أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناضل حسنين - حتى التنهيدة باتت جريمة أمنية














المزيد.....

حتى التنهيدة باتت جريمة أمنية


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 13:30
المحور: القضية الفلسطينية
    


أيها السادة المحترمون، في مقاهي المنافي المخملية، وعلى كراسي السلطة الوثيرة كالضمائر المستريحة، يا من تحكون عن الصمود بينما تبخر فناجينكم آخر ذرات القهوة بعيدًا عن رائحة البارود... اسمحوا لي أن أقدّم نفسي دون موسيقى الوطن أو تصفيق الجمهور: يسمونني عربيًا إسرائيليًا. نعم، هذه ليست نكتة، بل تشريح لغوي عجيب كأن تقول "جلاد رحيم" أو "شهيد بلا جرح". هوية نصفها يُعتقل إن نطق، ونصفها الآخر يُدان إن صمت. ولذا أنا أسمي نفسي الناجي الوحيد من النكبة الذي ما زال يدفع ثمن نجاته.
نحن يا سادة، أبناء الذين لم يرحلوا، لا لأنهم لم يجدوا سفينة، بل لأنهم لم يحبّوا الغرق. بقينا هنا مثل شجرة زيتون شاخت في ساحة ثكنة، تثمر رغمًا عنها وتُصفّق لها البنادق بدل النسيم. ظننا أننا نحرس الأرض، فاكتشفنا أننا في الواقع نحرس قبورنا المفتوحة سلفًا باسم القانون والنظام. الدولة ترانا كبثرة في جبين الديموغرافيا الأنيقة، وكجملة لا محل لها من الإعراب في وثيقة الاستقلال.
كل صباح، أغسل وجهي بماء "ميكوروت" الذي يسقي الزنزانة والجنّة في آنٍ واحد، وأتحلّى بقهوة تذوب فيها سكّرات "سوجات" وأوجاع التاريخ. أسير إلى عملي عبر طرق حفرها "الصندوق القومي الصهيوني" لا حبًا في الجغرافيا بل شغفًا في التطويق والحصار. صغاري يدرسون تاريخًا كتبه قلم مناوئ، فرسمني شخصية ثانوية ثم مسحني بالممحاة كي لا اموت في معركة. كل أوراقي من شهادة الميلاد حتى شهادة الوفاة مختومة بست زوايا تُدعى نجمة داوود. تحول الوطن إلى شركة مساهمة، ونحن فيها بنظام القطعة: نتقاضى أجورنا بالذل والفواتير والتنازلات، ويسمون هذا "الأسرلة"، وأسمّيه أنا "ابتلاعًا دون مضغ يليه تجشؤ مقرف".
يقولون إننا مواطنون كاملو الحقوق. يا سلام! كم هو ساخر هذا الاصطلاح! حقوقنا كرجلٍ يلبس عباءة المهرج: زاهية الألوان لا تستر شيئًا. نملك حق الصمت، وحق الابتسامة يوم الانتخابات، وحق التصفيق في جنازتنا الوطنية. ندفع الضرائب كي نمول رصاصة تخترق رأس قريبنا في جنين أو غزة، ثم يشكروننا على "مواطنتنا الصالحة".
في الماضي، كان العلم الفلسطيني قلوبنا المرفوعة على خشبة الغضب. نخبّئه كما تُخبّئ الأم طفلها في مجزرة، ونرفعه في المسيرات والمظاهرات فيرتجف الشرطي كمن يرى شبحًا. أمّا اليوم فقد تحول العلم الى ادانة تدمغ حامله وقد تبقيه خلف القضبان طويلا. يقولون إن العلم "يعكر صفو السلام". أي سلام؟ سلام المقابر الذي لا يزعجه إلا نشيد وطني؟
وأما "المقاومة" يا سادة، فاللفظ نفسه لم يعد شتيمة بل بات جريمة. نعم.. في معجم الأمم، فالمقاومة حقّ لكل من يرزح تحت نير الاحتلال. أما في معجم أسيادنا، فهي من الكبائر.. إنها الإرهاب بعينه. علينا أن نقاوم بالورد والياسمين، وأن نرد على الدبابة بقصيدة او برقصة. "قاوموا بالطرق السلمية" يهتفون بأصواتهم المعقّمة، وكأن الاحتلال نفسه جاء بدعوة وابتسامة ترحيب من كبار القوم.
ضاقت أنفاس اللغة حتى صرنا نتنفس عبر ثقوب الحذر. كل كلمة محسوبة كميزانية دولة. كل "لايك" قد يُفسر كتآمر، وكل تنهيدة كنداء. أن تقول "اشتقت لغزة" هي تهمة حبّ ممنوعة. أصبحنا نكتب بارتجاف، نسير على حروف الأبجدية كما يسير الساحر على الزجاج؛ نخاف من انكسار المعنى مثلما نخشى من سقوطنا في فخّ التأويل.
الهدف لا يحتاج إلى تحليل: يريدون أن نموت ونحن نوقع على الاستمارات. أن نرحل ونحن نملأ النماذج بخطٍ أنيق. أن نصبح ظلًّا طويلاً بلا جسد. التهجير عندنا لا يركب دبابة، بل ينتعل القانون. لا يصرخ، بل يبتسم خلف مكتب يوزع "مخالفات بناء" وديون بنكية. وخلافا لغزة، حيث يكتب التهجير بالنار، هنا يكتب بالحبر الأسود الممهور بختم رسمي. هناك تُهدم البيوت، وهنا تُهدم الرغبة في البقاء، والهدف واحد: إرحل..!



