أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زكي رضا - كلّنا يا موفق نهيئ للربّ عتاباً














المزيد.....

كلّنا يا موفق نهيئ للربّ عتاباً


زكي رضا

الحوار المتمدن-العدد: 8348 - 2025 / 5 / 20 - 00:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أنابيب البترول تمتد كأذرع الأخطبوط في بلد يتحوّل فيه كل شيء الى رمال، والملك ميداس المؤمن بالله ورسوله وآل بيته الطيّبين الطاهرين واليوم الآخر، يمدّ يده الى النفط فيتحوّل الى ذهب يدخل حساباته البنكية، والأخرى تمتدّ الى رؤوس المؤمنات والمؤمنين فتحوّل حياتهم الى تراب ليتأسّوا مثلما يقول الملك ميداس المؤمن بأبي تراب وزهده!!!

لم يكتفي الملك ميداس المؤمن بإحتكاره للنفط والمرافيء والمنافذ الحدودية وما يدخل ويخرج من خلالها، ولا بأمتلاكه للمستشفيات والمدارس والجامعات والطائرت والمزارع والمصانع، بل طلب من المؤمنات والمؤمنين المعدومين والجوعى أن يدفعوا له الأتاوة ، والتي هي عشرون بالمئة ممّا يملكون وإن كانوا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، كونه يستحصلها رغم أنفهم بقانون مقدّس، متسلّحا بجيوش من "شعيط ومعيط وجرّار الخيط" الذين يحكمون البلاد بإمرته ويذيقون أهلها الذلّ والعذاب.

في أحدى المدن المقدّسة من إقطاعيات الملك ميداس دام ظلّه الوارف، دهست عجلة مظلّلة رباعية الدفع طفل يبيع المحارم عند الإشارات الضوئية، فتجمهر الحفاة ونقلوه في تك تك مجهزّ بكل أدوات الموت الى مستشفى الملك ميداس "الخيري"، هذا المستشفى الذي بناه الملك بأموال هؤلاء الحفاة التي سرقها رجاله. عند باب المستشفى أوقف رجال غلاظ كريهي المنظر، الطفل المصاب ومن معه من الأطفال مدمني الشوارع والأرصفة بحثا عن لقمة خبز في بلد يمتلك كل مقوّمات النجاح التي حوّلها رجال الملك الى خرائب تنعق فيها جكساراتهم المحمّلة بالفاشنيستات الى غرف نوم، مجهزّة وكأنّها علب ليلية بكلّ ما لذّ وطاب.

قف قف، قال احدهم وكأنّه حرس عند باب نظام أحدى المعسكرات وليس مستشفى، فقال له أحد الأطفال: أرجوك أن تعالجوا أخي الصغير الذي دهسته سيّارة مسرعة، ليجيبه ذلك الجلواز قائلا: أذهب الى الأستعلامات وأدفع مالا تحت الحساب، أو أستدعي صاحب السيّارة التي دهسته ليدفع مصاريف علاجه!! نحن لا نملك مالا ولا أعرف أين ذهب صاحب السيّارة التي دهسته، ولكنني سمعت من أنّ هذه المستشفى تكفل الأيتام والفقراء أمثالنا فجئت بأخي اليها. فدفعه الجلواز قائلا أرحل من هنا على الفور، لكنّ الطفل تشبثّ فجأة بيد الجلواز قائلا: هذه السيّارة الواقفة هناك هي التي دهست أخي وآثار الدماء لازالت عالقة بها، فأذهبوا إلى صاحبها عسى أن يقوم بدفع المصاريف، لكن الطفل رأى نفسه فجأة وسط عشرات الجلاوزة الذين أتّهموه بالإساءة للملك ميداس صاحب السيّارة ومالك المستشفى وأشبعوه ضربا.

عاد الطفل الى التك تك فرأى أخيه جثّة هامدة وبيده ورقة يطالبهم فيها بدفنها معه في قبره، فأنطلق التك تك الى وادي السلام. وفي حفرة حفرها الأطفال بأظافرهم، وضعوا فيها الجثّة وأهالوا عليها التراب ورحلوا. ومع غياب شمس ذلك اليوم حضر الملكان منكر ونكير الى حيث لحد الطفل لأستجوابه قبل أن تأتي "لجنة التحقيقات لتوزع عليه قسيمة الأسئلة" كما كلّ الموتى و التي عليه الأجابة عليها بكل صدق والا... .

الطفل شبه العاري والخائف وقف معقود اللسان أمام هول المنظر والملكان ينظران اليه شزرا:
لملكان: من ربّك..؟
لم يردّ الطفل من وقع المفاجأة ، فسألاه ثانيّة وبنبرة فيها الوعيد، من ربّك..؟
الطفل بعد أن أستوعب الموقف قال ربّي من يمنحني كسرة خبز !!
فلطمه أحدهما قائلا: أيّها الكافر الا تعرف ربّك..!؟
الملكان: من نبيّك..؟
الطفل: لا أدري، لكنني أعتقد أنّ أي رجل يمسح على رأسي بحنان ويكسيني هو نبيّي، فلُطِمَ من جديد.
الملكان: ما هو دينك..؟
الطفل: ديني هو أن أشارك أخوتي ما معي على فقره، فلطُم من جديد.
الملكان: كيف كان عملك في هذه الدنيا؟
الطفل: أنا أبيع المحارم عند الأشارات الضوئية...
الملكان: يلطمانه من جديد قائلين، عملك يعني ماذا فعلت في حياتك؟ هل سرقت، هل قتلت، هل خنت الأمانة، هل أغتصبت؟
الطفل: لو كنت قد سرقت لما كنت أبيع المحارم في الشوارع، لتدهسني سيّارة مظلّلة رباعيّة الدفع، ولو قتلت لكنت اليوم في عداد رجال الملك، ولو كنت خائنا للأمانة لكنت اليوم خائنا لبلدي ومرشّحا مستقبليا لمجلس أعيان الملك، أمّا الإغتصاب فلا أعرف منه شيئا، الّا طفولتي كانت مغتصبة بعد أن أغتصب رجال الملك ميداس دام ظلّه الوارف "قالها بتهكّم" حياة الفقراء الذين أنتمي أليهم.

