أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زكي رضا - العيد الوطني العراقي بين حقيقة تموز وكذبة تشرين














المزيد.....

العيد الوطني العراقي بين حقيقة تموز وكذبة تشرين


زكي رضا

الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 02:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


احتفاءً بالأميركي «مستر جارلس كراين»، بمناسبة زيارته بغداد عام 1929 ، القى الشاعر الشيخ محمد باقر الشبيبي (شغل عدّة مناصب دينيّة وسياسيّة) قصيدة كانت إحدى أبياتها تقول: "المستشار هو الذي شرب الطِلا... فعلامَ يا هذا الوزير تُعربدُ؟". وهذا البيت الشعري وصف حالة الدولة العراقية وقتها، مشيرا فيها الى كذبة الإستقلال في تشرين أوّل 1932 بإنظمام البلاد الى عصبة الأمم. والبيت كان دقيقا في وصفه الإستقلال من أنّه شكلي، لأنّ المستشارون البريطانيون ظلّوا يديرون الوزارات والبلاط الملكي حتى صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 ، علاوة على بقاء بريطانيا تدير العراق سياسيا وأقتصاديا مع تواجد عسكري على الأرض كمعسكر الحبانيّة وغيرها.

واليوم، وبعد نحو قرن يعاد إنتاج نفس الكذبة، ولكن هذه المرة ليس بأيدي المستعمر، بل بأيدي من يفترض أنهم أبناء البلد. حين تُفصّل الرموز والأعياد الوطنية على مقاسات المرجعيات والأحزاب والميليشيات، ولا تعبّر عن إرادة الشعب وتطلعاته.

حين استبدلت حكومة المحاصصة ذات الأغلبية الشيعية العيد الوطني العراقي من 14 تموز (1958) يوم الثورة التي أسقطت النظام الملكي، إلى 3 تشرين الأول (1932) يوم الانضمام الشكلي إلى عصبة الأمم، فأنّها لم تكن تريد تصحيح التاريخ، بل كانت فعلًا سياسيًا ذا دلالة واضحة وهي: تغييب يوم الثورة من تاريخ البلاد والعقل الجمعي للجماهير لصالح الدولة الملكية المرتبطة بالانتداب البريطاني وعضويته في عصبة الأمم، بإعتباره عيدا وطنيا!!
إن إنتخابها تاريخ تأسست فيه دولة تحت وصاية، على تاريخ ثورة شعبية أنهت تلك الوصاية، يكشف عن حقد دفين تكنّه القوى الحاكمة والشيعية على رأسها اليوم لثورة تموز، لا سيما أنها وضعت اللبنات الأولى لمشروع دولة مدنية عادلة، قبل أن يتمّ إغتيالها من قبل البعث وبقايا الإقطاع والمؤسسة الدينية وقتها.

لم يكن الضبّاط الأحرار ومنهم عبد الكريم قاسم مجرد ضباط نفّذوا انقلابًا، بل كانوا أصحاب مشروع تحرري تقدمي، اصطدم مباشرة بالمصالح العميقة للمؤسسة الدينية والعشائرية، حين أطلقوا سلسلة قوانين هزّت بنية السلطة التقليدية في العراق كـ : قانون الأحوال الشخصية (رقم 188 لسنة 1959) الذي نظّم الزواج والطلاق والميراث على أسس مدنية، واعتبرته المرجعية الدينية وقتها تجاوزًا على "الشرع"، ومذّاك بدأت المعركة لإسقاطه واستبداله، والتي انتهت لاحقًا بفرض "القانون الجعفري" والمدونة الجعفرية. وقانون الإصلاح الزراعي: الذي وزّع الأراضي على الفلاحين، منهياً سلطة الإقطاع وحلفائه من شيوخ العشائر. وإلغاء قانون دعاوى العشائر: الذي حدّ من سلطة العشيرة في إدارة النزاعات فيما بينها، وأعاد للدولة هيبتها.

هذه القوانين لم تُغفر للثورة، فبعد 2003، جاء "الرد" متأخرًا لكنه واضح من خلال ما نراه اليوم. فقد عادت العشائر إلى الواجهة، وعادت المرجعية لتصوغ القوانين، وعادت الدگة العشائرية من ضمن أعراف عشائرية أخر كالفصول التي وصلت بعضها الى مليارات الدنانير، وتُنشر هذه الفصول صوتا وصورة في وسائل التواصل الأجتماعي كعرف مقبول (هذا يعني ضعف الدولة أو تواطئها مع العشائر والمؤسسة الدينية)، كما صار رأس الدولة نفسه يدافع عنها علنًا من خلال عشيرته، بينما تُقتحم منازل السياسيين والناشطين مثل غالب الشاه بندر، بحجة "تهديد الأمن"، وهي دلالة على غرق العراق في مستنقع العشائرية.

