رحيم فرحان صدام
الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 14:38
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يمكن ملاحظة انعدام الامانة التاريخية عند الذهبي وتلاعبه بالاحاديث النبوية والنصوص التاريخية وقيامه بتزويرها؛ ومثال على تزويره الحقائق التاريخية هذه الرواية التي نقلها عن البيهقي(1) فقال ما نصه:" وقال أبو حمزة السكري، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي، قال: لما مرضت فاطمة -رضي الله عنها- أتاها أبو بكر فاستأذن، فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها يترضاها وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشير إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت.."(2)
ان الشعبي مرسلة وإن ثبتت رؤيته للإمام ، وهو من الرواة المكثرين عنه، إلا أنه لا ينتقي في حديثه عن علي، فهو يروي عن بعض الضعفاء عنه، فلزم التوقف في روايته وعدم قبولها، ما لم تحتف بها قرائن يغلب على الظن معها الصحة ، ثم ان الرواية تنفيها رواية البخاري(3) ومسلم(4) عن السيدة عائشة ان فاطمة ماتت وهي غاضبة على ابي بكر ، والذهبي يؤمن بصحة كل ما جاء في الصحيحين فماله يحرف الكلم عن مواضعه.
والرواية الثانية رواها الذهبي عن البيهقي(5) من دون الاشارة اليه فقال ما نصه :
" وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ مَيْمُونَ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ أَلَا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَخْلِفَ. "(6)
ونقبل الرواية بصيغة اخرى فقال : شبابة، حدثنا شعيب بن ميمون، عن حصين وأبي جناب، عن الشعبي، عن أبي وائل، قال: قيل لعلى: استخلف.
قال: ما أستخلف، ولكن إن يرد الله بالأمة خيرا يجمعهم على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم." (7) فعلق على هذه الرواية : " ولم يصح"(8) ثم ناقض نفسه في تعليقه على نفس الرواية في كتاب المستدرك على الصحيحين اذ قال:" صحيح"(9) وذلك يدل على انعدام امانة النقل عنده وتحكمه واتباعه لهواه على حساب الحقيقة التاريخية .
اما الراوي الذي اعتمد عليه البيهقي في نقل الرواية فهو شبابة بن سوار الفزاري، بالولاء، أبو عمرو: من رجال الحديث. أصله من خراسان، سكن المدائن، وأقام مدة ببغداد، وتوفي بمكة سنة (206هـ /821 م). كان يقول بالإرجاء(10). وهو غير ثقة في الحديث اذ طعن به ابن حنبل(11) ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم :" لَا يحْتَج بِهِ"(12) ، كما ذكره العقيلي في كتابه الضعفاء الكبير فقال عن حديث رواه " وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ"(13) فضلا عما تقدم فقد ضعفه ابن عدي في كتابه الكامل في ضعفاء الرجال. (14)
فضلا عما تقدم فان انتسابه لفرقة المرجئة(15) وهي عقيدة اموية يؤكد ان الرجل ذو ميول اموية وخصم لأهل البيت عليهم السلام فكيف نعتمد روايته عنهم وهو عدوا للعلويين عامة ؟!!!
فضلا عما تقدم فان اسمه الحقيقي مروان ويكنى بابي معاوية(16) ، مما يؤكد انه عثماني الهوى ، اموي النفس ، منحرف عن الامام علي(17) فلا يقبل روايته عن اهل البيت عامة الا من فقد عقله او اعمت الطائفية بصره وبصيرته.
اما شيخه في هذا الاسناد فهو شعيب بن ميمون الذي قال عنه الْبُخَارِيُّ:" فيه نظر"(18) ، وقال ابن حبان:" يَرْوِي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير عَلَى قلَّة رِوَايَته لَا يحْتَج بِهِ إِذا انْفَرد"(19).
وقال الذهبي :" تفرد به شعيب، وله مناكير". (20)
فضلا عما تقدم فان الراوي عن الامام علي هو أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي، الكوفي ، المتوفى سنة (83 ه/ 702 م) ، كان عثمانيا يطعن في الامام علي عليه السلام(21) ، وقد ضعف الرواية ابن عدي (22) .
خلاصة الكلام ان الرواية باطلة موضوعة من قبل شبابة بن سوار او شعيب بن ميمون او من قبل شقيق بن سلمة ، ولا تصح مهما حاول الذهبي تزييف الحقائق.
ومن الادلة على عدم دقة الذهبي نقله عن خليفة بن خياط مقتل عمر بن سعد سنة (65ه). (23) بينما نجد ابن خياط يذكر مقتله سنة (66ه). (24)
الهوامش
(1) البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، (ت458هـ/1064م)، السنن الكبرى، دار الفكر، (بيروت ، د.ت). (6/ 301).
(2) ينظر: الذهبي، شمس الدين: محمد بن أحمد بن عثمان التركماني (ت 748هـ/1357م)، سير أعلام النبلاء، أشرف على تحقيق وخرّج أحاديثه: شعيب الأرناؤوط، ، دار الرسالة ، ط9، (بيروت ـ 1993).(راشدون/ 53)، تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام، المحقق: الدكتور بشار عوّاد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 2003 م .(2/ 32).
