محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8480 - 2025 / 9 / 29 - 09:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن الدين لم يكن يومًا غريبًا عن حياتنا ولا طارئًا على وجداننا. هو في صميم نسيجنا الثقافي والروحي، يشبهنا بقدر ما نشبهه، ويمدنا بالقيم التي تشكّل جوهر إنسانيتنا: العدل الذي يوازن بين الحقوق والواجبات، الرحمة التي تداوي قسوة العالم، الصدق الذي يحرر الإنسان من زيف الأقنعة، وكرامة الإنسان التي هي أقدس من كل سلطان. هذه المعاني الكبرى هي التي أبقت مجتمعاتنا حيّة، رغم ما مرّ بها من محن وتقلبات.
لكن ما نرفضه، بكل وعي ومسؤولية، هو أن يتحوّل الدين من معين للقيم إلى أداة للوصاية، ومن نافذة للروح إلى قيد للعقل. نرفض أن يُستعمل كعصا تكمّم الأفواه، أو درع يبرر الاستبداد والتسلط. نرفض أن يتحدث البعض باسم الله وكأن لهم وكالة حصرية عليه، فيوزعون صكوك الغفران والتكفير، يرفعون هذا ويُسقطون ذاك، وكأن الإيمان أصبح رخصة تمنح وتُسحب على مقاس الأهواء.
إن الدين أوسع من أن يُختزل في شعار سياسي، وأسمى من أن يُستغل لمطامع ظرفية. هو نهر ممتد في ضمير الإنسانية، لا يليق أن يُحبس في قنينة حزبية، ولا أن يُشوَّه بفتاوى موسمية تعكس قلق اللحظة أكثر مما تعكس روح الرسالة. لقد علّمنا التاريخ أن الذين استعملوا الدين للهيمنة لم يسيئوا إلى خصومهم فقط، بل أساؤوا إلى الدين ذاته، حين جعلوه مطيّة لمصالح ضيقة بدل أن يظل فضاءً للعدل والرحمة والحرية.
من هنا، فإن مطلبنا بسيط وعميق في آن واحد: دولة مدنية تحترم الدين دون أن تتاجر به، دولة تصون كرامة مواطنيها وتضمن حرياتهم، فلا فرق بين هذا وذاك بسبب معتقد أو فكرة أو اختيار. فالدين، إذا أُريد له أن يكون صادقًا مع ذاته، لا يمكن أن يكون سوطًا على البشر، بل ضوءًا يفتح لهم أبواب الحياة.
نحن نطالب بمواطنة كاملة، وعدالة شاملة، وكرامة مصانة، لأننا نؤمن أن الدين الحق لا يناقض هذه القيم، بل يباركها. ونقولها بوضوح لا التباس فيه: نحن مع الدين لا مع من يستغله، ندافع عن الدين لا عن أدعيائه، فالإيمان يسكن القلب ويُترجم في العمل الصادق، لا في المنابر التي تلوّح به كسلعة في سوق السياسة. نحترم الدين بقداسته، ونرفض كل تسلط باسمه، لأن من أراد أن يحتكر السماء إنما يكشف عجزه عن العيش بكرامة على الأرض.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