أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - قيس سعيّد وسياسة اللّيل














المزيد.....

قيس سعيّد وسياسة اللّيل


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 20:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بيروقراطية الدولة في تونس، كما في جميع الدول التابعة للمراكز الرأسمالية الكبرى، تمّ فيها القضاء على الطبقة البرجوازية الوطنية المنتجة المستقلة، واستُبدلت بنظام اقتصادية سياسي في خدمة الرأسمال الأجنبي أساسا.

هذا النظام يقوم على تحالف أقلية متحكمة في الثروة والقرار، ويتكوّن من أربع فئات رئيسية:

1. الكومبرادور: كبار التجار وأصحاب الشركات المندمجة مع رؤوس الأموال الأجنبية، أو المرتبطة بها ربحيِّا، أو الممثّلة لها. هؤلاء يسيطرون على التجارة الخارجية وعلى القطاعات الحيوية داخل البلد. ويتحكمون في السوق، ويضمنون تدفق الأرباح نحو الخارج. ولهم دور أساسي في تعيين كبار موظفي الدولة، وتمويل الأحزاب، وتوجيه الإعلام ...

2. بيروقراطية الدولة: كبار موظفي الدولة الذين يتولون تنفيذ القوانين والسياسات لصالح هذا التحالف. فهم من يصوغون القوانين على المقاس، ويوفّرون الامتيازات للمستثمر الأجنبي، ويحاصرون كل مشروع إنتاجي وطني لا يخدم مصلحة التحالف.

3. البرجوازية الطفيلية: فئة تستفيد من الصفقات المشبوهة، والسمسرة، والمضاربة، والتهريب، دون أن تنتج شيئًا، ولا تشارك في التنمية، ولا تهتم بالاقتصاد المنتج، ولا تُشغّل عمّالا، ولا تدفع ضرائب... ولذلك هي طفيلية، وفي بعض الأدبيات الماركسية تُسمى "برجوازية رثّة" لأنها لا تحمل أي صفة من صفات البورجوازية.

4. وهنالك النخب الرديفة والمروّجة: بيروقراطية نقابية فاسدة تستفيد من عوائد الصفقات وعمليات التحيل على العمال. إعلاميين و أكاديميين، وخبراء مموّلين، مهمتهم تبرير السياسات الاقتصادية للنظام ، الدفاع عن شروط صندوق النقد، وتسويق الأوهام الاقتصادية للناس، ومحاربة كل فكرة تدعو إلى الاستقلال الاقتصادي والسيادة الوطنية.

إذن بيروقراطية الدولة ليست مجرد جهاز إداري محايد، لكي يستجيب بسهولة لنداءات الإصلاح ومحاربة الفقر وبقية الشعارات التي يطلقها رئيس الدولة، بل هي ركن مركزي في منظومة تحالف طبقي متجذر منذ عقود طويلة. فما يعطّل قيس سعيّد ليس المعارضة الضعيفة المعزولة شعبيًا، ولا الإعلام ولا الدول الغربية، بل الجهاز البيروقراطي نفسه، باعتباره فاعل طبقي بذاته. بل لعله في السنوات الأربع الأخيرة أصبح هو العمود الفقري لجميع التحالفات والمنظم الاوحد لشبكات المصالح القديمة والجديدة. ففي ظل غياب حزب حاكم يرسم السياسات ويُعطي الأوامر، أصبح الجهاز البيروقراطي هو الآمر والنّاهي دون رقيب ولا حسيب. ولقد تغوّل حدود الانتقام من بعض حلفائه الذين تحالفوا مع الجهاز السري وسمحوا له بالرّقص فوق أعصاب الدولة. وهذا ما يفسّر الأحكام الثقيلة الصادرة بحقّ أكبر الشخصيات المحسوبة على النظام والتي شاركت في ترتيب الحكم منذ عقود طويلة.

أمام هذه الهيمنة المطلقة لبيروقراطية الدولة، لم يبق أمام رأس السلطة سوى الهروب إلى زمنٍ خارج زمن الإدارة. بمعنى أن تحركات الرئيس ليلًا ليست مجرد سلوك فردي، بل موقف اضطراري يعكس فقدان السيطرة على جهاز الدولة في توقيته الرسمي، حيث يتولّى كبار الموظفين تعطيل تنفيذ أي قرار لا يخدم مصالح النظام.

وظيفة الليل

النهار هو زمن تنفيذ قرارات اللوبيات التجارية بالتنسيق مع المؤسسات المالية الدولية، وممثّلي المصالح الرأسمالية الشريكة.
أما في الليل، حيث تخفّ قبضة هذا التحالف على القرار، تتوهّم رئاسة الجمهورية أنها تستعيد حريتها الرمزية، بعد أن قرّرت عزل نفسها بالكامل، إذ حُرمت من أي غطاء سياسي ولا حزام يساعدها على فرض إرادتها.

