أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة دزني .















المزيد.....

مقامة دزني .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 15:38
المحور: الادب والفن
    


مقامة دزني :

(( دزني , وافهم مرامي )) , تتوامض هذه ألأغنية أو (( البستة )) بذاكرتي وصدري منذ سمعتها اول ايام الشباب , ضاربة في الروح إحساسا ودهشة , وأعتبرها من مثابات القلب , بل هي بيرق الأشواق في ميدان القلب , لها عدا ما فيها من حساسيات طربية وتعبيرية ذكريا جانبية حبيبة , ومثلما يقول ابراهيم البهرزي : (( ليس نعمة كبيرة ان تواسي نفسك بالغناء في ساعات الفراق المقبضة , فالأمر يشبه استلال سهم من الضلوع , وجع الاستلال اشد من وجع الإصابة , وعليك ان تحتمل الألم )) , و (( كل الايام مريرة نخادعُ اللسان لاجل الكلمة الحلوة التي لابد منها لاحتمال الايام )) , وأنا يعجبني الغناء خصوصا مايطرب منه , تلك صفة رافقتني منذ أيام الصبا , ومع تقدم العمر وتطور الفهم بدأت أحس ان روحي تتفاعل معه بفرح يصل لدرجة البكاء .

الأغنية هي ما يُترنم به من كلام موزون وغيره , و الغناء هو إصدار صوت فن يدمج بين الكلمات والألحان , سواء كان مصحوبًا بالموسيقى أو بدونه, هو شكل من أشكال التعبير الطبيعي الموجود في جميع الثقافات , ويعتمد تقنياً على استخدام الرئتين والحنجرة والأحبال الصوتية وتجاويف الرأس والصدر , والغناء حشيشتُنَا الْمُنْتقاةُ , رسائلنا الى مستوطني القلوب , سيّارةُ إسْعافٍ تُنْقذُنَا منَ السّكْتةِ الدّماغيّةِ وحسرة المستحيل , عصير القلوْبٍ التي تحبُّ الْحياةَ , الا ولّيْتُ وجْهِي صوْبَ الغناء لِأموتَ شعْراً , فلْنحب الغناء مَااسْتطعْنا, ونحن نعرف ان المغنون يتْبعُهُمُ الْغاوونَ , والمغنيات هنَّ الْغوايةُ.

تقول كلمات الأغنية ألأصلية التي ألفها الملا عثمان الموصلي وهو شيخ وقارئ وشاعر وباحث موسيقى من العراق : (( دزني وأعرف مرامي صادوني صيد الحمام , خوفي من أهلي وأعمامي يذبحونك وما يهون عليا , يا حلو إسمع كلامي يذبحونك وما يهون عليا ,يذبحونك وأنا إيش بإيديا , دزني وبوسط القمرة يا حلو عذبت السمرة , يذبحونك وما يهون عليا )) , وكلمة (دز) هي من بقايا اللغة الآشورية وهي كلمة منتشرة في العراق وبلاد الشام وتعني (البعث والأرسال) يقولون (دز له مكتوب) أي بعث له برسالة , , أذا هذه الفتاة الموصلية تأمر حبيبها أن يأتي إلى (مكانها) في خفية من الأمر ومتسللا كما يفعل الحرامي ليسرقها وعليه أن يحذر من سطو اعمامها وذكر شاعرنا الموصلي (الأعمام) لأن كل واحد من أعمام الفتاة يريد فتيات أخوانه لأحد أبنائه لأنه وكما جرت العادة في العراق وخصوصا في الموصل حيث جذور شاعرنا (البنت لولد عمها يحوّلها من على ظهر الفرس) أي له حق الأعتراض الكامل على زواج أبنة عمة من الغير بدون رضاه وموافقته حتى ولو كانت أبنة عمه على (فرس الزواج ) .

كاتبها محترف بومض الكلمة وعمق الرمز وانسيابية الكلمة في العبارة في النص في الزمن النغمي كليا الكلمات سهلة ومعروفة رغم محليتها دون شرح النص أي كلمة تسأل عنها تعرف تلقائيا معناها المعجمي والسياقي , يقول د. قاسم حسين صالح : (( اذا اردت ان تعرف الحب عند شعب معين , عليك بأغانيه , فهي اصدق وسيلة توصلك الى الحقيقة , ذلك لأن الاغنية تعبير عن مشاعر الانسان نحو نفسه والآخر.وهي ادراك لحالة وانفعال بها وتجسيد لها. وقد يكون هذا الادراك موضوعيا سليما يمنح البهجة ويفلّ عن الانسان شرنقته فيطلقه ممتلئا بالنشوة والقوة في فضاء لا حدود له , وقد يكون ذاتيا ملتويا يزوي صاحبه في مكان محصور فيغدو له الكون الفسيح أضيق من عنق الزجاجة , والأغنية من اكثر المواد الاعلامية شيوعا وتأثيرا , وربما كانت اكثر المؤشرات التي يعتمدها الباحثون في تحليلهم الحياة النفسية والاجتماعية للشعوب )) .

