أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - بوتان زيباري - الصورة التي نستحقها: في الفلسفة البصرية للبقاء














المزيد.....

الصورة التي نستحقها: في الفلسفة البصرية للبقاء


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8430 - 2025 / 8 / 10 - 00:04
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


في زمانٍ لم تعد فيه الكلمات تُصدق، ولا الخرائط تدلّ على الأرض، تأتي الصورة كشهادةٍ أخيرة. ليست شهادة على الحرب، بل على الحياة. ليست وثيقة دمار، بل بصيص تمرّد على الفناء.
لأنه في لحظات الانهيار الكبرى، لا يبقى من الإنسان سوى صورته — ليس وجهه، بل الصورة التي يختار أن يُظهر بها نفسه للعالم. تلك الصورة ليست تزيينًا، ولا دعاية، بل اعترافًا بالوجود.

لقد عرفت سوريا أن تُرى بعين القنابل، وقُيست بمقاييس الدمار. كل صورة نُشرت عنها في السنوات الماضية كانت كأنها جنازة جماعية: دخان، أنقاض، أطفال مذهولون، نساء يبكنَّ من دون صوت. صور صادقة، نعم، لكنها صورٌ جُمعت من زاوية واحدة: زاوية القتل.
والسؤال الذي لم يُطرح: من يملك حق اختيار الزاوية؟
من يقرر ماذا يُرى، وماذا يُنسى؟

لقد أصبحت الصورة في عصرنا سلطة.
سلطة تُشكّل الوعي، وتُعيد تعريف الواقع.
فمن يسيطر على الصورة، يسيطر على الذاكرة.
ومن يسيطر على الذاكرة، يكتب التاريخ.

لكن هناك نوع آخر من الصور.
ليست تلك التي تُلتقط بعد الانفجار، بل قبله.
ليست التي تُظهر الجثث، بل التي تُظهر اليد وهي تمتدّ لتنقذ.
ليست التي تُبرز الفرقة، بل التي تُظهر الالتقاء تحت شمس واحدة، على أرض واحدة، في نفس الهمّ.

ما من شعب انهار كما انهار السوريون، وما من شعب ظلّ واعيًا لذاته كما ظلّوا. في خضمّ التفتت، تشكل وعي جديد: أن البقاء لا يعني فقط النجاة من القنابل، بل الإصرار على رؤية مختلفة للعالم. رؤية لا تقبل أن تُختزل في طائفة، ولا تُختزن في عرق، ولا تُختطَف من قبل سلطة تدّعي التمثيل.

وهنا تولد فكرة بسيطة، لكنها ثورية:
ماذا لو اخترنا صورة واحدة تمثلنا؟
ليست صورة وطنية بمعنى العلم أو الشعار، بل صورة إنسانية، تُجسّد التنوّع كجوهر، لا كاستثناء.
صورة لا تُخفي الاختلاف، بل تُظهره كقوة.
صورة لا تُنكر الألم، لكنها ترفض أن يجعله الهوية الوحيدة.

الصورة، في هذا السياق، ليست ترفًا بصريًا، بل موقفًا أخلاقيًا.
موقف من يرفض أن يُختزل.
موقف من يرفض أن يكون مجرد ضحية، أو مجرد مقاتل، أو مجرد طائفة في لعبة كبار.
موقف من يقول: نحن هنا، ليس لأننا نريد أن تُشفقوا علينا، بل لأننا نريد أن تَرَونا.

لقد عرفت الأنظمة أن تحكم بالصورة: صورة الرئيس فوق الساحة، وصورة الجيش في المدرسة، وصورة العدو على الشاشة.
أما من يعيش على الحافة، فيعرف أن الصورة قد تكون آخر سلاحٍ له.
سلاح لا يقتل، بل يُحيي.
لا يقسّم، بل يُوحّد.
لا يُبقي على الأنقاض، بل يُنبت تحتها زهرة.

الصورة التي نفكر في اعتمادها كمدخل لكل كلام عن سوريا، ليست صورة مثالية.
ليست تلك التي تُظهر احتفالاً مصطنعًا، أو تجمعًا تُركّب فيه الوجوه.
بل صورة حقيقية، لكنها مُختارة بعناية: صورة يد تُمسك يدًا، وعين تنظر إلى عين، وصمت يحمل أكثر مما تحمله الكلمات.
صورة تقول: نحن مختلفون، لكننا نعيش معًا.
نختلف، لكننا ندافع عن بعضنا.
نحزن، لكننا لا نستسلم.

