أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناضل حسنين - عقوبات المستوطنين: تبرئة الدولة وتجاهل جوهر المشكلة














المزيد.....

عقوبات المستوطنين: تبرئة الدولة وتجاهل جوهر المشكلة


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 11:57
المحور: القضية الفلسطينية
    


شهدت الساحة الدولية مؤخراً تحركات من قبل قوى عالمية كبرى، مثل الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، فرنسا، الاتحاد الأوروبي، وبالأمس سنغافورة لفرض عقوبات على أفراد من المستوطنين الإسرائيليين.
للوهلة الأولى، قد تبدو هذه الخطوات إيجابية، وكأنها تعكس إرادة دولية للجم العنف المتصاعد في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومحاسبة المسؤولين عنه. إلا أن نظرة أعمق تكشف عن تناقض خطير في جوهر هذه العقوبات، حيث إنها، رغم ظاهرها، قد تخدم غرضاً معاكساً تماماً، وهو تبرئة الدولة الإسرائيلية من مسؤوليتها المباشرة عن مشروع الاستيطان وتداعياته، وتجاهل جوهر المشكلة الحقيقية.
إن الفكرة المحورية التي تكمن وراء هذه العقوبات هي تقديم المستوطنين كـ"عناصر متطرفة" أو "تفاحات فاسدة" تعمل بشكل مستقل ومنفصل عن الدولة وسياساتها. هذا الإجراء، وإن بدا وكأنه يوجه اللوم، فإنه في حقيقته يجزئ المسؤولية ويحصرها في عدد قليل من الأفراد. فبدلاً من تحميل المسؤولية للمنظومة السياسية والقانونية والعسكرية التي تسمح بوجود المستوطنات وتوسعها وتحمي عنف المستوطنين، يتم إلقاء اللوم على أفراد محددين.
هذا التكتيك يتجاهل البنية التحتية الكاملة للاحتلال؛ فالمستوطن لا يعمل في فراغ، بل يعيش في مستوطنة بنتها الدولة، ويسير على طرق خصصتها الدولة، ويحميه الجيش الإسرائيلي، وغالباً ما يفلت من العقاب في النظام القضائي الإسرائيلي. بالتالي، تخلق هذه العقوبات واقعاً زائفاً يوحي بأن المشكلة هي "عنف بعض الأفراد" وليس "مشروع الاستيطان" بحد ذاته، والذي يعتبر غير قانوني بموجب القانون الدولي، وتحديداً اتفاقية جنيف الرابعة.
تتجلى في هذه العقوبات أيضاً افتقار واضح للجرأة السياسية من قبل الدول التي تفرضها. إن فرض عقوبات على أفراد هو إجراء "منخفض التكلفة" سياسياً مقارنة بفرض عقوبات على دولة حليفة مثل إسرائيل. هذه الدول تتجنب المواجهة الدبلوماسية المباشرة؛ فتوجيه الاتهام الصريح لإسرائيل وتحميلها المسؤولية كدولة يفتح الباب أمام أزمات دبلوماسية، وتوترات اقتصادية، وضغوط سياسية داخلية قد لا ترغب هذه الدول في تحملها. علاوة على ذلك، ترتبط العديد من الدول الغربية بتحالفات استراتيجية وعسكرية واقتصادية عميقة مع إسرائيل، واستهداف الدولة مباشرة يهدد هذه المصالح. لذا، تعمل العقوبات الفردية كخطوة رمزية لإظهار "الاستياء" دون المساس بجوهر العلاقة، وفي الوقت نفسه، تهدف إلى إرضاء الرأي العام المحلي والدولي الذي يطالب بالتحرك ضد انتهاكات حقوق الإنسان، دون اتخاذ إجراءات جذرية قد تكون لها عواقب وخيمة على علاقاتها الثنائية.
من منظور القانون الدولي والمسؤولية الحقيقية، تمثل هذه الإجراءات "التفافاً" واضحاً على المبادئ الأساسية. فبموجب القانون الدولي الإنساني، تتحمل إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، المسؤولية الكاملة عن حماية السكان المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. هذا يشمل حمايتهم من عنف مواطنيها (المستوطنين). وعندما تتقاعس الدولة عن التحقيق في جرائم المستوطنين ومحاكمتهم بشكل فعال، فإن هذا التقاعس يرقى إلى مستوى التواطؤ ويجعل الدولة نفسها مسؤولة بشكل مباشر. إن الإجراء الصواب، كما تمليه العدالة والقانون الدولي، هو التعامل مع مشروع الاستيطان ككل باعتباره غير شرعي، والضغط على الحكومة الإسرائيلية لتفكيكه ووقف عنف المستوطنين، وليس فقط معاقبة بعض رموزه.
إن النتيجة العملية لهذه العقوبات هي أنها تمنح ضوءاً أخضر للمنظومة الاستيطانية والدولة الراعية لها. عندما ترى هذه المنظومة برمتها (مستوطنون وحكومتهم) أن أقصى رد فعل دولي هو عقوبات فردية على عدد محدود من الأشخاص، فإن الرسالة التي تصلهم واضحة: "الاستمرار مسموح به" و"التكلفة مقبولة".
فطالما أن العقوبات لا تمس الدولة ومؤسساتها، ولا تمس الكيان الاقتصادي والسياسي للمستوطنات ككل، فإن المشروع يمكن أن يستمر ويتوسع.
إن التضحية ببضعة أفراد كـ"كبش فداء" هي تكلفة مقبولة جداً مقابل الاستمرار في التوسع الاستيطاني وتحقيق الأهداف السياسية الأكبر. بل إن ضعف الردع الدولي قد يشجع الأطراف الأكثر تطرفاً على تصعيد انتهاكاتها، طالما أنهم يشعرون بأن هناك حصانة ممنوحة من دولتهم، وأن العقاب الدولي (إن وجد) سيكون محدوداً وسطحياً.
في الختام، يمكن القول إن العقوبات الفردية المفروضة على المستوطنين، على الرغم من أنها قد تبدو خطوة إيجابية في ظاهرها، إلا أنها قد تخدم في الواقع غرضاً عكسياً. إنها تبرئ الدولة الإسرائيلية من مسؤوليتها المباشرة، وتسمح للمجتمع الدولي بالظهور بمظهر من يتخذ إجراءً حاسماً بينما هو في الحقيقة يتجنب المواجهة الحقيقية مع جذر المشكلة، وهو الاحتلال ومشروع الاستيطان الذي ترعاه الدولة. إنها تعالج العرَض (عنف الأفراد) وتتجاهل المرض (الاحتلال وسياسات التوسع). يتطلب الأمر رؤية أعمق وإجراءات أكثر جرأة وفعالية تتناول جذر المشكلة، وليس فقط مظاهرها السطحية، مع التأكيد على ضرورة المساءلة الشاملة والضغط الدولي الحقيقي لإنهاء الاحتلال ومشروع الاستيطان غير الشرعي.



