أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - أن تكون كوردياً: شهادة لا تُمحى على جبين التاريخ















المزيد.....

أن تكون كوردياً: شهادة لا تُمحى على جبين التاريخ


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 09:48
المحور: القضية الكردية
    


ليست المسافة بين القمر والأرض هي الأبعد، بل المسافة بين وعودهم ووعودنا. بين ما يُقال في أنقرة وما يُكتب بالدم في ديار بكر. بين صمت السفارات وصرخات الأمهات اللواتي لم يعدن يعِدنَّ أبناءهن من السجون، ولم تعد الأرض تعرف رائحة قبورهم. هناك، حيث الجبال تبكي حجراً ونباتاً، وهناك حيث اللغة تُقتل قبل المتحدث بها، هناك بالضبط تبدأ قصة الكوردي — ليس كقومية، بل كشهادة إنسانية على وحشية لا تنتهي.

من قال إن الإنسان يُولد مرة واحدة؟ الكوردي يولد كل يوم. يولد حين يستيقظ باسمٍ ممنوع، ولغةٍ مهددة، وهويةٍ تُعتبر خيانة. يولد وهو يعرف أن الاعتراف به قد يُعدّ جريمة في دولة تبني مجدها على نفيه. لكن في كل زاوية من هذه المعاناة، تظهر أيدي تلوح من بعيد، وأصوات تهمس: "سيتغيرون"، "ستأتي ساعة التفاهم"، "ربما هذه المرة يكون الأمر مختلفاً". نعم، هناك من يَتَوَهَّمُ، او يرِيد أن يُوَهِّمَنَا، بأن تركيا ستغير يوماً ما سياستها تجاه الكورد، وأنها ستتقدم نحو الاعتراف بوجودنا كشعب له لغته وثقافته وحقوقه. لكن هؤلاء نسوا، أو تناسوا، ما يردده بعض أركان الدولة التركية علناً حتى اليوم: "لن نسمح بكيان كوردي ولو على سطح القمر". نعم، القمر! لا يكفي لهم أن يمنعوا الكورد من إدارة قراهم، بل يتخيلون أن وجودنا في الفضاء نفسه تهديدٌ لكيانهم المأزوم.

نحن، الكورد ذوو القلوب الطيبة، الذين آمنّا مراراً وتكراراً بشعارات الوحدة والأخوة، نحن الذين أعطينا الثقة بينما كانت السيوف تُشحذ في الخفاء، نحن الذين تم خِداعنا منذ أن استوطن من جاءوا من الشمال أراضينا، واستعمروها عبر قرون، ثم أعادوا كتابة التاريخ ليجعلونا غُرباء في ديارنا — علينا أن لا ننسى. لا ننسى كيف حوّلوا القرى إلى رماد، وكيف حوّلوا الأطفال إلى أيتام، وكيف حوّلوا الحزن إلى وطن. فَذَكِّر، فلعل الذكرى تنفعنا. فالنسيان ليس ضعفاً فقط، بل خيانة للشهداء، وللتاريخ، وللأجيال القادمة التي ستسأل: لماذا لم تقاوموا؟ ولماذا آمنتم بالوعود مرة بعد مرة؟

هل تسمعون صوت الضحكة المرة تلك التي تخرج من فم الكوردي حين يُخبره المسؤول التركي بأنه "أخوه"؟ إنها ضحكة تعرف التاريخ. تعرف كيف كانت القرى تحترق واحداً تلو الآخر، وكيف كان الجندي يُدخل البنزين إلى بيت العجوز ثم يشعله وهو يضحك. تعرف كيف كانت تُبيد القُرى وكيف كانت المحاكم العسكرية تصدر الأحكام قبل محاكمة المتهم، وكيف كان التعذيب في سجن ديار بكر ليس عقوبة، بل سياسة. سياسة صُمّمت لتُفقِد الإنسان اسمه، ولغته، وصوته. لتُعيد تشكيله تركياً، ولو على حساب روحه. لكنهم نسوا أن الروح لا تُستعمر. نسوا أن الجسد، رغم كل السياط، لا ينسى من أين جاء، وماذا يحمل في أعماقه من أغاني الأمهات وأسماء الآباء.

