محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 16:56
المحور:
القضية الفلسطينية
من أكثر ما يعتصر القلب أن ترى قضية عادلة تُحاكم أمام محامٍ فاشل وفاسد. هذه هي مأساة فلسطين، قضية مقدسة وأرض مغتصبة، لكن من يقف في الصفوف الأمامية لتمثيلها أشخاص لا يملكون من النزاهة إلا الشعارات، ولا من الكفاءة إلا المظاهر.
معظم كفاءات الشعب الفلسطيني، من العلماء والمثقفين والأطباء والمهندسين وأصحاب الخبرة، يقفون اليوم خارج إطار التنظيمات. هؤلاء الذين كان يمكن أن يكونوا وقود النهضة ورافعة المشروع الوطني أُقصوا، أو انسحبوا، أو صمتوا، لأن الساحة لم تعد تتسع إلا للولاء الأعمى أو الانتماء العشائري الضيق.
أما التنظيمات التي كان يُفترض أن تكون الحارس الأمين للقضية، فقد تحولت إلى ملاذ للفاسدين والمفسدين. نسبة كبيرة ممن يتصدّرون مواقع القرار غارقون في مصالحهم الشخصية، يتاجرون بالدم والدمع، يرفعون رايات البطولة في النهار ويعقدون صفقات الظل في الليل. كأن فلسطين مجرد وسيلة لتكريس النفوذ، لا أمانة تُحمل على الأكتاف.
نشاهد اليوم بعض الأشخاص ينامون في حضن الجمعيات، يسرقون وينهبون باسم الشعب الفلسطيني، ويعملون ويتواطؤون ضد شعبهم، بقصد أو بغير قصد، ثم يُنَصِّبُ الواحد منهم نفسه مديراً للجمعية، كأنه المخلّص، وهو في الحقيقة أحد أسباب الخراب.
أما التنظيمات فلم تعد تضم جنوداً بسطاء يقاتلون بإخلاص، بل تحولت بأكملها إلى رتب عسكرية عالية. ترى عقيداً هنا، وعميداً هناك، ولواءً هنالك، حتى أصبح الجميع جنرالات، بلا جنود، بلا ميدان، بلا معركة. إنها ألقاب فارغة، أشبه ببدلات عسكرية تلمع في غياب الدماء الحقيقية التي تروي الأرض.
إنها أشبه بمأساة إنسانية تُدار بعقلية العصابات. التنظيمات بمعظمها، لم تعد إلا جماعات عائلية وعشائرية، كلٌّ يحمي أبناءه، ويوزع الغنائم على أقاربه،
وكأن دماء الشهداء إرثٌ يُورَّث، لا تضحياتِ شعبٍ بأكمله.
في هذا المشهد القاتم، تتلاشى صورة القضية العادلة. العالم ينظر إلى فلسطين، فيرى الانقسام، يرى التخبط، ويرى المحامي الفاشل وهو يرفع صوته في قاعة المحكمة بينما يبيع أوراق القضية في الخفاء. والنتيجة أن فلسطين تخسر رصيدها الأخلاقي، لا لأنها غير عادلة، بل لأنها تُدار بأيدٍ غير أمينة.
وهكذا يظل الفلسطيني البسيط يحمل جرحه بصمت، يعيش بين مطرقة الاحتلال وسندان الفساد الداخلي. لا يجد من يمثله بصدق، ولا من يذود عن حقه بإخلاص. يبقى وحده، أعزل، كأن قضيته باتت تنتظر جيلاً جديداً من المحامين الشرفاء، قبل أن يطويها التاريخ كأجمل قضية ضاعت بأردأ ممثلين فاسدين.
[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