أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - مرّة أخرى دفاعا عن التاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل وحزب الدستور: ترابط وتكامل، وفوارق جوهرية لا يجوز إغفالها.















المزيد.....

مرّة أخرى دفاعا عن التاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل وحزب الدستور: ترابط وتكامل، وفوارق جوهرية لا يجوز إغفالها.


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 15:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الناحية النظرية، يقتضي التمييز بين الحزب الحاكم وبين الاتحاد العام التونسي للشغل إدراك اختلاف طبيعة المنظمتين، واختلاف دور كلّ منهما في الدولة والمجتمع.
فالحزب الحاكم هو الذراع السياسية المباشرة للسلطة التنفيذية، يمسك بمقاليد الدولة ويُدير مؤسساتها عبر برامج وسياسات يتحمّل مسؤوليتها كاملة أمام الشعب.
أما الاتحاد، الذي لم يكن معنيا بالحكم أصلا، فقد وُلِد كردّ فعل على القهر الطبقي والعنصري الذي مارسته السلطات الاستعمارية ضد الشعب التونسي في المناجم والموانئ والمصانع والحقول والإدارة. لذلك كان دحر الاستعمار وبناء دولة وطنية عادلة هدف الاتحاد ومبرّر وجوده. وبهذا المعنى كان من الطبيعي أن يلعب دورا وطنيا أكبر من دور النقابة. ولعل هذا ما يفسر كل المواجهات التي انفجرت بين الجندرمة والاتحاد منذ أوت سبعة وأربعين، حيث قُتِل عدد من النقابيين، وأُصيب آخرون -من بينهم الزعيم الحبيب عاشور الذي أُصيب وظل بالمستشفى حتى أُخرج منه إلى السجن، ثم المنفى والإقامة الجبرية-، وما تلاها من معارك قادتها المقاومة المدنية والحركة الإضرابية، ردّا على مذكّرة شومان وزير خارجية فرنسا في ذلك الوقت، والتي أوقفت المسار التفاوضي بتاريخ 15 ديسمبر 1951

تطوّر الصراع ليصل ذروته بإعلان المنظمة الخاصة الكفاح المسلح في 18 جانفي 1952 ، واعتقال الزعيم أحمد التليلي بداية شهر فيفري باعتباره المسؤول الأول عن المنظمة الخاصة تسليحًا وتدريبًا وتوجيهًا، وبالتالي عن جميع عمليات القتل في صفوف الفرنسيبن.. ثم استمرت المواجهات، فآغتيل الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل الشهيد الخالد فرحات حشاد في بداية ديسمبر من نفس السنة. وستتواصل المقاومة إلى غاية جويلية 1954 واستئناف المفاوضات بين الحركة الوطنية والمستعمر الفرنسي..

بعد كل هذه التضحيات التي تعكس التّوق للاستقلال وبناء دولة وطنية، كان من الطبيعي أن يكون الاتحاد حارسًا للدولة شريكا في بنائها وفي حمايتها. وبالنتيجة كان طبيعيا أن يشكل مُعادلا مدنيا لسلطة الإدارة والأعراف، يقف في وجهها ويمنعها من التغوّل على المجتمع وعلى الدولة نفسها، مستخدما في ذلك ثقله الجماهيري وشرعيته الاجتماعية والكفاحية.

بمعنى أن التوانسة ينخرطون في الاتحاد لأنه ضامن لمكاسبهم الاجتماعية والاقتصادية، أي أن مصالحهم المادية اليومية مرتبطة بوجوده واستمراره. لذلك كان التجمعيون منخرطون في الاتحاد أيضا وأغلبيتهم الساحقة كانت مع المنظمة في إضراباتها ونضالاتها. فالاتحاد لم يكن خصما للحزب الحاكم من جهة كونه ليس حزبًا سياسيًا يطرح برامج وينافسه على الحكم، بل هو شبكة اجتماعية تُمثّل صوت الشغيلة، وتقوم بدور أساسي في استقرار الدولة وتوازنها دون أن تنخرط في الحكم مباشرة أو تتحمّل مسؤولية السياسات وانعكاساتها على معيشة الناس.

