أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عزالدين بوغانمي - المقاومة والحواف الأخلاقية لضبط العنف الضروري















المزيد.....

المقاومة والحواف الأخلاقية لضبط العنف الضروري


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 14:01
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


نحن لا نجهل صعوبة المعطيات على الأرض، والوضع الذي تجد المقاومات نفسها فيه من الحصار والإبادة. وكون الثوار الجزائريين، على سبيل المثال، لمّا حوصروا في جبال الأوراس، واضطروا إلى أكل أوراق الأشجار وإجراء عمليات جراحية بلا تبنيج ولا أدوية. وفي أحيان معيّنة اضطرّوا إلى قتل رفاقهم الجرحى بطلب منهم لأنّهم لم يعودوا يتحمّلون الأوجاع الناجمة عن الكسور دون أيّ أمل في العلاج. وكذلك وضع المقاومين في غزة وهم يرون العدو يُبيد شعبهم. وهم في أوضاع حصار وجوع...
فماذا عليهم أن يفعلوا ردا على الخيانة؟

لا شك أن الخيانة فعل مدان أخلاقياً وسياسياً؛ وخاصة في ظروف الحرب، وبدون القضاء على الخونة، تنهار الثقة الداخلية كشرط ضروري لاستمرار المقاومة كمشروع تحرّري.

وبالرغم من كل هذا لا يجوز أن يتحوّل الردّ على الخيانة إلى [باب لإنتاج العنف خارج القانون]، خصوصاً عندما تكون البيئة مدمّرة وحساسة كما هو حال غزة اليوم (حصار، إبادة، فقدان مقومات الحياة)، لأن الشرعية الأخلاقية والسياسية للمقاومة تُبنى أيضاً على احترام قواعد العدالة والإنسانية، وإلّا تحوّلت المقاومة نفسها إلى مصدر عنف عبثي، ما يفقدها الدّعم الشّعبي من جهة، ومن جهة أخرى يمهّد لتبرير الانتقام والقمع باسم الشرعية الثورية. وهذه أمور شهدتها تجارب ثورية عديدة، وأدّت إلى هزيمة الثورة أخلاقيا ومعنويًا في البدء، ثمّ وبالتظافر مع عوامل أخرى انهزمت سياسيا في النهاية.

ظروف الحصار والقتل والضغط المستمرّ والخوف المضني، تضع المقاومة أمام اختلالات خطيرة، وقد تفقد بعض توازنها الأمني. لكن الاعتراف بهذه الضغوط والتّسليم بثقلها، لا يبرّر شرعنة الأعمال الهمجية؛ بل يدفع إلى البحث عن آليات عملية تمنع الانزلاق إلى حالة العنف المُنفلت، لأنّ انفلات العنف الدّاخلي إذا بدأ سيصل حتمًا إلى اقتتال داخلي، وهذا لا يقلّ خطورة عن الخراب الذي خلّفه العدو.

لمّا تنتقل الخيانة من الوشاية والتبليغ عن نقاط قوة المقاومة الخفيّة، من ذلك مخازن السّلاح وفوهات الانفاق، إلى التخريب والقتل والترويع، هنالك حاجة إلى ردّ سريع. ومع ذلك أيّ ردّ في أيّ ظرف ومهما كان الحال لا يجب أن يتعارض مع معايير العدالة.

لذلك الحلّ هو تأسيس آليات سريعة ما أمكن وعادلة وشفافة تُتيح إجراء تحقيق يحفظ الأدلة وآليات حماية الشهود والمشتبه بهم، وذلك لتجنّب الثأر وتصفية الحسابات والاغتيالات خارج القانون، ولتوفير حدّ معقول من المحاكمة العادلة، والإعلان عن العقوبة مع تنفيذ الأحكام بعيدا عن الأنظار، والحرص على توثيق الأدلة ونشر ملخّصات شفافة منعا تُثبتُ الجُرم الذي يستحق العقوبة، وتحمي المقاومة من الشائعات، وتُثبّت الفرق بين العدالة والظلم بوضوح لا لَبسَ فيه. وليس تنفيذ إعدامات فورية في الشارع وسط التكبير وهتافات العوام، الأمر الذي يفتح باب للفوضى، علاوة على أنه يعطي صورة توحّش وهمجية لا تليق بالمقاومين والثوريين.