تقول المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان كلمتها: نعم، تم الاغتصاب. نعم، تم تعذيب النساء أمام أطفالهن. نعم، أجبر الناس على أكل البراز. نعم، هذا حدث، وهذه ليست شائعات، بل وثائق. لكن أنقرة تضحك وتواصل السير. لأن القانون عندهم ليس للعدل، بل للأقوى. والقوة عندهم ليست في الدستور، بل في البندقية، وفي القرار، وفي التعتيم. أما الكوردي، فهو لا يملك سوى ذاكرته. لكن هذه الذاكرة، أيتها الدولة، أقوى من دباباتك، وأبقى من مؤسساتك، وأصدق من خطابات رئيسك.

لقد خدعونا كثيراً. خدعونا باسم الوحدة، باسم الوطن، باسم الأخوة في الدين. بينما كانوا يبنون جدراناً داخل الجسد الواحد. خدعونا بوعود الإصلاح وان الجمهورية لنا جميعاً، ثم أعادوا بناء نفس النظام بوجه جديد. اليوم يقولون "حل سلمي"، ويرسلون الطائرات إلى جبال قنديل وكوباني وعفرين. اليوم يتحدثون عن "التنوع"، ويسجنون المعلم الذي علّم الأطفال حرف (غ،خ=X). نحن، أصحاب القلوب الطيبة، الذين آمنا مراراً بأن النوايا يمكن أن تتغير، بدأنا نفهم: لا تثق باليد الممدودة إذا كانت الأخرى لا تزال تمسك السكين.

ولن ننسى. لن ننسى من قتلنا، ومن حرّق قرانا، ومن منع لغتنا في المدارس، ومن حوّل اسم "كوردستان" إلى كلمة محرمة. لن ننسى لأن النسيان خيانة. لأن النسيان هو ما يريدونه. لأن النسيان هو بداية الاستسلام. لكننا، رغم الألم، لم نستسلم. بل حوّلنا الألم إلى وعي، والظلم إلى وَعد. وَعدٌ بأننا لن نكون مجرد رقم في إحصائية، ولا صوت خافت في زاوية، ولا شعب بلا تاريخ.

وإن كانت هناك رسالة يجب أن تُرسَل إلى كل من يعيش على هذه الأرض، فهي هذه: شمس الكورد ستشرق. سواء أحببتم ذلك أم كرهتم. سواء أغلقتم المدارس أم فتحتموها. سواء أقرعتم الدساتير أم أبقيتموها مخطوطة بالدم. لا يمكن أن تستمر دولة على الكراهية. لا يمكن أن يقوم نظام عادل على نفي شعب كامل. لذلك، لا خيار أمامكم إلا أن تُعيد بناء نفسها من الصفر. لا يمكن للدولة أن تُبنى على عرق واحد، ولا للدستور أن يُكتَب بلغة واحدة فقط. يجب أن تسقط المركزية، تلك الوحشية البيروقراطية التي تُحكم القبضة من العاصمة على كل شيء. يجب أن يُعترف بأن هذه الأرض مشتركة. مشتركة بيننا جميعاً، بين الجميع الذين عاشوا هنا، وعانوا، وبقوا.

ويجب أن يُنص في دستور جديد، دستور إنساني، دستور حياة، على أن اللغة الكوردية ايضاً لغة رسمية، وعلى أن التعليم يجب ان يكون باللغة الكوردية ايضاً. ليس تفضيلاً، بل عدالة. ليس منّة، بل حقاً طبيعياً. لأن من يمنع لغة شعبه، يمنعه من أن يفكر بحرية، ومن أن يحلم بكرامة.

فإذا أردتم أن تعرفوا من هم الأتراك حقاً، فكونوا كوردياً ليوم واحد. فقط يوم واحد. سترون كيف يُعامل المرء لأنه ينطق باسم قريته. كيف يُسأل عن انتمائه قبل أن يُسأل عن اسمه. كيف يُنظر إليه كخطر قبل أن يُنظر إليه كإنسان. وحينها، ستعرفون أن الخالد مانديلا لم يكن يتكلم عن سياسة، بل عن إنسانية مكسورة.

