عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)
الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 15:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أمس عرضت عدد من المؤشرات على أن قرار الحرب آتُّخِذ، والهجوم الأمريكي صار وشيكا، لم أكن أعرف أنه وشيك إلى هذا الحدّ.
أهم ما يمكن تسجيله هو:
أولا، المفاعل النووي يتكون من ثلاثة عناصر رئيسة : علماء ، يورانيوم مخصّب، أجهزة طرد مركزي. وهذه جميعها، حسب بيان الحرس الثوري، سُحبت من المواقع التي استهدفها الأمريكي، مايعني أن ترامب ضرب هياكل فارغة.
ثمّ لا يوجد تسرب إشعاعي، ولا يوجد خطر ذرّى، ولا توجد تأثيرات حسّية مادية تدل على انفجارات للمفاعلات النووية الايرانية، مما يرجح أن الضربة لم تصل للمشروع النووي الإيراني ولا أجهزة التخصيب ولا اليورانيوم المخصب، مما يدل على صعوبة تدمير البرنامج..
ثانيا، البرنامج النووي الإيراني والمشروع الصاروخي، والبنية العسكرية التحتية لإيران، ليست كلها فوق السطح، ولا في عمق بسيط، فمعظمها تحت الجبال..
ثالثا، وكالة الطاقة الدولية منحت إيران تقرير منذ عام 2019م ولغاية فيفري 2025، تعلن في جميعها سلمية البرنامج النووي الإيراني، والتزامها بكافة قواعد الوكالة المنظمة للبرامج النووية
رابعا، الصهاينة وإدارة ترمب وأدواتهم الاقليميين والدوليين يدركون تمام الإدارك بأن خطورة إيران في برنامجها الصاروخي وليس في برنامجها النووي "السلمي"، غير أن حكاية النووي ذريعة لتبرير عملية إضعاف النظام وإنهاء دوره الإقليمي.
خامسا، الصهاينة غايتهم إسقاط النظام وتغيير نموذج الحكم بالكامل، لأن النظام الحالي له رؤية للمنطقة تتناسب مع مكانة إيران، ولها مقدرات تُمكّنها من خلق أحزمة نارية حول المشروع الصهيوني تمنعه من التوسع.
أما الغرب والأمريكان تحديدا فالحرب على إيران بالنسبة لهم هي حرب طاقة وسيطرة على الطاقة البديلة، بما يجعل الولايات المتحدة المصدر الوحيد للطاقة في العالم بعد مرحلة النفط.
وهم يعلمون أن النظام الإيراني يشكل تهديدا أمنيا لإسرائيل، ولكنه لا يمثل تهديدا وجوديا كما يدّعي نتنياهو.
سادسا، القضية ليست قضية نووي، بدليل أن الباكستان دولة إسلامية وتمتلك النّووي، ومع ذلك هي حليف استراتيجي للولايات المتحدة. إنما القضية كون الغرب الإمبريالي لا يتحمل دولة عندها مقدرات وتقف مع الشعب الفلسطيني وتدعم كفاحه ضد الاحتلال الصهيوني، وخاصة إذا كانت هذه الدولة مسلمة وعندها رواية تحتكر من خلالها تمثيل جزءّ من المسلمين حول العالم. وبالتالي تنافس الحليف الأول للغرب في المنطقة على رمزية تمثيل الإسلام المقاوم في مواجهة الإسلام الوظيفي. وإذن فالمشكل في نموذج الإسلام الوطني المتمرّد، من جهة ما يتضمّنه من مصدر مُولّد لمقاومة المشروع الصهيوني، ومن جهة ما يمثله من ضغط أخلاقي على العائلة المالكة في العربية السعودية.
سابعا، الولايات المتحدة كانت تضرب اليمن طوال عام ونصف من قاعدة "دييجو جارسيا" ومن قاذفات ثقيلة، B2 الشبحية، و B52 وبقنابل ثقيلة جدا خارقة للتحصينات العميقة..
السؤال : ماذا حققوا؟
لا شئ
ونفس الديموغرافيا اليمنية في حماية المواقع العسكرية تم استنساخها من إيران، وهي نفسها التي تم تطبيقها في غزة، ونجحت في بناء أعمق وأعقد شبكة أنفاق بالعالم وهي أنفاق غزة، التي فشل الإسرائيليون وحلف الناتو بالكامل في الوصول إليها بعد قرابة عامين من الحرب الشاملة..
هذا يعني أن الضربة العسكرية الأمريكية لإيران على الأرجح لن تحقق شيئا، ولكنها ستفتح باب التفاوض السياسي. ولعل التصعيد الإيراني هذا الصباح يندرج ضمن تقوية موقفها السياسي. وأرجّح أن لا تستهدف القواعد الأمريكية، حتى لا تذهب الأمور إلى أبعد ممّا يجب.
الأمريكان أنفسهم لا مصلحة لهم في حرب شاملة على المصالح والقواعد الأمريكية في المنطقة، ستؤدي حكما لإحياء قوى كانت كامنة في الأشهر الماضية بلبنان والعراق، وقد تسقط جميع ضوابط الاشتباك فينفتح الباب أمام الحوثيين لضرب شركات وقواعد أمريكية ومنشآت مصرفية وتجارية في الخليج.
ختاما، الحرب لا زالت في بداياتها. وتوقع المآلات يبقى مرتبطا بحسن قراءة المعطيات المتوفرة. وهذا يحتاج كثيرا من القراءة، ولا ينفع الجلوس في مدرجات الولايات المتحدة وإسرائيل، وإعلان تدمير البرنامج النّووي الإيراني تدميرا كاملا، وكل شيء على ما يُرام، وانتصرنا، وسقط نظام الملالي.
