مازن صاحب
الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 07:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الطريق إلى الأمام لا يزال طويلا، والثقة بين الطرفين معدومة، معادلات صعبة ستحدد مصير غزة، هل يمكن تحويل "بارقة الارتياح" إلى "فجر للسلام"؟ الإجابة ليست في تحليلات المراكز البحثية، ولا البرامج الحوارية، بل في الإرادة السياسية على الأرض، والتي، للأسف، لا تزال هي الحلقة الأضعف في هذه المعادلة. عند تناول السؤال الأكثر صراحة عربيا واسلاميا "كيف يكون شكل اليوم التالي للحرب والسلام في غزة؟" من خلال مقارنة "وجهات نظر" إقليمية ودولية مع وقائع على الأرض في فلسطين المحتلة، فإن التحليل العميق لا يقتصر على سرد الاختلافات الشكلية، بل يذهب إلى تفكيك البِنى الفكرية والسياسية، واستشراف المسارات التي يمكن أن تنشأ من خلالها المرحلة التي تلي الصراع. عندما نحلل أصحاب المصالح في مسألة "من يملك القدرة على تشكيل اليوم التالي للحرب والسلام في غزة”، نتعامل مع شبكة معقدة من الفاعلين تتقاطع فيها المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية والرمزية. هذه المصالح ليست متطابقة، بل متنافرة ومتداخلة في آنٍ واحد، ما يجعل التفاوض على اليوم التالي للحرب ساحة صراع إرادات وليست مجرد حوار على ترتيبات فنية. يمكن تفكيك خريطة أصحاب المصالح على النحو الآتي، الفاعل الفلسطيني الداخلي، ما بين نموذج السلطة الفلسطينية وفق اتفاق أوسلو وقوى المقاومة في حماس، كل منهم يرى في اليوم التالي فرصة للحفاظ على شرعيتها أو إعادة تعريفها، فهي لا تريد خسارة السلاح أو النفوذ. تسعى السلطة الفلسطينية لاستعادة دورها في غزة بما يكرس فكرة "الدولة الواحدة" تحت إدارتها، لكنها تواجه أزمة شرعية داخلية، المجتمع المدني والنخب المحلية يركزون على إعادة الإعمار، واستعادة الحياة، ووقف الانقسام، هؤلاء لا يملكون قوة السلاح أو القرار السياسي، لكنهم يمتلكون المشروعية الاجتماعية وقد يشكلون قوة ضغط ناعمة على الأطراف.
في المقابل، يسعى الفاعل الإسرائيلي إلى إعادة تشكيل البيئة الأمنية في غزة بما يضمن تقليص التهديد المستقبلي، لا بناء السلام بالمعنى العميق، والتركيز على خلق وضع “قابل للضبط” دون تحمل مسؤولية مباشرة عن إدارة غزة، لذلك تفضل ترتيبات أمنية تضعف الفصائل المسلحة، وربما سلطة مدنية منزوعة السلاح بإشراف إقليمي أو دولي، كما تسعى إلى فرض معادلات ردع طويلة المدى لتمنع أي تهديد مستقبلي. اما الفاعل الإقليمي ويشمل دولا عربية رئيسية مثل مصر وقطر والأردن ودولا أخرى ذات تأثير غير مباشر مثل إيران وتركيا، مصر معنية بحدودها وأمن سيناء، وتفضل ترتيبات لا تسمح بتمدد الفوضى، وتمتلك قطر أدوات مالية وسياسية عبر قنوات دعم إنساني وسياسي. فيما تبقى إيران معنية بالحفاظ على نفوذها من خلال دعم الفصائل المسلحة، لأنها تعتبر غزة ورقة قوة في توازنها الإقليمي، لذلك جاء موقف الخارجية الإيرانية واضحا في الابتعاد عن موقف الثورة من خلال الترحيب بالاتفاق الذي يوافق عليه الفلسطينيون، على الرغم من ترحيب الرئيس ترامب بان إيران يمكن ان تنضم مستقبلا الى الاتفاقات الابراهيمية.
من مواقف إيران الظاهر منها والباطن، يمكن استنتاج أن محور المقاومة يرى في الاتفاق فرصة لتعزيز شرعيته، خاصة لدى الجمهور الفلسطيني والعربي، باعتباره إنجازا تم تحت ضغط المقاومة وليس خارجها، حيث يستخدم الاتفاق كذخيرة سياسية وإعلامية للثبات على أن المقاومة أثمرت، على الأقل لتعبئة جمهورها وتعزيز هيبة هذه الفصائل، لكنه سيبقى متحفظا، لأن الثقة منخفضة وقد يكون الاتفاق مجرد مرحلة أولى، فيه مخاطر التنكر أو الخروقات من الجانب الإسرائيلي.، وسيحرص محور المقاومة على بناء قدراته العسكرية والدبلوماسية لمواجهة أي خرق أو محاولة تقليص من مفعول الاتفاق فموضوع نزع السلاح والمطالب الأمنية سيُعتبر نقاط حساسة جدا.
