اللطيف المكي عن -احتر ...
- دواعي تسريب المكالمة الهاتفية بين عبد الناصر ومعمر القذافي ف ...
- شعبي الذي خذله اللّصوص
- النفاق السياسي والانتهازية كأسباب لأزمة الثقة السياسية في تو ...
- بين الاستبداد والفاشية: خديعة المصطلح
- حدث 25 جويلية، صراع الإرادات: بين استئناف المسار الثوري، وإع ...
- العلم والسلطة: تفكيك العروبة الحضارية في شمال إفريقيا والشرق ...
- القانون الدولي بين مبدأ عدم التدخل، ومسؤولية الحماية: آليات ...
- إضاءات حول المعتزلة
- آثار الدّعاية -الإسرائيلية- في الخطاب اليومي
- حول العبارة الخاطئة المنسوبة لكارل ماركس -إياكم والمساومة عل ...
- في إنكار دوغمائية اليسار
- الأزمة السياسية في تركيا وصراع البرجوازية الحاكمة
- وثيقة موجهة إلى رئيس الجمهورية: من الغضب إلى الفعل، ومن الخط ...
- عنوان الحرب هو التطهير العرقي. وليس استرداد الرّهائن
- زلزال سياسي في تركيا: بين اهتزاز شرعية أردوغان وصعود المعارض ...


المزيد.....




- شويغو يرأس مؤتمرا دوليا عن أمن الاتصالات والمعلومات في موسكو ...
- روبيو بعد اتصاله مع لافروف: روسيا تحضر قائمة شروطها لوقف إطل ...
- وسائل إعلام إيرانية تنشر فيديو جديدا للحظة العثور على مروحية ...
- السعودية.. شرطة مكة تلقي القبض على وافدين مصريين نشرا إعلانا ...
- روبيو: أبلغت الروس بإمكانية فرض العقوبات حال عدم تحقيق أي تق ...
- السفارة الأمريكية لدى ليبيا تنفي وجود خطط لنقل سكان غزة إلى ...
- الجيش الجزائري يقضي على -إرهابيين- اثنين ويصادر أسلحة وذخيرة ...
- ميلوني: لا تنتظروا مني نصيحة بشأن ترامب فلست طبيبة نفسية
- وسائل إعلام: مصرع ما لا يقل عن 25 شخصا جراء الأعاصير في الول ...
- سوريا.. تداول فيديو للرئيس أحمد الشرع يتجول بسيارته في شوارع ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - تهرم سكاني في تونس وانفجار ديمغرافي إفريقي: قراءة استراتيجية في أفق 2035