أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - بوتان زيباري - العرش والثور: حين يصير القصر حظيرةً والسلطةُ سرابًا














المزيد.....

العرش والثور: حين يصير القصر حظيرةً والسلطةُ سرابًا


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8431 - 2025 / 8 / 11 - 17:17
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


في لحظات الانهيار، حين تتهاوى الجدران وتتقشّع الوجوه، تُكشف الحقيقة كما تُكشف العورة في وسط السوق: ليست الجلالة في التاج، ولا العظمة في القصر، بل في ما يحمله الصدر من أخلاق، وما تسكنه النفس من كرامة. وها هي دمشق، أم المدن، تشهد مسرحًا تراجيديًا يتكرر بوجوه جديدة وثياب مستعارة، حيث دخل الثور إلى القصر مرتين، الأولى بخطواتٍ متثاقلةٍ مختبئةٍ خلف دخان الدبابات، والثانية بعباءةٍ مزيفةٍ تتشح بالدين كقناعٍ للانقلاب. بشار الأسد، الذي هرب من مواجهة شعبه إلى ملاذات روسية وإيرانية، جلس على عرشٍ بُني على أنقاض البيوت ودماء الأطفال، ثم جاء أبو محمد الجولاني، يمشي في قصورٍ لم تُبنَ له، يرتدي ثوب "الخلاص" بينما خلفه دمارٌ من الجوع والخوف.
 
لكن الحقيقة البالغة، التي لا تُخفى على من ينظر بعينٍ صافية، هي أن دخول الثور إلى القصر لا يُحول الثور إلى ملك، بل يُحوّل القصر إلى حظيرة. فليست الأماكن، مهما علا سقفها أو تزيّنت جدرانها بالرخام، هي التي تمنح من يسكنها شرفًا أو مشروعية. بل العكس هو الصحيح: الإنسان هو الذي يُعلي المكان، أو يُدْنيه. فلو جلس نبيٌّ في حظيرة، صارت الحظيرة محرابًا، ولو جلس طاغية في قصرٍ من ذهب، بقي القصر سجنًا، والطاغية عبدًا لغروره.
 
هل يختلف الجولاني عن الأسد إلا في شكل الخيانة؟ هذا يرفع راية الدين، وذاك يُنادي بوحدة الوطن، ولكن كلاهما يعاني من داء واحد: فساد الضمير، وانفصال تام عن هموم الشعب وآماله. حكم الأسد بالحديد والنار، ثم لاذ بالفرار حين لم يبقَ في البلاد ما يُحرق أو يُدمّر، أما الجولاني فقد استثمر في الفوضى، وحوّل مسيرة الثورة المطالبة بالحرية إلى سلطةٍ جديدة، يُسمّيها "تحريرًا"، بينما يُقتل الناس، وتُنتهك أعراضهم وتُمثّل بجثثهم، لا لذنب ارتكبوه سوى أنهم لم يكونوا من أتباع المذهب الذي يُفرض من قصور الثوار الجدد. وهكذا، ما بُني باسم التغيير والخلاص، انقلب إلى نظام قمعٍ آخر، لا يختلف في جوهره عما سبقه، سوى بلحيةٍ أطول، وكلماتٍ مزيّفة تتلبس لباس التقوى.
 
وإذا تصفّحنا الفضاء الرقمي، نجد صدى هذا التأمل في مئات المقالات والتحليلات، في تغريداتٍ موجعة، وفي قصائد شعبية تُنشد في الخفاء. هناك من كتب: "الثورة لم تُسقط نظامًا، بل استبدلت ثورًا بثورٍ آخر"، وهناك من قال: "السلطة لا تُغير الإنسان، بل تُظهر ما في داخله". حتى في الأدب العالمي، نجد صدى هذا المبدأ: في "الأسد والثور" للكتاب الهنود، وفي مسرحيات شكسبير حيث يرتدي الخائن تاج الملك، لكنه يسقط لأنه لا يملك شيئًا سوى الخوف. الحكمة واحدة، وإن اختلفت اللغات.
 