نعتقد أنّ الأمر لا يبدوا مستغرَبًا أن تُطرَح مستقبلاً، إقتراحات من قبل الإسلاميين ورعاتهم في أن يقترحوا بأن يكون يوم ميلاد أحد الأئمة الأثني عشر (ع)، عيدا وطنيّا للعراق.. وبدلاً من عيد وطني يوحد العراقيين حول قيم الاستقلال الحقيقي والعدالة الاجتماعية، يُكرّس عيد وطني رسمي يخدم فئة دينية وحزبية واحدة.

ما قاله الشبيبي عام 1929 لا يزال صالحًا اليوم:"المستشار هو الذي شرب الطِلا... فعلامَ يا هذا الوزير تُعربدُ. فالوزير العراقي (آنذاك والآن) لا يملك سلطة إتخاذ القرار، بل يتلقى أوامره من خارج الحدود، أو من داخل الحوزات والمكاتب السياسية والولائية. فالسيادة كما الأمس مجرد شعار، والاستقلال مجرد وثيقة. أما تموز، الذي مثّل أول محاولة حقيقية لبناء دولة مواطنة، فقد حُذِف من الذاكرة الرسمية مع محاولات لحذفه من الذاكرة الشعبية خصوصا في ظلِّ مدِّ ديني وهيمنة عشائرية وغياب وعي، أو العمل على تغييب الوعي عند الجماهير، من خلال شبكات إعلاميّة واسعة وكبيرة، لأنه أي تموزسعى لبناء دولة لكل العراقيين، لا لدولة طوائف وقوميّات.

لو فرضنا إنّ تموز لم يكن مثاليا، لكنه كان عراقيًا. أما تشرين، فكان شهادة زور على استقلال وهمي. والفرق بينهما هو الفرق بين من يكتب التاريخ بالدم، ومن يكتبه بالحبر الأجنبي.

بلادك أصبحـت وطناً مريباً وأكثر ما يريب بــها يلوحُ
ظلام في سياستنا مخــــيف وظلم فــــــي إدارتــنا قبيح

أبيات من قصيدة للشاعر الشيخ محمد باقر الشبيبي.



#زكي_رضا (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق ... وطن يُدار بالفساد
- العمائم بين القداسة والدمار ..مشاريع إمبراطورية العمائم الأق ...
- اكبر قاعدة امريكية تحمي كل شيء ... الا مضيفها
- على أبواب الانتخابات العراقية ... البرامج الانتخابية حدوتة م ...
- كامل شياع مثقف عضوي
- إنتخابات عراقيّة بآليّات إيرانيّة
- لتكن بان زياد... مهسا أميني العراق
- العراق ... سلطة عصابة أم عصابة سلطة؟
- الشبيبة العراقية ودورها في التغيير
- ظاهرة الرِقْ في العراق
- لا ديموقراطيّة في ظلّ تبعية الدولة في العراق
- عالية إنصيّف من رفيقة في حزب البعث الى علويّة في حزب الدعوة
- كلّنا يا موفق نهيئ للربّ عتاباً
- قمّة بغداد لا تغيّر من الواقع العربي المأزوم شيئا
- البعث الفاشي هو الحزب الذي ساد ثمّ باد
- العملاق الكويتي والقزم العراقي وتعديل قانون الأحوال الشخصية
- متى يخرج العراق من أزماته
- العراق من الديكتاتورية الى الإحتلال الى الأمل فالمحنة
- أيّها الإسلاميّون أنّه سلام عادل
- 8 شباط جرح غائر في جسد العراق


المزيد.....




- وفد حماس يصل القاهرة لبحث التهدئة، وترامب يتحدث عن محادثات - ...
- الحرب على غزة مباشر.. شهداء في غارات إسرائيلية على القطاع وم ...
- كيف قامت حماس بهذه المناورة المذهلة؟
- الانتخابات الأولى بعد الأسد وفي حكم الشرع.. سوريا تجري تصويت ...
- وقف النار في غزة.. نتنياهو بين ضغط ترامب وحلفائه في الحكومة ...
- -ما وراء الخبر- يتناول أول انتخابات بسوريا بعد سقوط الأسد
- صحف عالمية: خطة السلام قد لا تنجح وإسرائيل الخاسر الأكبر إذا ...
- 19 شهيدا في غزة بنيران الاحتلال منذ فجر اليوم
- فتح تعيد القدوة إلى صفوفها بعد 4 أعوام على فصله
- ترامب يوبخ نتنياهو بألفاظ نابية لتشاؤمه إزاء رد حماس


المزيد.....

- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زكي رضا - العيد الوطني العراقي بين حقيقة تموز وكذبة تشرين