وستعمل تركيا على توازن بين مصالحها الدبلوماسية والإنسانية وصورتها في العالم الإسلامي، وتنظر الأردن إلى الاستقرار من زاوية منع انفجار إقليمي قد ينعكس على الضفة الغربية، ربما تتحدد مصلحة الفاعل الإقليمي في منع الفوضى غير القابلة للسيطرة، ضمان عدم استبعاد دوره من ترتيبات ما بعد الحرب، والحفاظ على أوراق الضغط أو النفوذ السياسي. اما الفاعل الدولي، تتصدره الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، وقوى دولية أخرى كروسيا والصين، الواضح ان الولايات المتحدة تسعى إلى تثبيت وضع مستقر يخدم أمن إسرائيل ويقلل من احتمالات التصعيد الإقليمي، ويهتم الاتحاد الأوروبي بالبعد الإنساني والسياسي، وقد يشارك في تمويل الإعمار بالتعاون مع الأمم المتحدة التي تحاول لعب دور الوسيط وضامن الإغاثة، لكن قوتها التنفيذية محدودة، اما روسيا والصين تنظران إلى غزة كمجال للتأثير السياسي والتموضع الجيوسياسي. وهناك أصحاب مصالح محليون ودوليون يمثلون القطاع الخاص وشبكات المصالح الاقتصادية، فلا يمكن إغفال دور شبكات المال والإعمار، سواء الفلسطينية أو الإقليمية أو الدولية لشركات إعادة الإعمار ترى في اليوم التالي فرصة اقتصادية هائلة، بعض القوى السياسية قد تستثمر هذه الفرصة لتثبيت نفوذها عبر التمويل والمشاريع، هنا يظهر خطر تحويل السلام إلى صفقة مالية لا إلى عملية سياسية واجتماعية مستدامة. وفق كلما تقدم، يُرسم اليوم التالي للحرب كعملية هندسة سياسية - أمنية معقدة، تتركز على ضمان من يسيطر على الأرض ويؤمن الحدود ويعيد ترتيب السلطة، هنا تكون الأمنيات مؤجلة، ويُنظر إلى السلام كـ"ترتيب ضروري" لا كحالة وجدانية أو مصالحة تاريخية، يتم التركيز على ترتيبات ما بعد الحرب، مثل من يدير المعابر؟، ومن يتولى الأمن الداخلي؟، وما إذا كانت هناك قوة انتقالية أو إدارة مشتركة بدعم دولي؟ في هذا المنطق، لا يُترك فراغ السلطة، لأن الفراغ يولد صراعات جديدة، وهكذا فإن المنظور الأول يتعامل مع السلام كـ" مرحلة مفروضة" بالضرورة وليست نابعة من إرادة توافقية حقيقية. في المنظور الاخر، يعتبر اليوم التالي للحرب "فرصة لإعادة تأسيس العلاقة بين الناس والأرض والسيادة"، أي أفعال" تحرر وطني وإنساني"، السلام ليس فقط نهاية القتال، بل بداية بناء عقد اجتماعي جديد، تقوم فيه مؤسسات فلسطينية منتخبة بإدارة القطاع، وتُعاد هيكلة الخدمات العامة وإعادة الإعمار على أسس عدالة انتقالية وكرامة إنسانية، هذه الرؤية تعلي من شأن المشاركة الشعبية والمجتمع المدني، وترى أن الاستقرار لا يمكن أن يتحقق من خلال القوة وحدها، بل من خلال الاعتراف بحقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. الاختلاف الجوهري بين هذين المنظورين، يكمن في نقطة الانطلاق، ينطلق الاول من سؤال "من يدير غزة بعد الحرب؟" أي إنه يركز على إدارة الأمر الواقع، أما الثاني فينطلق من سؤال "كيف نبني غزة الجديدة؟" أي إنه ينحاز إلى تصور المستقبل بوصفه مشروعًا تحرريا. وفق الإجابات متعددة الأطراف على هذين السؤالين، تبدأ سرديات الأحاديث عن " الحرب والسلام" في الشرق الأوسط الجديد، سيظهر من يتحدث عن انتصار " المقاومة الإسلامية" مقابل من يتحدث عن انتصار المشروع الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي في ترسيخ نموذج اتفاقات سايكس بيكو في الاتفاقات الابراهيمية، من هنا تتفرع الفروقات الأخرى، في التصور العام، الأول يطرح سيناريو هشا مشروطا بالتوافقات الإقليمية والدولية، أما الثاني فيطرح مشروعا مستقبليا مشبعا بالرمزية الوطنية وإن كان أكثر صعوبة في التطبيق.
الرهان الأكبر في النهاية سيكون على من يمتلك القدرة على تحويل هذه الرؤية إلى واقع: هل هي القوى الإقليمية والدولية التي تملك أدوات الضغط، أم القوى الفلسطينية التي تحمل الإرادة الوطنية؟
#مازن_صاحب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