أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - أتعس الخونة من يبيعون الوطن باسم الوطنية














المزيد.....

أتعس الخونة من يبيعون الوطن باسم الوطنية


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 12:55
المحور: قضايا ثقافية
    


في ظلال التاريخ يقف العراق مثخنًا بالجراح، كأنّه ساحة من الرماد تعلوها أعشاب الدم، يهمس نهره الحزين بمراثٍ لا يسمعها إلا من عاش الخيانة ورأى كيف يتحول الوطن إلى بضاعة في سوق الطامعين. هناك رجال ولدوا في رحم الأرض، وأرضعتهم نخيلها، ثم قاموا على حين غفلة فباعوا أمّهم الأولى في سوق السياسة، وهم يظنون أنّهم أبطال. وما كان العار يومًا بطوليًا، ولا صارت الخيانة تاجًا يُتوَّج به الجبناء.الخيانة في العراق لم تكن طعنة في ظهره وحسب، بل كانت تمثيلية كبرى، يجلس فيها الخائن على خشبة المسرح متباهيًا، بينما يصفق له المضلَّلون وهو يذبح الوطن على مهل. الخيانة هنا ليست مجرد خيانة أرض، بل هي خيانة النهر الذي سقانا، والسنابل التي شبّت في الحقول، وخيانة صوت الأذان في المآذن، ودموع الأمهات اللواتي ما زلن ينتظرن أبناءً عادوا جثثًا أو لم يعودوا أبدًا.أتعس الخونة هم أولئك الذين اعتقدوا أن الوطنية مجرد شعار يُعلَّق على صدورهم في المناسبات، وأن الأوطان حقول يمكن اقتسامها مع الجار الطامع. هم الذين باعوا العراق بدم بارد، بعد أن استغفلوا الناس بخطابٍ ملفوف بالوعود، وأغرقوهم بشعارات جوفاء عن الحرية والسيادة، ثم قدموا أرض الرافدين قربانًا لمن مدّ يده بالفضة والوعود المسمومة.لقد كان العراق في نظرهم مجرد خريطة تُطوى وتُفتح على مائدة الغرباء. جلسوا على موائد الليل يوزّعون مياهه وجباله، يبيعون نخيله ويقايضون نساءه في سوق المهانة. وما كان الجار سوى ذئب جائع، أُدخل الدار بحجة المصاهرة، ثم استقرّ في القلب وصار سيدًا على البيت. وهل من خيانة أبشع من أن يكون الخائن هو من ادّعى أنّه الحارس؟هؤلاء الذين سرقوا الحرث والنسل لم يكونوا مجرد ضعفاء، بل كانوا متواطئين مع جوع الطامعين. لم يكتفوا ببيع النفط والموانئ، بل باعوا ما هو أثمن: الذاكرة، التاريخ، الحلم، وحتى المستقبل. لقد جعلوا دماء الشهداء ماءً رخيصًا، وجعلوا مقاومة المحتل فعلًا لا جدوى منه، وجعلوا الولاء للخارج أعلى من الولاء للوطن.كانوا يُشبهون ممثلين بائسين في مسرحية رديئة، يظنون أنّ تصفيق الناس اعتراف ببطولتهم، فيما يعرف الجمهور في أعماقه أن ما يحدث ليس إلا مأساة، وأن الأبطال الحقيقيين سقطوا قبل أن يُفتح الستار. هم أتعس الخونة، لأنهم لم يكتفوا بالخيانة، بل تجمّلوا بها وزعموا أنّها وطنية، وكأن الدماء التي سالت عبر قرون لم تكن إلا مجرّد طلاء أحمر يزيّن شعاراتهم.العراق يعرفهم، يعرف وجوههم وأسماءهم وخطواتهم. يعرف كيف يبتسمون أمام الكاميرات، وكيف يذرفون دموع التماسيح على الشهداء، ثم يهرولون ليمسحوا أيديهم بموائد الغرباء. يعرف أنّهم لم يأتوا من خارج الحدود، بل خرجوا من صلبه، وكانوا جزءًا من نسيجه، لكنهم قطعوا بأنفسهم خيط الانتماء، واختاروا أن يكونوا أحجارًا في يد الغزاة.أتراهم يظنون أنّ الذاكرة العراقية قصيرة؟ ...