الثورة ليست قتل وقتال فقط. بل هي بناء في الأصل، وهذا بالضبط ما يوجب تجنّب تدهور الشرعية الداخلية والخارجية. فكل الثورات احتاجت، بعد صمت أصوات البنادق والمدافع، إلى برامج مصالحة مجتمعية، ووحدة وطنية، ووقف لدورة الانتقام، وإعادة بناء الثقة بين الناس. ومن هذا المنطلق يتحتّم على الثورة، منذ البداية، التزام الحدود الأخلاقية حتى في الأوقات الاستثنائية. ولعل السلاح الأول ومصدر الشرعية الأساسي لأي مقاومة وطنية هو جوهرها العادل وبعدها التحرّري الإنساني.

أعتقد أن التفريط في هذه المبادئ والانزلاق في مربّع الحماسة وتمجيد القتل العشوائي يؤدّي حُكمًا إلى فقدان الشرعية الأخلاقية والدعم الشعبي والدولي للمقاومة. ويُحول المجتمع إلى ساحة انتقام دائم. ومن ثمة يستمرّ العنف الداخلي بمُسميات مختلفة.

الضرورة الثورية والضرورة الرمزية

شهد التاريخ الحديث عدّة ثورات كبرى، من الكوبية إلى الجزائرية، مرورًا بالفيتنامية، وجميعها اضطرت في مراحلها الصعبة إلى التعامل بصرامة وعلنية مع الخونة، حمايةً لصفّها الداخلي وصونًا لبقائها. كان على الثورة أن تُظهر للناس مصير من يخون الدم والحرية، لأن التهاون في مثل هذه اللحظات كان يعني الانتحار الذاتي للثورة.

في هذا السياق، وبالمنطق ذاته، تعاملت المقاومة الفلسطينية منذ ثلاثة أيام مع عدد من الخونة الذين تورّطوا في جرائم ضد المقاومة وضد الشعب، تحت إشراف الاحتلال وتخطيطه. تمّ إعدامهم في ساحة عامة أمام الجماهير.

لكن المشهد هذه المرة جاء في مرحلة دقيقة وحساسة؛ فالمقاومة الفلسطينية تحظى اليوم بتعاطف عالمي غير مسبوق، إذ تشهد مدن أوروبا وأمريكا وأستراليا مظاهرات واحتجاجات ضخمة دعماً لفلسطين، وعمّال الموانئ يعتصمون رفضًا لنقل الأسلحة إلى الاحتلال. هذا الزخم الشعبي هو الذي فرض على الحكومات الغربية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقيّد يد الإدارة الأمريكية في حرب الإبادة الجارية.

في هذا المناخ الدولي الإيجابي، بدا مشهد الإعدام مؤلمًا للكثيرين من أصدقاء المقاومة وداعميها، لأن الصورة التي انتشرت تذكّر، للأسف، بفظاعات تنظيم "داعش" في العراق وسوريا. من هنا جاءت الإدانة، لا تجريمًا للمقاومة، بل حرصًا على صورتها النقية التي صاغتها خلال الحرب عبر تعاملها الإنساني مع الأسرى وتحليها بأخلاق المقاتلين الحقيقيين، في مقابل وحشية الجيش الإسرائيلي.

بالأخير، المقاومة وقد واجهت حرب إبادة وصمدت بشجاعة نادرة، تتحمل مسؤولية كل ما يصدر عنها، لأنها صاحبة الأرض والحق والمعركة والدم. ومع ذلك، ليس من المعيب أن يحرص أنصارها على صورتها في زمن تتحكم فيه الصورة في الوجدان العالمي، خصوصًا بعد أن خلّفت مشاهد "داعش" جرحًا عميقًا في الذاكرة الإنسانية.

السؤال الذي ينبغي أن نطرحه بهدوء هو:
كيف يمكن للمقاومة أن توازن بين حماية نفسها من الخيانات، وبين الحفاظ على صورتها النبيلة في عيون شعوب العالم؟ أي صورة المقاوم الحرّ الذي يدافع عن قضيته العادلة، في مواجهة المحتلّ المجرم الذي يقتل ويغتصب ما ليس له فيه حق.