إنها صورة اللامركزية الإنسانية.
دولة ليست في قصر، بل في نظرة.
وحدة ليست في شعار، بل في فعل.
وطن ليس في حدود، بل في رغبة مشتركة في البقاء.

وقد يقول قائل: ما فائدة صورة واحدة في مواجهة قوة السلاح والمال والدبلوماسية؟
لكن التاريخ لا يُكتب بالأسلحة فقط.
يُكتب بالذكريات.
باللوحات.
بالقصص.
بالصور التي تُورّث.

صورة واحدة، متكررة، مُعتمدة، مُشار إليها، قد تصبح رمزًا.
ورمز واحد، في زمن التفتت، قد يكون بذرة وطن.

لقد ماتت الدولة التي وعدت بالوحدة، لأنها بنَت وحدتها على نفي الآخر.
أما الدولة التي قد تولد من تحت الرماد، فستُبنى على الاعتراف المتبادل.
ولن تبدأ بدستور، بل بـصورة.
صورة تقول: نحن جميعًا هنا.
وليس من حق أحد أن يُمحينا من المشهد.

لذلك، دعونا نختار الصورة التي نستحقها.
ليست الصورة التي تُظهر ما نحن عليه الآن، بل ما نريد أن نكون.
ليست صورة الماضي، بل وصية للمستقبل.

في النهاية، الإنسان لا يُعرف فقط بما يفعله، بل بما يُظهره.
والأرض لا تنسى من يزرعها،
ولا من يُصوّرها بعين الحب، لا بالكراهية.

الصورة، إذًا، ليست ترفًا.
هي آخر حدود الكرامة.
وأول خطوات العودة.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراخ الأرض: عندما ترفض الأصوات أن تُسكت
- الرُّوح المُنهكة: حين يُصبح الوجودُ تمرّداً في أرضٍ فقدتَ حل ...
- الريح لا تُمسك بالأسوار، والشعب لا يُهزم بالصمت
- حين تبكي الجبال وتحتضر الرمال
- الهوية التي تكسر حدود الاستعمار: الكورد وقضية الأرض
- صدى العهد والتفويض الثائر: صوت كوردي في رحلة دستور وأرض
- في حضرة الجغرافيا المنسيّة: الكورد بين جذور الأرض وخرافات ال ...
- أطياف الخراب وصهيل الأوهام: سوريا بين سندان التاريخ ومطرقة ا ...
- حين تُكتب الخيانة بخطٍّ كوردي
- سوريا.. بين جثةٍ تُقسَّم وقلبٍ لا يزال ينبض
- السويداء: صدى الدم في وحدةٍ مكسورة
- بين الثورة والتجديد: من خُميني إلى الشرع السنيّ
- دمٌ على جدران التاريخ: سردية الكورد بين المذابح والانتفاضات
- هل نحن أصحاب سردنا أم مجرد متلقين؟
- أزمنة النبع الكوردي: من أطلال التشتت إلى ضياء السياسة
- رسائل لم تُسلَّم... وذاكرة لا تموت
- كوردستان: الجرح النازف في جسد الشرق الأوسط الممزق
- الشرق الأوسط يُعيد تشكيل خارطته.. فهل من يقظة كوردية تُعيد ل ...
- التطبيع السوري الإسرائيلي.. صراع المصالح وتنافس الأدوار في ظ ...
- لعبة الأقنعة: تشريح الصراع التركي بين الديمقراطية والاستبداد ...


المزيد.....




- عشرات آلاف المتظاهرين يغلقون شوارع بتل أبيب رفضا لقرارات نتن ...
- اقتحام القناة 13 خلال احتجاجات في تل أبيب.. ومواجهات بين الش ...
- اشتباكات عنيفة بين الشرطة ومتظاهرين بتل أبيب ومسلحون من اليم ...
- اشتباكات عنيفة بين الشرطة ومتظاهرين بتل أبيب ومسلحون من اليم ...
- تقرير إعلامي حول الندوة الإلكترونية: “العاملات في مواجهة الا ...
- التعتيم الإعلامي الوجه الآخر لغياب العدالة
- نرفض التنكيل بالكاتب أحمد دومة ونطالب بالافراج عن معتقلي الر ...
- معهد هندسة وتكنولوجيا الطيران يفصل عشرات الموظفين
- لا لتهجير “الهجانة”: “الأمل” لسكان العزبة
- المقاومة الشعبية للسياسات المدمرة اجتماعيا باقليم قلعة السرا ...


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - بوتان زيباري - الصورة التي نستحقها: في الفلسفة البصرية للبقاء