(3) ينظر: البخاري ، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم ، (ت 256هـ/862 م)، صحيح البخاري، دار الفكر، (بيروت - 1981).(4/ 79).
(4) النيسابوري، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، (ت 261هـ/875م)، صحيح مسلم ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.. (3/ 1380).
(5) البيهقي، السنن الكبرى (16/ 532).
(6) الذهبي، تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام، المحقق: الدكتور بشار عوّاد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 2003 م .(1/ 835).
(7) الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، دراسة وتحقيق: الشيخ علي معوض، الشيخ عادل أحمد، شارك في تحقيق : د. عبد الفتاح أبو رسن، دار الكتب العلمية، (بيروت ـ 1995).(2/ 278).
(8) الذهبي، ميزان الاعتدال (2/ 278).
(9) ينظر: الحاكم النيسابوري ، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الضبي المعروف بابن البيع ، (ت 505هـ/1058م)، المستدرك على الصحيحين، دار المعرفة، (بيروت ـ د.ت).(3/ 84) .
(10) المرجئة هم فرقة كلامية تنتسب إلى الإسلام، خالفوا رأي الخوارج في مرتكب الكبيرة وغيرها من الأمور العقدية، وقالوا بأن كل من آمن بوحدانية الله لا يمكن الحكم عليه بالكفر، لأن الحكم عليه موكول إلى الله وحده يوم القيامة، مهما كانت الذنوب التي اقترفها. وهم يستندون في اعتقادهم إلى قوله تعالى (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)الآية 106 سورة التوبة والعقيدة الأساسية عندهم عدم تكفير أي إنسان، أيا كان، ما دام قد اعتنق الإسلام ونطق بالشهادتين، مهما ارتكب من المعاصي، تاركين الفصل في أمره إلى الله تعالى وحده، لذلك كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وقد نشأ هذا المذهب في أعقاب الخلاف السياسي الذي نشب بعد مقتل عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وعنه نشأ الاختلاف في مرتكب الكبيرة. فالخوارج يقولون بكفره والمرجئة يقولون برد أمره إلى الله تعالى إذا كان مؤمنا، وعلى هذا لا يمكن الحكم على أحد من المسلمين بالكفر مهما عظم ذنبه، لأن الذنب مهما عظم لا يمكن أن يذهب بالإيمان، والأمر يرجأ إلى يوم القيامة وإلى الله مرجعه. ويذهب الخوارج، خلافا للمرجئة، إلى أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار. ينظر: الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، (ت 548هـ/1154م) ، الملل والنحل، صححه وعلّق عليه، أحمد فهمي محمد ، دار الكتب العلمية، ط8، (بيروت ـ 2009).1/139.
(11) ابن عدي : عبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني ( ت 365 هـ / 975 م)، الكامل في ضعفاء الرجال، تحقيق د. سهيل زكار، دار الفكر، ط3، (بيروت-1409هـ/ 1988 م). (5/ 71) ؛ ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي القرشي ، (ت597هـ/1204م)، الضعفاء والمتروكون ، المحقق: عبد الله القاضي ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1406ه. (2/ 37).
(12) الذهبي، المغني في الضعفاء، دار الكتب العلمية ، بيروت ،1997. (1/ 293).
(13) ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع الزهري مولاهم (ت 230هـ/837 م)،الطبقات الكبرى، تحقيق : إحسان عباس، دار صادر، (بيروت ـ د.ت). ج 7 ص78 .
(14) ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال (5/ 71).
(15) ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال (5/ 71).
(16) ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال (5/ 71).
(17) قال الذهبي:" أَنَّهُم عُثْمَانِيَّةٌ، فِيْهِمُ انْحِرَافٌ عَلَى عَلِيٍّ". ينظر : سير أعلام النبلاء (11/ 47).
(18) ينظر: البخاري ، التاريخ الكبير، تحقيق: السيد هاشم الندوي ، دار الفكر ( بيروت - بلات).
(4/ 222).
(19) ينظر: ابن حبان ، محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي ، (ت 354هـ/960م)، كتاب المجروحين من المحدثين ، تصحيح عزيز بيك القادري والنقشبندي ، ط1، المطبعة العزيزية ، حيدر اباد الدكن ، ( الهند - 1979)..(1/ 362).
(20) الذهبي، سير أعلام النبلاء (2/ 486).
(21) ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني (ت 656هـ/1263م)، شرح نهج البلاغة، كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، جمعه: الشريف الرضي، تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم ، المكتبة العصرية، (بيروت-1959 م). (4/ 99).
(22) ابن عدي : الكامل في ضعفاء الرجال (5/ 5).
(23) الذهبي، ميزان الاعتدال (3/ 199).
(24) ابن خياط، أبو عمرو خليفة العصفري الليثي البصري، (ت 240هـ/854م)، المحقق: د. أكرم ضياء العمري ، الناشر: دار القلم , مؤسسة الرسالة - دمشق , بيروت، الطبعة: الثانية، 1397ه. (ص: 263)؛ وينظر: ابن عساكر، علي بن الحسن الشافعي، (ت 571هـ/1277م)، تاريخ مدينة دمشق، دراسة وتحقيق: علي شيري، دار الفكر،(بيروت ـ 1995).ج 45 ص 58 .
#رحيم_فرحان_صدام (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