صدق من قال بأن الموسيقى رافدينية , فالموسيقى العراقية , مسندة بأرقى الأشعار الوجدانية , المكتنزة بهواجس وهموم شعرائها , وليس من السهل خوض غمار سوسيولوجية رحلة النغم العراقي القديم والحديث , والتي تتميز بالنهج التقليدي العفوي المحافظ للموسيقى , وخصوصا أغانينا العراقية القديمة , التي تعبر عن واقعنا , وكم كان الامر بحاجة الى حميمية هامسة منفردة تقطع كل وحشة الزمان , حميمية عزّت على الواحد منا في زمن الانكشاف اللزومي , فعاد لكل همسةٍ صدى ولكل آهةٍ كومبارس ولكل نجوى مكبر صوت , وفي تأريخ الطبري قرأت ان الغناء انتشر في بغداد زمن رخاء الدولة العباسية وكانت حفلات الغناء تنتشر في قصور الخليفة ووزراءه وأعوانه وكبار التجار والأغنياء , كما تقدمت صناعة الغناء آنئذ , ويروي آثار الطرب على الحضور بأنهم كانوا يهزون رؤوسهم متفاعلين مع المغني فترى عمائمهم تكاد تلامس سقف المنزل طربا لتهوي بعدها لتطأ الأرض.

وقرأت ان الفقيه الحنبلي والمحدِّث المشهور -في عصره- والمشهود له بالعلم والاستقامة (ابْنُ كُرٍّ) لا يطرب ويستأنس بالعزف والغناء فحسب , بل إنه يوصل هذا الإحساس الدقيق إلى دابته فترقص مع الإيقاع , وهذا سلوك في غاية الاحتراف والرهافة , هذا ماقاله الإمام الحافظ ابن حَجَر العسقلاني (ت 852هـ/1448م) في الدُّرَر الكامنة في أعيان المئة الثامنة : (( مَرّ (الحنبلي المتوفى 763هـ/1362م) على قوم يغنّون فحرّك بغلتَه حَتَّى مشتْ على إيقاعهم , وَهَذَا أعجب مَا يُحْكَى )) ومن الواضح أن ابن كُرٍّ لم يكن مجرد شخص يقظ للنغم المطرب كما تكشفه هذه القصة ونظائرها , وإنما هو أيضا متبحر في أسرار الموسيقى ودقائق صنعتها , فهو مؤلِّف موسيقي من طراز رفيع وناقد لأعمال سابقيه من نوابغ الموسيقيين , وكذلك هو ناشر لثقافته الموسيقية بين طلابه بعد أن تلقاها عن فقيه حنبلي آخر , وقد أعجبني غرائب ما جاء فيها الإشارة إلى كتاب لأبي الفتوح الغزالي (ت 520هـ/1126م) بعنوان : (( بوارق الإلماع في تكفير مَنْ يحرِّم السماع )) وأبو الفتوح هذا فقيه وأخ للإمام أبي حامد الغزالي.

على أن ما يعنينا هنا -كما سبق القول- ليس الخوض في الجدل الفقهي بشأن حكم الموسيقى , بل الحديث عن جانب حضاري للمسألة شبه مغيب في هذا السياق , وهو حضور الموسيقى والغناء في حياة فئة من أعلام علماء الإسلام تجاوزت الموقف النظري القائل بإباحة الموسيقى إلى التعاطي معها اجتماعا وسماعا أو مدارسة وممارسة , دون أن يتوسع بنا الأمر إلى طوائف أخرى من مشاهير علماء الأمة في العلوم الأدبية أو الفلسفية والطبيعية.

اين اخذتنا بستة ال (( دزني )) ؟

صباح الزهيري .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة لعّابة الصبر : العراق و سَوْط حقيقة الحكايات الصارخ .
- مقامة الخطو للوراء .
- مقامة جيل Z: رؤيا شيخ في آخر الزمان .
- مقامة المندلاوي في (( نَجْوَى الصَّمْتِ الهَادِي )) .
- مقامة الى أبو أيفانكا : في ذمّ الادارة غير الجادة وغير المسؤ ...
- مقامة الرضا في مقهى بغداد الفاضلة .
- مَقَامَةُ الجُهَّال .
- مقامة طوبى : في ذكر حال الأنام والآمال العِظام .
- المقامة الإقصائية .
- المقامة الإسلاسية .
- مقامة ترانيم الخريف .
- مقامة فن الصياغة : الوافي بوفيات الصفدي مثلا .
- مقامة حَرْقِ الكُبُودِ على عراقٍ مَغْزُو .
- مقامة حديث خرافة يا أم عمرو!
- مقامة النوارزمية : فصلُ النورِ وحُجَّةُ الخوارزمِ .
- مقامة (( لعم )) .
- مقامة الخطو وحيدا .
- مَقَامَةُ إِخْوَانِ الصَّفَا وَخِلَّانِ الوَفَا .
- مقامة رماد القدر.
- مقامة الأباطيل والأكاذيب : حين يكتب السيف .


المزيد.....




- المنقذ من الضلال لأبي حامد الغزالي.. سيرة البحث عن إشراق الم ...
- ترامب: ضجيج بناء قاعة الرقص في البيت الأبيض -موسيقى تُطرب أذ ...
- لقطات نادرة بعدسة الأميرة البريطانية أليس... هل هذه أول صورة ...
- -أعتذر عن إزعاجكم-.. إبراهيم عيسى يثير قضية منع عرض فيلم -ال ...
- مخرجا فيلم -لا أرض أخرى- يتحدثان لـCNN عن واقع الحياة تحت ال ...
- قبل اللوفر… سرقات ضخمة طالت متاحف عالمية بالعقود الأخيرة
- إطلاق الإعلان الترويجي الأوّل لفيلم -أسد- من بطولة محمد رمضا ...
- محسن الوكيلي: -الرواية لعبة خطرة تعيد ترتيب الأشياء-
- من الأحلام إلى اللاوعي: كيف صوّرت السينما ما يدور داخل عقل ا ...
- موهبتان من الشتات تمثلان فلسطين بالفنون القتالية المختلطة في ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة دزني .