صحيح أن الرئيس يقاوم. ولكنه يقاوم بلا أسلحة ولا قوة ولا حلفاء. بل لكأنه يُنسّق معاركه مع جنرالات الجيش الذي يتوعّده بالحرب.

لذلك اختار الليل كزمن القرارات العاجلة والمفاجئة التي لا تتبعها إجراءات في الواقع. وزمن الرمزية السلطوية المباغتة لبيروقراطية لا يمكنه إقالتها ولا إخضاعها، فينهال عليها سبًّا وشتمًا في صيغة ( موجهة لمجهول)

وسيظل هذا التمرّد الزمني بلا صدى. لأن الإشكال ليس في مواعيد إصدار القرارات، بل في طبيعة البنية المسيطرة على القرار والتنفيذ.
فالسلطة التي تحكم خارج النهار، إنما تحكم خارج جهاز الدولة نفسه، وتبقى سلطة معزولة بلا أدوات، بلا تنظيم جماهيري، بلا تحالف اجتماعي قادر على فرض مسار وطني جديد.

خلاصة المشهدية العجيبة التي نتابعها: صراع بين منظومة متجذّرة ممسوكة بآيادي من حديد مسنودة بقوة المال، تقودها بيروقراطية متمرّسة ومحترفة تعرف كيف تدافع عن مصالحها. ومتى تشعل الفتائل. ومتى تطفئها. وتتقن تشغيل المعارضة بيد، وتشغيل السلطة التنفيذية باليد الأخرى. وتعرف كيف تدير جميع معاركها على قاعدة: "مطري حيث شئت فإن خراجك لي".
في المقابل هنالك رئيس اختار أن يكون بين الآيادي الحديدية، يعلم أين تكمن القوى المعرقلة، لكنه لا يملك أدوات كسرها.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولة السبعين عامًا: بيروقراطية المصالح وصراع الطبقات في تونس ...
- مفهوم -الكتلة التاريخية- بين أنطونيو غرامشي والتلقي العربي: ...
- في جوهر سؤال محمد لخضر الزغلامي: نحو نظرية عملية لتنظيم الطب ...
- أوروبا المتأرجحة بين العجز والمراوغة، ما الذي غيّر موقفها من ...
- النهضة أسقطتها جرائمها
- حركة النهضة في أيامها الأخيرة
- التحليل السياسي والفكري يجب أن يتمّ بعيدًا عن العواطف والموا ...
- صوت يأتي من بعيد
- الإمبريالية وتمويل المجتمع المدني في دول الجنوب العالمي
- بين الثورة والإصلاح
- حول القاضي والمُتّهم
- تهرم سكاني في تونس وانفجار ديمغرافي إفريقي: قراءة استراتيجية ...
- جذور المركزية الأروبية ومآلاتها البربرية
- العوامل التي تمنع إقدام الغرب على تنظيم سيناريو الإطاحة بقيس ...
- لماذا تعود الشعوب والأمم لقراءة تراثها وتفتيشه وبحثه وتمحيصه ...
- حوار مع صديق لا يستقرّ على رأي
- في منزلق سؤال الوزير السابق، السيد عبد اللطيف المكي عن -احتر ...
- دواعي تسريب المكالمة الهاتفية بين عبد الناصر ومعمر القذافي ف ...
- شعبي الذي خذله اللّصوص
- النفاق السياسي والانتهازية كأسباب لأزمة الثقة السياسية في تو ...


المزيد.....




- صنعاء: تظاهرة بعشرات الآلاف وهتافات ضد إسرائيل وأمريكا
- مسؤول إسرائيلي يؤكد إحراز تقدم في مفاوضات الدوحة ويتهم حماس ...
- لماذذا تهدد روسيا بحظر تطبيق واتساب؟
- قطر تسهل إعادة 81 أفغانيا من ألمانيا إلى بلادهم
- 41 شهيدا بغزة والاحتلال يواصل استهداف المجوّعين
- كيف اعترضت الدفاعات الجوية القطرية الهجوم الصاروخي الإيراني ...
- -لستُ عاملة نظافة عندكِ-.. مواجهة حادة بين وزيرة فرنسية من أ ...
- أمنستي تدعو أيرلندا لإقرار قانون الأراضي المحتلة ضد إسرائيل ...
- الحوثيون يهاجمون مطار بن غوريون بصاروخ باليستي
- ما المداخل الممكنة لإعادة الأمن والاستقرار في السويداء؟


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - قيس سعيّد وسياسة اللّيل