غير أن النقاش الذي أعقب هذا الحدث كشف عن مشكلة أعمق من الحدث نفسه. ففي تونس، كالعادة وعلى قاعدة الاصطفاف الغريزي المُستفحل في البلاد منذ سنوات، انقسم الناس حول المشهد ليس بين مؤيدٍ يرى فيه عملاً مشروعًا لحماية المقاومة، ومعارضٍ يعتبره خطأ إعلاميًا قاتلًا. بل بين فريقين عدوّين لا شيء يجمع بينهما. فمن أيّد فهو "وطني"، ومن انتقد فهو "عدوّ للمقاومة". وهكذا بدا وكأن جزءًا منا مع المقاومة وجزءًا آخر مع إسرائيل. وكأن من أيّد المشهد متوحّش وعدوّ لحقوق الإنسان، ومن انتقده رومانسيّ أو خائن او مندمج في المشروع الصهيوني ولا شيء من هذا ولا من ذاك صحيح على الإطلاق.

الجميع، في النهاية، ناصروا المقاومة ويعتبرون أنفسهم أصحاب قضية عادلة. لكننا بشر، ومن الطبيعي أن نختلف في الزوايا التي نرى منها الأحداث. أمّا تحويل النقاش إلى سُباب وقدح وتخوين، فليس دليلًا على صفاء النية مع المقاومة ولا على عمق الفهم، بل هو علامة عجزٍ مزمن عن استيعابنا لحق الآخر في الاختلاف، وهي أولى القيم التي ناضلت من أجلها كل الثورات التحرّرية.
كلّ ما في الأمر، الموضوع حسّاس وصعب، لانه يحتاج التّوازن بين مبدئين كلاهما يخدم القضية جذريًّا، وتغليب أحدهما عن الآخر قد يكون مُضرّا.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجدل المغلوط حولاتّفاقية التعاون الدفاعي بين توس والجزائر.
- الحرب على إيران والبيئة الاستراتيجية لإسرائيل الكبرى
- في الذكرى الثانية للطّوفان، دفاعًا عن المقاومة
- مقترح ترامب، مناورة جديدة، ومواجهة جديدة بين المقاومة وأعدائ ...
- كيف سقط النظام السوري؟
- حول مسألة -المساجد في المعاهد التونسية-
- حنظلة تونس في شوارع الليل ، حتى لا ننسى !
- تمييز السياقات هو الحدّ الفاصل بين القراءة الموضوعية وسردية ...
- -المؤامرة الغربية لإسقاط نظام قيس سعيّد- بين الوقائع والدّعا ...
- بخصوص مشروع قانون -استعادة الديمقراطية في تونس-.
- مرّة أخرى دفاعا عن التاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل وحزب ...
- الاتحاد العام التونسي للشغل والحزب الحاكم: فروق جوهرية لا يج ...
- الأزمة النقابية في تونس: بين فساد البيروقراطية وتواطؤ الفاعل ...
- مقاومة الاستعمار خيار شعبي، وكل الحكومات معادية لبنادق الثوّ ...
- من التبعية إلى التمويه: أوروبا بين الإخضاع الأميركي والاستثم ...
- النظام السوري وازدواجية الأداء في لبنان وفلسطين
- سوريا الأسد: في توازن السلاح والسياسة، دعم المقاومة كتحجيمها
- العدوان الصهيوني ومشروع إسرائيل الكبرى
- الصهاينة يريدون سوريا مقسمة
- الفتنة الطائفية في سوريا صنيعة الخارج


المزيد.....




- اشتية يترأس وفد -فتح- في مؤتمر الأحزاب الاشتراكية الأوروبية: ...
- 17 أكتوبر؛ ذكري اعدام المتظاهرين الجزائريين في فرنسا
- مسؤول حكومي للجزيرة نت: حرب غزة سحقت الفقراء وخلفت 57 ألف يت ...
- في ذكرى توماس سانكارا، الثوري
- نضالات شغيلة كلوفو GLOVO   للتوصيل: صرخة ضد عبودية المنصات ا ...
- شغيلة الحراسة والنظافة والطبخ في إضراب وطني يوم 20أكتوبر 202 ...
- رسالة الأممية الرابعة إلى اجتماع مبادرة الدولة الديمقراطية ا ...
- ?اگ?ياندن: س?بار?ت ب? خ?ه??و?شاندن?و?ي ??کخراوي (ي?ک?تي ک?م? ...
- Cooperative Media: Building Democratic Voices in a Contracti ...
- NATO’s Nuclear Threats on Parade


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عزالدين بوغانمي - المقاومة والحواف الأخلاقية لضبط العنف الضروري