بوتان زيباري
الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 23:20
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
في مسرح الأقدار، حيث تتراقص الأمم على حبال المصالح وتتصارع الإرادات، تولَدُ الأوهام لتموت الحقائق. لقد أُسدِل الستار على زمن القطبين، ليُخلَق عدوٌ جديد، شيطانٌ وهمي يُبقي على دوران آلة الحرب، ويُبقي على الخوف سيد الموقف. فكان "الإسلام الراديكالي" هو القناع الذي ارتداه العالم ليبرر غزواته، ويُشعل الحرائق في ديارنا، فاحترقت أفغانستان والعراق بنيرانٍ لم تُوقدها أيديهما.
وها هي سوريا اليوم، أرض الحضارات، تقف على حافة هاوية سحيقة، ممزقة بين حلم الخلاص وكابوس الواقع. لقد سقط الطاغية، لكن ظله بقي أثقل من جسده، فجاء من يرتدي عباءة الدين ليحكم باسم السماء، ويمارس على الأرض أفعالاً لا ترضي أرضاً ولا سماء. لقد استُبدل القيد بقيدٍ أشد، والسجان بسجانٍ أعتى، فباتت الحرية التي نادى بها الثوار حلماً مؤجلاً، وبات الوطن جرحاً مفتوحاً ينزف دماً وكرامة.
إن الفيدرالية ليست مجرد خيار سياسي، بل هي طوق نجاة أخير لسفينة توشك على الغرق. هي اعترافٌ مرير بأن جراح الماضي أعمق من أن تلتئم بوعودٍ جوفاء، وأن التنوع الذي كان مصدر قوة، بات اليوم ذريعة للتقسيم. فإما أن نقبل بالتعايش في بيت واحد بغرف متعددة، نحترم خصوصية كل فرد فيه، وإما أن ينهار البيت على رؤوس الجميع، ليتحول إلى أنقاض تتناثر فوقها رايات الطوائف والأعراق.
إن تركيا، التي حلمت بعودة أمجاد السلطنة على الأراضي السورية، ستجد أن النار التي أشعلتها في بيت الجيران، ستمتد حتماً لتحرق ثوبها. فاللعب بمصائر الشعوب هو لعبٌ بالنار، ومن يزرع الريح في أرض غيره، لن يحصد في أرضه إلا العاصفة. إن مستقبل المنطقة يُرسم اليوم بأقلام القوى الكبرى، ومن لا يملك قلماً ليشارك في الكتابة، سيتحول إلى مجرد سطرٍ في صفحة مؤلمة من التاريخ.
إن الخلاص لا يأتي من الخارج، بل ينبع من الداخل. يبدأ حين نحب بعضنا البعض، حين ندرك أن عدونا الحقيقي ليس من يختلف عنا في الدين أو العرق، بل من يسرق منا إنسانيتنا ويزرع في قلوبنا الكراهية. فهل ندرك الحقيقة قبل فوات الأوان، أم سنظل نرقص رقصة الأقنعة على رمال شرقنا المتحركة، حتى يبتلعنا الرمل وتتلاشى الأقنعة؟
#بوتان_زيباري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