لكن اعلموا أيضاً: لا يمكن لدولة أن تبني مستقبلها على جماجم الشعوب. ومهما طال الليل، فالصبح آتٍ. ومهما كبر الجدار، فالشروق يعبر من شقوقه. ونحن، يا من تظنون أنكم تحكمون، نحن الذين نحمل الشمعة في العتمة، سنظل نمشي، حتى لو كان الطريق طويلاً، وحتى لو كانت الخطوة بطيئة. لأننا لا نمشي من أجل أن نصل فقط، بل من أجل أن نثبت أننا موجودون. وأن وجودنا ليس خطأ. وأن كورديتنا ليست عاراً، بل شرفاً. شرفاً لا يُستَرد بالسلاح فقط، بل بالذاكرة، وبالحق، وبالكلمة التي لا تنكسر.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنقرة والخوف من الظل الكوردي
- رقصة الأقنعة على رمال الشرق المتحركة
- رؤية في دهاليز السياسة: حينما يصبح الحل هو الُمشكل
- صدى الروح في ميزان الشرق: جدل السياسة والإنسان
- الصواريخ لا تُنبئ بالسلام.. والدم الكردي ليس وقوداً للهيبة
- نحو وطنٍ لا يُبنى على أنقاض الهوية: بين فيدرالية الحقوق وخيا ...
- صدى الدم في قاعة الانتخابات: عندما تُكتب الديمقراطية بدموع ا ...
- سوريا في مفترق طرق: بين الأيديولوجيا والتقسيم
- الظل والضوء: حين يُستدعى التاريخ ليحاكم الحاضر
- صمت الدم: حين تُكتب الخريطة بدم العلويين والدروز…
- العرش والثور: حين يصير القصر حظيرةً والسلطةُ سرابًا
- الصورة التي نستحقها: في الفلسفة البصرية للبقاء
- صراخ الأرض: عندما ترفض الأصوات أن تُسكت
- الرُّوح المُنهكة: حين يُصبح الوجودُ تمرّداً في أرضٍ فقدتَ حل ...
- الريح لا تُمسك بالأسوار، والشعب لا يُهزم بالصمت
- حين تبكي الجبال وتحتضر الرمال
- الهوية التي تكسر حدود الاستعمار: الكورد وقضية الأرض
- صدى العهد والتفويض الثائر: صوت كوردي في رحلة دستور وأرض
- في حضرة الجغرافيا المنسيّة: الكورد بين جذور الأرض وخرافات ال ...
- أطياف الخراب وصهيل الأوهام: سوريا بين سندان التاريخ ومطرقة ا ...


المزيد.....




- رئيس وزراء مالطا: سنعترف رسميا بدولة فلسطينية خلال الجمعية ا ...
- بن غفير يطالب باعتقال -محمود عباس- فورا!
- -هيئة الأسرى- ونادي الأسير: ندعو عائلات معتقلي غزة إلى التوا ...
- في فرنسا.. لكن القلب في غزة: حكايات لاجئين من تحت الركام
- قصة الشرع وأميركا من مطلوب بـ10 ملايين إلى منصة الأمم المتحد ...
- قصة الشرع وأميركا من مطلوب بـ10 ملايين إلى منصة الأمم المتحد ...
- بعد الاعتراف التاريخي بفلسطين.. بريطانيا تقود حراكاً في الأم ...
- حماس.. إعدام بحق ثلاثة أشخاص في غزة بتهمة -التخابر مع الاحتل ...
- الاحتلال يقتحم جامعة بيرزيت وينفذ اعتقالات في نابلس وجنين وا ...
- -يوم فلسطين- في الأمم المتحدة.. العالم يجتمع لتنفيذ حل الدو ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - أن تكون كوردياً: شهادة لا تُمحى على جبين التاريخ