لماذا لا تجوز المقارنة بين الاتحاد وبين الحزب الدستوري/التجمع؟

1. الحزب الحاكم استولى على الدولة نفسها: الرئيس منه، الحكومة منه، المسؤولون الجهويون والمحليون منه، وهو الذي صاغ السياسات النيوليبرالية وأدار منظومة الاستبداد التي انتهت بثورة شعبية. فكان سقوطه نتيجة طبيعية لمسؤوليته المباشرة عن الأزمة

2. الاتحاد، في المقابل، ظلّ قوة اجتماعية قائمة على التوازن: قيادته كانت في أحيان كثيرة متحالفة مع السلطة، لكن قواعده النقابية المنتشرة في كل القطاعات والجهات كانت في خصومة دائمة مع السياسات الاقتصادية الجائرة. لذا لم يطالب الشعب بحلّه، بل رأى فيه سندًا وحاضنة.

3. لحظة الثورة كشفت جوهر هذا الاختلاف: حين انهار الحزب الحاكم وسقط النظام، لعب الاتحاد دور الحاضن للثوار وللدولة في آن واحد، وأسهم في ضمان الاستقرار في لحظة فراغ سياسي وأمني غير مسبوقة.

بالنتيجة فإن الاتحاد لم يكن أكثر انغراسا في الدولة والمجتمع من الحزب الحاكم، لكن انغراسه لم يكن على شكل استحواذ سياسي كما فعل الحزب الحاكم، بل على شكل شبكة اجتماعية واسعة من عمال الحضائر إلى الجامعيين تقاوم ذلك الاستحواذ على نحو ما. ولذلك فإن القول بإمكانية زوال الاتحاد كما زال حزب التجمع هو خطأ في التحليل ناجم عن تجاهل للفارق الكبير بين دور الحكم ومسؤولياته، وبين دور التوازن وضمانة الاستقرار وحماية المكاسب الاجتماعية والاقتصادية دون التورط في الحكم.

الاتحاد العام التونسي للشغل بين التاريخ والاتهامات

اليوم ليس من العسير اتّهام الاتحاد العام التونسي للشغل بكونه "سبب الخراب"، خاصّة وأن الاتحاد منظمة مدنية لا تملك أيّ وسيلة للدّفاع عن نفسها سوى الالتجاء للمحاكم. ولكن من الصعب تجاهل حقيقة أن استمرار الاتحاد في لعب دور اجتماعي ووطني فاعل منذ ما قبل الاستقلال إلى اليوم لم يكن نتيجة فساد قياداته، بل ثمرة ثقله الشعبي وتجذّره في الوعي الجماعي. فلو كان الاتحاد مجرّد جهاز بيروقراطي متعفّن، لكان اندثر كما اندثرت عشرات الهيئات من قبله، لكنه بقي لأنه يمثّل سندًا تاريخيًا واجتماعيًا للمجتمع التونسي.

من موقع وطني ونقابي، لا يمكننا الوقوف في صف قيادة انحرفت بالاتحاد وأدخلته في ممرّ ضيّق خدمة لتنظيم متطرّف مورّط في قتل توانسة أبرياء. ولكن بنفس الوقت علينا أن نكون ضد كل المحاولات الملتوية والخبيثة لتصفية هذه المنظمة العمالية العظيمه.

طبعا الغوغاء المحتشدة في كلا الفريقين، والمُتأهّبة للهجوم دفاعًا عن الزّريبة، تجد صعوبة كبيرة في فهم أيّ موقف يقوم على النّزاهة الأخلاقية لأنّ الغوغاء كائنات تمّ تدريبها خارج مقاييس"النّزاهة". ومن هذا الباب نحن مُستمرّون في الدفاع عن أفكارنا ضد الفاسدين وأصحاب النفوذ الحقيقيين دون الاهتمام بما تنطق به الحشود.

في هذا الإطار يُزوّد خصوم الاتّحا العام التونسي للشغل كائناتها ب"تعمّد الخلط بين المنظمة وبين القيادة الحالية" موضع الجدل. وكأنّ الاتحاد مُختزل حصرا في انحرافاته وارتباكاته، ولكأنّ أزمة البلاد والاتحاد شيء واحد.
طبعا الجميع يدرك أن الإصلاح صار ضرورة ملحّة، لكن تحويل هذه الأزمة الداخلية إلى ذريعة لمعاداة الاتحاد نفسه يكشف عن تخابث ليس المقصود به نقاش حول القيادة، بل عداء دفين للاتحاد.