ولا ينفع أيضا الاكتفاء بالجلوس في مدرجات إيران ومحور المقاومة، والقول بأن المفاجآت مازالت لم تأت بعد، وأن الصهاينة يغادرون والكيان يتفكك.
الأفضل أن نكون متابعين جدّيين للمشهد فلا نتبنى أي من تلك الرؤيتين. إنما سوف تظهر لنا عديد المعطيات:
* الولايات المتحدة دخلت الحرب رسميا، وبالتالي صارت مواقعها ومصالحها أهدافا منذ هذه الساعة، فهل تتحمل الولايات المتحدة حربًا شاملة في هذا التوقيت؟
الجواب: لا. ولن تكون هنالك ضربة أمريكية أخرى.
* هل سيرد الإيرانيون على القواعد الامريكية مثلما وعدوا، ويُعرضون بلادهم للتدمير؟
الجواب لا. لن يكون هناك ردّ على القواعد الامريكية، وإن حدث فسيكون شكليا وغير عدائي. وعلينا انتظار استئناف المفاوضات.
وهل ستتمكن إسرائيل من تحمل الصواريخ الايرانية المدمّرة لمدة طويلة؟
الجواب لا أيضا
وفي هذه الحالة، هل ستستلم إيران؟
بالعكس، الإيرانيون سيقومون بعمليّة كيّ قاسية لوعي المجتمع الصهيوني يجعله يدرك الكلفة الثقيلة للتهور واستسهال العدوان العسكري على إيران.
رهانات تحوّلات الداخل الإيراني
إلى جانب الأضرار البالغة التي سيخلفها القصف الصهيوني المستمر على بنك أهداف آخذ في التوسّع على امتداد الجغرافيا الإيرانية، يراهن نتنياهو وترامب على تحريك الشارع الإيراني باستخدام جزء من المعارضة، وبناء على سلسلة الاحتجاجات الاجتماعية التي هزت الشارع ثلاثة مرات كبرى خلال ال 15 سنة الماضية.
لمناقشة مدى جدية هذا الرهان، من المهم الإضاءة عن طبيعة محطات انفجار الاحتجاجات، والإضاءة عن طبيعة المعارضة ووزنها ودرجة تفاهمها على التغيير.
الفترات التي شهدت حتجاجات واسعة النطاق تشير الى تباين واضح لأسباب تحريك الشارع. ففي عام 2009 كان التشكيك في نزاهة الانتخابات هو المحرك، بينما في 2017 كان الوضع الاقتصادي هو المحرك ، وفي 2022 شكلت حقوق المرأة جوهر الحراك الشعبي.
ثم هنالك جوانب أخرى لها أهميتها في فهم دينامكية الشارع الإيراني وهي:
أولًا، منسوب التديّن الطاغي في بنية النظام، والذي يشكّل أحد عوامل قوّته وتماسكه، تقابله أضعف جرعة تديّن، في الشرق الأوسط، في الشارع الإيراني 26%، مقارنة ب35% في تركيا و 41% في مصر.
ثانيا، إذا كان 90% من الإيرانيين على المذهب الشيعي الذي هو رابط التوحيد الأساسي بين السكان، فإن المذهب في إيران هو الإرث الثقافي الجامع وليس الإرث القومي. وإلى جواره هنالك تنوع أقوامي يقسم الشارع إلى فرس 53%، وأذريين24%، وأكراد 6%، وعرب 3%، واللور 2%، والبلوش 2%... وهذا أحد عوامل ضعف المعارضة الإيرانية.
ثالثا، باستثناء التيار الإصلاحي الذي هو جزء من جسد المعارضة ولكنه في تماس مع منظومة الحكم، بقية القوى السياسية ضعيفة ومتصارعة فيما بينها، وبعضها منبوذ جدا بسبب النزعات الانفصالية. فتيار ابن الشاه، وتيار مجاهدي خلق، والأكراد والبلوش، جميعها غير متجانسة، وفي خصومه جذرية مع المعارضة التي تقودها مريم رجوي، والتي، في نفس الوقت، جعلت شعارها "لا شاهنشاهية ولا مرشدية" (أي لا شاه ولا مرشد).
رابعا، هنالك بعد وطني للخلاف الداخلي بين شرائح المعارضة. ففي علاقة بالعدوان الخارجي يبدو أن الجزء الأهم من المعارضة جعل أولوية الدولة والوطن تعلو على أولوية الخلاف مع السلطة القائمة. وبصفة عامة في إيران المعارضة أقل غرائزية من نظيرتها العربية، وهذا يصب في صالح صمود النظام ضد الهجمة الصهيونية.
خامسا، القوى الصلبة في النظام موالية ولاء عقائديا تاما للنظام، ما يجعل إمكانية الانشقاق في القطاع العسكري، أو اختلال التوازن بين الجيش من ناحية والحرس الثوري من ناحية أخرى أمرا يدخل في باب المستحيل.
إجمالا، رهان الحلف الصهيوني- الغربي- العربي على تحول جذري في الداخل الإيراني هو رهان غير واقعي بمعطيات المواجهة الحالية، لكن هذا لا يمنع إمكانيات تطوّر الأحداث لاحقا بما يترك أثرا سلبيا في المشهد، خصوصا إذا سارت الأمور باتّجاه مزيد تشديد العقوبات.. وهذه مسألة لا يمكن القطع بها قبل تكشّف نتائج المواجهة الجارية.
#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)
Boughanmi_Ezdine#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