إن ما يحدث في سوريا اليوم ليس مجرد تغيير في الحُكّام، بل هو كشفٌ مريرٌ عن طبيعة السلطة: أنها لا تُعطي الشرعية، بل تستعيرها من الشعب، ومتى فقدت هذه الشرعية، صارت مجرد قصرٍ فارغٍ، تسكنه أشباح، وتدور حوله الذباب. فالجولاني، مهما تكلم بلسان الفقه، ومهما عقد الاجتماعات، لن يُعيد للقصر هيبته ما دام لا يملك قلب الشهيد ولا ضمير الثائر. والأسد، مهما عاد بدعمٍ من موسكو وطهران، لن يكون سوى هاربٍ في قصرٍ تحول إلى متحفٍ للعار.
 
في النهاية، لا يُقاس العظمة بمكان الجلوس، بل بمكانة الفعل. فالناس لا يتذكرون القصور، بل يتذكرون من عدل فيها، أو من ظلم. وسوريا، التي عاشت آلاف السنين، ستبقى، لكن أسماء الحُكّام ستُمحى من الذاكرة كأبخرةٍ في الصباح. لأن التاريخ لا يُكتب بالدبابات ولا بالخطب، بل بالدم، وبالحقيقة، وبمن يُعيد للإنسان كرامته، لا بمن يُحول القصر إلى حظيرة، ويُسمّي ذلك "انتصارًا".



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصورة التي نستحقها: في الفلسفة البصرية للبقاء
- صراخ الأرض: عندما ترفض الأصوات أن تُسكت
- الرُّوح المُنهكة: حين يُصبح الوجودُ تمرّداً في أرضٍ فقدتَ حل ...
- الريح لا تُمسك بالأسوار، والشعب لا يُهزم بالصمت
- حين تبكي الجبال وتحتضر الرمال
- الهوية التي تكسر حدود الاستعمار: الكورد وقضية الأرض
- صدى العهد والتفويض الثائر: صوت كوردي في رحلة دستور وأرض
- في حضرة الجغرافيا المنسيّة: الكورد بين جذور الأرض وخرافات ال ...
- أطياف الخراب وصهيل الأوهام: سوريا بين سندان التاريخ ومطرقة ا ...
- حين تُكتب الخيانة بخطٍّ كوردي
- سوريا.. بين جثةٍ تُقسَّم وقلبٍ لا يزال ينبض
- السويداء: صدى الدم في وحدةٍ مكسورة
- بين الثورة والتجديد: من خُميني إلى الشرع السنيّ
- دمٌ على جدران التاريخ: سردية الكورد بين المذابح والانتفاضات
- هل نحن أصحاب سردنا أم مجرد متلقين؟
- أزمنة النبع الكوردي: من أطلال التشتت إلى ضياء السياسة
- رسائل لم تُسلَّم... وذاكرة لا تموت
- كوردستان: الجرح النازف في جسد الشرق الأوسط الممزق
- الشرق الأوسط يُعيد تشكيل خارطته.. فهل من يقظة كوردية تُعيد ل ...
- التطبيع السوري الإسرائيلي.. صراع المصالح وتنافس الأدوار في ظ ...


المزيد.....




- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 11 غشت 2025
- رائد فهمي : (المدى) علامة فارقة ومتميزة في المشهد الإعلامي و ...
- القوى المدنية تفشل بكسر جدار الأحزاب التقليدية.. كيف سيطر ال ...
- اليمين المتطرف الإسرائيلي يدعو لمزيد من الضغط واحتلال شامل
- السودان: من الدفاع الى الهجوم من أجل الانتصار
- بيرني ساندرز لـCNN: -نتنياهو مجرم حرب.. ولا يجب أن تُموّل أم ...
- الهجوم على الاتحاد العام التونسي للشغل: الشعبوية وفيّة لتاري ...
- حماس تدعو لتصعيد الحراك الشعبي عالميا لوقف الحرب وإنهاء التج ...
- حماس تدعو لتصعيد الحراك الشعبي عالميا لوقف الحرب وإنهاء التج ...
- رائد فهمي يهنئ مؤسسة المدى بذكرى انطلاقتها الثالثة والعشرين ...


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - بوتان زيباري - العرش والثور: حين يصير القصر حظيرةً والسلطةُ سرابًا