لقد عرف الاتحاد محطات متناقضة في تاريخه، لكنّه ظل في اللحظات المفصلية ركيزة لاستقرار الدولة وحماية المجتمع من الانهيار. لذلك يبقى السؤال موجّهًا إلى من يطالبون (خِفية) بالتخلّص منه: ماذا تريدون بالضبط؟
هل أنتم مع إصلاح الاتحاد وتنقيته من مظاهر الفساد والهوان، مثلما نطالب جميعًا بإصلاح الدولة والأحزاب والمنظمات التي مسّها زلزال 2011؟
أم أنكم تسعون إلى إلغاء الاتحاد برمّته لتمهيد الطريق أمام لوبيات الفساد المالي والإداري التي لا تريد مُعادلًا مدنيًا يوقفها عند حدودها ويمنعها من الطّغيان؟

هنا يكمن جوهر المسألة: إمّا أن تكونوا مع الإصلاح شاملاً وعادلاً في الاتحاد وفي الإدارة وفي مؤسسات الدولة، وحينئذ سيكون التمييز واضحا ولا غُبار عليه بين المكتب التنفيذي الحالي من جهة وبين المنظنة الشغيلة، وإمّا أن تكون النيّة تتجه للتخلص من الاتحاد وسيسقط هذا الخيار.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاتحاد العام التونسي للشغل والحزب الحاكم: فروق جوهرية لا يج ...
- الأزمة النقابية في تونس: بين فساد البيروقراطية وتواطؤ الفاعل ...
- مقاومة الاستعمار خيار شعبي، وكل الحكومات معادية لبنادق الثوّ ...
- من التبعية إلى التمويه: أوروبا بين الإخضاع الأميركي والاستثم ...
- النظام السوري وازدواجية الأداء في لبنان وفلسطين
- سوريا الأسد: في توازن السلاح والسياسة، دعم المقاومة كتحجيمها
- العدوان الصهيوني ومشروع إسرائيل الكبرى
- الصهاينة يريدون سوريا مقسمة
- الفتنة الطائفية في سوريا صنيعة الخارج
- صعوبة التّمييز يخلق فوضى النقاش حول المُستهدف من التغيير: ال ...
- صفقة ترامب/نتنياهو: هدنة في غزة مقابل -شرق أوسط-إسرائيلي
- غزة على أعتاب تهدئة... وفلسطين في مهبّ صفقة كبرى
- مجتمع ملفّق وعنصري
- المطالبة بفرض العقوبات على النظام ووقف المساعدات
- المواجهة التاريخية بين مشروعين
- الرد الإيراني على العدوان الأميركي
- إيران، من دولة محاصرة إلى نظام مخترق
- المواجهة الغربية الإيرانية: رهانات تغيير نموذج الحكم، وعوامل ...
- اسرائيل تعتدي على إيران بالوكالة
- مسار الصراع بين مشروعين


المزيد.....




- مسؤول عراقي يعلن عن موعد انتهاء مهام التحالف الدولي في بلاده ...
- تداول فيديو بزعم -نقل مروحيات أمريكية عناصر داعش بالعراق-.. ...
- العاهل الأردني في أبو ظبي.. تأكيد على رفض الاستيطان الإسرائي ...
- استئناف عمليات مطار رامون الإسرائيلي بعد إصابته بمسيرة أطلقت ...
- ما هي حركة -10 سبتمبر- التي تدعو للاحتجاج في فرنسا وهل تنجح ...
- هل يحرم الذكاء الاصطناعي أبناءك من تطوير مهاراتهم؟ هكذا نتعا ...
- خبير عسكري: هدفان لإسرائيل من تدمير أبراج غزة وعماراتها السك ...
- الموصل تنهض من جديد.. شاهد كيف أُعيد بناء معالمها بعدما دمره ...
- غموض حول الحالة الصحية للفنّانة الكويتية حياة الفهد
- جدل حول إعلان إلغاء صفقة الغاز الإسرائيلي مع مصر.. وخبراء: ا ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - مرّة أخرى دفاعا عن التاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل وحزب الدستور: ترابط وتكامل، وفوارق جوهرية لا يجوز إغفالها.