أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناضل حسنين - كولومبيا تصرخ... والعرب يبتلعون ألسنتهم














المزيد.....

كولومبيا تصرخ... والعرب يبتلعون ألسنتهم


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 03:06
المحور: القضية الفلسطينية
    


في سيرك الأمم المتحدة، حيث يتقافز المهرجون الدبلوماسيون بأقنعة القلق الحريرية، وحيث كل شيء معروض للبيع بدءاً من القرارات وانتهاءً بالضمائر، نهض فجأة رجل لم يأتِ من حاراتنا المألوفة. رجل من كولومبيا، تلك البلاد التي لا نذكرها إلا حين نشتهي قهوة مرة كأيامنا، أو حين نحلم بخصر راقصة سالسا يتمايل كأحلامنا الضائعة. اسمه جوستافو بيترو، رئيسهم الذي قرر، دون استئذان، أن يبصق في بئر صمتنا الجماعي.
لم يلقِ شعراً ولم يخطب كقادة التحرير على ظهور الخيول. ببساطة فلاح يرى الذئب ينهش غنمه، خلع حذاءه الدبلوماسي ودق به على رؤوس الجميع. قال إن نتنياهو "مجرم حرب"، وكأنه يصف لون قميصه. مسح وجوه الغرب المعطّرة بوحل الجريمة، وصرخ في الميكروفون أن يتوقفوا عن عدّ الجثث في غزة وكأنها أرقام يانصيب. لم يكن خطاباً، كان فضيحة. فضيحة فجّرت صدور الصمت العربي التي انتفخ بغازات الخوف حتى ظنناها ستحدث دمارا شاملا حين تنفجر، فإذا بها مجرد صفير من ثقب عربي عديد الوظائف.
وفوراً، وكالفئران التي تخرج من جحورها عند أول هزة، ركض "خبراء تجميل الهزيمة" في استوديوهاتنا المكيفة. هؤلاء الذين يرتدون ربطات العنق ككمامات تمنعهم من استنشاق رائحة الحقيقة، أطلقوا رصاصتهم الوحيدة: "شعبوية!". يا إلهي! "الشعبوية" هي الكلمة-الواقي التي يرتديها العجز الفكري والسياسي لممارسة العهر الدبلوماسي بأمان. هي حبة الفاليوم التي يبلعها الزعماء كي لا يضطروا للنظر في المرآة، ولكي يخبروا شعوبهم أن ألسنتهم لم تُقطع، بل هي في إجازة مرضية طويلة.
بيترو لم يأتِ ليحرر فلسطين قبل نشرة أخبار التاسعة. لم يكن يحمل عصا موسى. كل ما فعله هو أنه أخذ الهمس الذي نتبادله على أرصفة العجز وفي مقابر أحلامنا، وحوّله إلى صرخة مدوية في وجه العالم: "فلسطين تُغتصب على الهواء مباشرة، القاتل تعرفونه، والشهود أنتم!". هذه جملة، يفهمها الجميع، من بائع الفلافل حتى أستاذ الجامعة، أصبحت كابوساً يطارد قصورهم المذهبة، لأنها عرّت الحقيقة المرة: أن السلاسل التي تقيدنا ليست من فولاذ العدو، بل من حرير خنوعنا.
من السهل دائماً أن تتهم من يصرخ "حريق!" بأنه يفسد هدوء المكان. لكن عندما يكون جسدك يحترق، فالصراخ ليس خياراً، بل هو آخر دليل على أنك ما زلت حياً. بيترو لم يزايد، بل وقف على منصة العالم، خلع قفازاته، وأشار بإصبعه: "هذا دم، وهذه جريمة". وهذا وحده فعلٌ يخصي ألف بيان "قلق" و"شجب" يكتبه العرب بحبر ممزوج بماء وجوههم.
المأساة الكبرى، الكوميديا السوداء التي تليق بنا، هي أن رجلاً من قارة الثورات الميتة والرقص الحزين، حمل قضيتنا على ظهره كصليب، ومشى. بينما نحن، أحفاد الفاتحين والشعراء، جلسنا في صالة الانتظار، نراقب المشهد على الشاشة، ونتساءل متى سيبدأ عرض الإعلانات. لم يكن خطابه مرآة، بل كان مسماراً صدئاً خُرق به جدار الصمت، فتدفق منه كل القيح الذي كنا نخفيه.
ربما لن يغير هذا البصاق الكولومبي مسار التاريخ، ولن يوقف رصاصة واحدة. لكنه فعل ما هو أبشع: لقد أفسد علينا متعة الموت بصمت. أثبت أن كلمة حق واحدة، حتى لو قيلت بلكنة أجنبية، يمكن أن تجعل تاريخاً كاملاً من الخطب الرسمية يبدو كنكتة سمجة في جنازة.



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقوبات المستوطنين: تبرئة الدولة وتجاهل جوهر المشكلة
- مثقفون بسقف واطئ
- أهو دعاء أم عتاب لطيف؟
- العالم العربي: طفل تصفعه اسرائيل متى غضبت
- الحضارة بين الإنتاج والحضانة
- أمة بلا سؤال.. أمة بلا مستقبل
- كيف يصوت الناخب العربي في إسرائيل ولماذا؟
- راحة الإعتراف أمام الغرباء..
- نسير إلى الأمام وعيوننا نحو الخلف
- أخلاق بلا وحي
- غزة: مقبرة الصحافة وصمت العالم
- تحليل: العالم يعيد كتابة الرواية
- ما وراء نوايا احتلال مدينة غزة
- فكر معي: هل نعبد الله حبًا أم طمعًا؟
- حل الدولتين: ستار دخان على فضيحة أخلاقية عالمية
- لماذا يكتب مستقبل فلسطين بغير الحبر العربي؟
- رحيل عبقري لم يعرف التنازل في حياته..!
- العرب يرقصون وغزة تحترق
- فلسطين: فضيحة العرب
- المسجد والكنيسة.. كلاهما بيتنا


المزيد.....




- دراسة تزعم أن حسابات المراهقين على إنستغرام لا تزال تعرض محت ...
- الاحتلال يقتحم نابلس وقلقيلية ومقاومون يستهدفون آلية عسكرية ...
- حماس تستنكر دعوة عباس لتسليم سلاح المقاومة
- جيمس كومي.. توجيه اتهامات لرئيس FBI السابق في تصعيد -غير مسب ...
- ترامب يوقع أمر بيع -تيك توك-.. الرئيس الأميركي: اتفاق وشيك ب ...
- مقتل 5 عناصر من قسد بهجوم مسلح نفذته خلايا تنظيم -داعش- في ر ...
- إسرائيل تشن أوسع هجوم على صنعاء -انتقاما من مسيّرة إيلات-
- روسيا والصين تدعوان مجلس الأمن لمنح إيران ستة أشهر إضافية قب ...
- -أسطول الصمود- يرفض إنزال المساعدات في قبرص ويصر على التوجه ...
- الحرب على غزة مباشر.. غارات متواصلة وترامب يتحدث عن صفقة -قر ...


المزيد.....

- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناضل حسنين - كولومبيا تصرخ... والعرب يبتلعون ألسنتهم