قبل أن يردّ الملكان على الطفل، هبط الملاك جبريل إليهم حاملا رسالة شفهية من الله قائلا لهما، أسألاه عن الرسالة التي في جيب ثيابه الممزّقة ولماذا يخفيها..؟ فأجاب الطفل من أنّها رسالة عتاب الى الله، اسأله فيها عن سبب جوعي وفقري ومرضي، وأعاتبه لأنّه أعطى الملك ميداس الحق في أن يمتلكني وملايين الفقراء كونه من أرومة "مقدّسة"، أعاتبه لأنّه منح الملك صكّا بأستعبادي. ألست طفلا أيها الملاك الطيّب "موجها كلامه الى الملاك جبريل" كما أطفال الملك ورجاله، أليست أمّي كما نساء الملك ورجاله، بلى أجاب جبريل، فردّد الطفل آية "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها"، لكنّ الملك وحاشيته أيّها الملاك الطيّب سرقوا رزقي وهم في غنى مستمر، لأنّ الله "يرزق من يشاء بغير حساب"، وتريدونني أن لا أبعث لله عتابا!!!

أيها الملاك الرحيم، خذ هذه الرسالة التي فيها عتبي الى الرب كما عتاب (حسن) (*)، وأخبره من أنّ جيوش الأيتام والأمّهات الثكلى يرسلون له عتابهم محملّ على الأسمال والعباءات السود التي فقدت لونها لقدمها، عتاب أطفال هدّهم الفقر والمرض، عتاب أمّهات باعن اجسادهن في سوق المتعة والنخاسة في بلد يحكمه ظل لله إسمه الملك ميداس، وموعدنا يوم الحشر حيث المليارات سيرفعون للرب عتابا.

نم قرير العين يا موفّق، فليس حسن لوحده يهيئ للرب عتابا، فها نحن العراقيين نترجم جوعنا وبؤسنا عتاباً للربّ كما هذا الطفل وغيره الآلاف...

(*) حسن ، صديق الشاعر الراحل موفق محمّد الذي هيأ في قبره للربّ عتابا..



#زكي_رضا (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قمّة بغداد لا تغيّر من الواقع العربي المأزوم شيئا
- البعث الفاشي هو الحزب الذي ساد ثمّ باد
- العملاق الكويتي والقزم العراقي وتعديل قانون الأحوال الشخصية
- متى يخرج العراق من أزماته
- العراق من الديكتاتورية الى الإحتلال الى الأمل فالمحنة
- أيّها الإسلاميّون أنّه سلام عادل
- 8 شباط جرح غائر في جسد العراق
- خير البرّ عاجله
- إنهيار المشروع القومي العربي وصعود المشروع العبري
- متى سيبدأ العراق حملته الوطنية لمحاربة الفساد ...؟
- السيّد السوداني يحدّث العاقل بما لا يُعقل
- السيدات السادة في ما يسمّى بالتيار الوطني الكوردي الفيلي.. أ ...
- الكورد الفيليون والمعادلة المضحكة المبكية
- الفرق بين الرقمين 100 و124 حسابيا وبرلمانيا في العراق
- صفقة العار
- هل تتوفر شروط قيام سلطة فاشية بالعراق ..؟
- البيدوفيليا (*) في مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية بالعراق
- أوجه الشبه بين تجربة ١٤ تموز وتجربتي طهران وجاكا ...
- شارع المتنبي في خطر .. ما تبقى من الثقافة في خطر
- الحشد الشعبي في مواجهة فلول داعش بكرّادة بغداد ..!!


المزيد.....




- أستراليا تدعو إسرائيل للسماح فورا بدخول المساعدات إلى قطاع غ ...
- ليبيا.. آمر -اللواء 444 قتال-يكشف تفاصيل جديدة حول مقتل الك ...
- الكرملين: الاتصالات مع أوكرانيا استؤنفت من جديد وهي مهمة للع ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف مدرسة تؤوي نازحين في حي الدرج بغزة (في ...
- وزير الخارجية الأردني: تجويع 2.3 مليون فلسطيني جريمة يجب على ...
- قادة فرنسا وبريطانيا وكندا: -لن نقف مكتوفي الأيدي- إزاء -الأ ...
- الجزائر تتوعد برد مماثل على قرار فرنسا إلغاء إعفاء التأشيرة ...
- الحوثيون يعلنون فرض حصار بحري على ميناء حيفا ويطالبون السفن ...
- المحكمة العليا الأمريكية تؤيد قرار ترامب بشأن ترحيل 350 ألف ...
- الكرملين: بوتين وترامب بحثا الاتصالات بين روسيا وأوكرانيا وا ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زكي رضا - كلّنا يا موفق نهيئ للربّ عتاباً