أن دموع الأمهات تجفّ بسهولة؟ أن الأرض التي ارتوت بالدماء يمكن أن تُمحى ذاكرتها؟ العراق، على امتداد أنهاره وصحرائه، يعرف أنّ الخيانة لا تورث إلا اللعنة، وأن أسماء هؤلاء ستُكتب بالعار، وتُلفظ كما يُلفظ الغبار في الريح. وإن رفعوا أعلام الوطنية يومًا، فستظل راياتهم ملطخة بخيانة لا يغسلها نهر دجلة كله ولا فرات بأكمله.أيها الخونة المتوجون بالزيف، لقد ظننتم أنكم أبطال حين بعتُم العراق، لكنكم لا تعلمون أن البطولة لا تُشترى من أسواق السياسة، ولا تُقاس بعدد الكراسي والمناصب، ولا تُزينها كلمات صاخبة في خطب جوفاء. البطولة الحقيقية تُصنع بدماء المخلصين الذين رحلوا بصمت، بينما أنتم عشتم على صفقاتكم القذرة، وتركتم البلاد تنزف حتى جفّ عرق الفلاح، وبكى النخيل، وخفتت أصوات الأطفال في الأزقة.ستبقى صوركم معلّقة في متاحف العار، وستبقى أسماؤكم مرادفة للخيبة والخيانة، فيما يبقى العراق – رغم كل ما فعلتم – صامدًا، لأن الأرض التي أنجبت الأبطال قادرة على أن تنجب من جديد، وأن تُسقط أقنعة الزيف عن وجوهكم، وأن تعلن في كل حين أنّ أتعس الخائن ليس من باع وطنه فقط، بل من باعه وهو يعتقد أنّه بطل وطني.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق بين عقدة الماضي وامتحان المستقبل
- انحنى الحجر وظل النور قائماً
- -المذبوحون باسم الله-
- -الطرق التي تبكي تحت أقدام الغائبين-
- دواء الروح بين كأس الحكمة وأفعى المعرفة
- عامل السكراب
- عطر الكتب القديمة… حوار بين الغبار والخلود
- مكتبة الأسرار الكونية
- بغداد حين تعيد للعتمة صوتها.. مسرح الطيب على ضفاف دجلة
- البؤس العربي وفقدان الحياء: صرخة في وجه الرذيلة
- -بين دم الأرض وحديد السماء: تأملات في صراع القوى ومآل الإنسا ...
- نهداكِ… حين يغنّي البنفسج
- تراتيل الرماد فوق معبد اليورانيوم المكسور
- أشباح الموت في وطن الطوائف
- دول المذهب وعرش الدم
- كارثة الأشباح والعبيد في عراق الهدر
- ملحمة السيوف والنار… ذكرى الرد العراقي على العدوان الإيراني
- -مهرجان بغداد السينمائي… احتفال بالصدى الفارغ-
- مأساة المبدع بين حياةٍ يُغتال فيها وموتٍ يُستثمر فيه
- موازنة 2025… لمن ذهبت؟ بجيب الفأر أم بجيب الجار


المزيد.....




- إريك داين نجم مسلسل -Euphoria- سيُقاتل -حتى آخر نفس-.. لهذا ...
- فيديو متداول لـ-أسطول الصمود في اتجاه غزة-.. هذه حقيقته
- ترامب يوقع أمرًا تنفيذيًا يعتبر أي هجوم على قطر تهديدًا لأمن ...
- رأي.. إردام أوزان يكتب: السيادة على الطاقة في عصر الانقسام.. ...
- ما هي مخاطر الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التخطيط لرحلتك ...
- الفلبين: ارتفاع حصيلة ضحايا الزلزال إلى 69 قتيلًا و150 مصابً ...
- -اقبلها أو نتركك-.. ترامب يواجه نتنياهو بلغة -غير مسبوقة- في ...
- +++ احتجاجات شبابية في المغرب تتحول إلى أعمال عنف+++
- الجيش الإسرائيلي يغلق شارع الرشيد ويطبق الخناق على مدينة غزة ...
- ما هو موقف الإسرائيليين من اعتراف عدد من الدول الغربية بالدو ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - أتعس الخونة من يبيعون الوطن باسم الوطنية