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة بعيون فلسطينية لخطة ترامب لوقف الحرب
- كولومبيا تصرخ... والعرب يبتلعون ألسنتهم
- عقوبات المستوطنين: تبرئة الدولة وتجاهل جوهر المشكلة
- مثقفون بسقف واطئ
- أهو دعاء أم عتاب لطيف؟
- العالم العربي: طفل تصفعه اسرائيل متى غضبت
- الحضارة بين الإنتاج والحضانة
- أمة بلا سؤال.. أمة بلا مستقبل
- كيف يصوت الناخب العربي في إسرائيل ولماذا؟
- راحة الإعتراف أمام الغرباء..
- نسير إلى الأمام وعيوننا نحو الخلف
- أخلاق بلا وحي
- غزة: مقبرة الصحافة وصمت العالم
- تحليل: العالم يعيد كتابة الرواية
- ما وراء نوايا احتلال مدينة غزة
- فكر معي: هل نعبد الله حبًا أم طمعًا؟
- حل الدولتين: ستار دخان على فضيحة أخلاقية عالمية
- لماذا يكتب مستقبل فلسطين بغير الحبر العربي؟
- رحيل عبقري لم يعرف التنازل في حياته..!
- العرب يرقصون وغزة تحترق


المزيد.....




- مسيرة أحمد طالب الإبراهيمي من جمعية العلماء المسلمين إلى وزا ...
- من هو المصري الذي فاز برئاسة اليونسكو؟
- نزوح جديد في غزة.. عائلات تُقيم خياماً على شاطئ دير البلح هر ...
- فريق دراجات إسرائيلي يتخلى عن هويته عقب تصاعد الاحتجاجات الم ...
- ما أبرز إنجازات وإخفاقات إسرائيل بعد عامين من حربها على غزة؟ ...
- أسطول -الضمير- يواصل إبحاره نحو غزة رغم التهديدات باعتراضه
- أولمرت: ترامب يمكنه وقف الحرب إن أراد ونتنياهو لا يستطيع مخا ...
- ورشة عمل في الدوحة تناقش خطة العمل الوطنية للأمن الصحي
- عامان من الإبادة.. أطفال غزة بقبضة الموت تجويعا ومرضا
- منظمة الصحة: 15 مليون قاصر في العالم يدخنون السجائر الإلكترو ...


المزيد.....

- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناضل حسنين - حتى التنهيدة باتت جريمة أمنية