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مثقفون بسقف واطئ
- أهو دعاء أم عتاب لطيف؟
- العالم العربي: طفل تصفعه اسرائيل متى غضبت
- الحضارة بين الإنتاج والحضانة
- أمة بلا سؤال.. أمة بلا مستقبل
- كيف يصوت الناخب العربي في إسرائيل ولماذا؟
- راحة الإعتراف أمام الغرباء..
- نسير إلى الأمام وعيوننا نحو الخلف
- أخلاق بلا وحي
- غزة: مقبرة الصحافة وصمت العالم
- تحليل: العالم يعيد كتابة الرواية
- ما وراء نوايا احتلال مدينة غزة
- فكر معي: هل نعبد الله حبًا أم طمعًا؟
- حل الدولتين: ستار دخان على فضيحة أخلاقية عالمية
- لماذا يكتب مستقبل فلسطين بغير الحبر العربي؟
- رحيل عبقري لم يعرف التنازل في حياته..!
- العرب يرقصون وغزة تحترق
- فلسطين: فضيحة العرب
- المسجد والكنيسة.. كلاهما بيتنا
- حين يكون الحب شبهة أمنية..!


المزيد.....




- تحسبًا لإعصار راغاسا.. شاهد كيف نفذت المنتجات من أرفف المتاج ...
- عرض للألعاب النارية أشبه بـ-متفجرات- يثير جدلًا واسعًا في جب ...
- -ضحك على اللحى-.. شاهد ردود فعل فلسطينيين على اعتراف دول بال ...
- السعودية.. الديوان الملكي: وفاة مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز ...
- كيف تحولت سياسة ماكرون إلى التحرك للاعتراف بدولة فلسطين؟
- غوتيريش يقول إن الاعتراف بدولة فلسطين حق وليس مكافأة وسانشيز ...
- -كارولينا هيريرا- تحوّل ساحة مدريد إلى منصة أزياء استثنائية ...
- -مهم جدا-.. حمد بن جاسم يُعلق على اجتماع مرتقب بين ترامب وقا ...
- شاهد.. رئيس وزراء فرنسا الأسبق يوجه رسالة لأمريكا وإسرائيل ب ...
- مع استمرار تهديدات الحوثيين.. سفينة جديدة تتعرض للهجوم قبالة ...


المزيد.....

- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه
- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناضل حسنين - عقوبات المستوطنين: تبرئة الدولة وتجاهل جوهر المشكلة