أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - هل نحن أصحاب سردنا أم مجرد متلقين؟














المزيد.....

هل نحن أصحاب سردنا أم مجرد متلقين؟


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 10:05
المحور: القضية الكردية
    


لا يمكننا أن نتجاهل أن مسألة الهوية ليست مجرد سلسلة من الكلمات أو توصيفات ثقافية، بل هي بنية معقدة من القيم، التاريخ، اللغة، والوعي الذاتي الذي يشكل فردًا أو مجموعة في صراع مستمر مع القوى الخارجية والداخلية. هذا الحديث لا يحمل فقط عبء المعرفة أو التحليل السياسي، بل هو انعكاس عميق لواقع شعب يحاول أن يعيد اختراع نفسه في ظل قيود متعددة، بعضها تاريخي وبعضها حديث، لكنه جميعًا يتشابك في تشكيل واقع مرير.

القضية الكوردية، كما تُطرح هنا، ليست قضية حدود أو سيطرة، إنها أولاً وقبل كل شيء مسألة وجود، محاولة للبقاء، للمقاومة، ولإعادة تعريف الذات في وجه مشروعات أيديولوجية وسياسية تحاول إعادة تركيب الإنسان الكوردي بمقاييس غير كوردية. من هنا تظهر الحاجة إلى إعادة النظر في المصادر التي نستقي منها معرفتنا عن أنفسنا، وفي الأطر التي نستخدمها لفهم واقعنا. هل ما نقوله عن أنفسنا هو انعكاس حقيقي لذواتنا، أم أنه إعادة تدوير لمفاهيم مستوردة من قِبل الآخرين؟ وهل نحن أصحاب السرد، أم مجرد متلقين لإنتاج آخر؟

اللغة ليست مجرد أدوات للتواصل، بل هي جوهر الوجود الثقافي، وهي ما يربط بين الماضي والحاضر، وبين الجيل الحالي وأجيال المستقبل. فقد كانت اللغة الكوردية عبر التاريخ مصدرًا للتمسك بالهوية، حتى عندما حاولت الاستعماريات الثقافية والسياسية طمسها. ولكن، في الوقت ذاته، كيف لنا أن نتحدث عن لغة وثقافة في ظل نظام تعليمي يعيد إنتاج العقلية الكولونيالية؟ وكيف لنا أن نحمي ذواتنا إذا كانت أدوات الفهم لدينا مستمدة من نفس النظام الذي يمارس العنف الرمزي ضدها؟

السياسة أيضًا ليست فقط ساحة صراع على السلطة، بل هي معركة على المعنى. الحركات السياسية الكوردية، سواء كانت داخل إطار المقاومة المسلحة أو ضمن العمل المدني، تواجه تحديات كبيرة في بناء خطاب يعبر عن الواقع الكوردي دون أن يقع أسيرًا لأيديولوجيات خارجية أو مصالح مؤقتة. هناك حاجة إلى تأسيس منظومة معرفية جديدة، تُنتج من داخل المجتمع الكوردي، وتُبنى على أساس تحليل عميق للواقع وليس على الانتماءات الأيديولوجية المؤقتة.

الدين ليس بمعزل عن هذه الديناميكيات. فالإشارة هنا إلى محاولة دمج الدين في الخطاب القومي الكوردي، ليس كأيديولوجية سياسية، بل كجزء من الهوية التاريخية والثقافية. هذا التفاعل بين الدين والقومية ليس جديدًا، لكنه يحتاج إلى إعادة قراءة بعيدًا عن التعصب أو الإقصاء، ليصبح رافدًا للوحدة والتماسك الداخلي، وليس أداة للانقسام.

النخبة الفكرية لها دور كبير في كل ذلك. فهي ليست فقط من تُنتج المعرفة، بل يجب أن تكون من يدافع عن حق الشعب في التعبير عن نفسه، وفي تقرير مصيره الثقافي أولًا قبل السياسي. لكن ماذا يحدث عندما تتحول النخبة إلى مرآة للآخر؟ عندما تبدأ بالتفكير "بالعقل التركي أو الفارسي أو العربي"، بدلاً من أن تكون صوتًا للعقل الكوردي؟ هنا تظهر أهمية بناء فضاء فكري مستقل، قادر على استيعاب التنوع الداخلي، ورفض اختزال الهوية في شخص واحد أو تنظيم واحد.

أخيرًا، لا يمكن الحديث عن الكورد دون الحديث عن الطبيعة الكولونيالية الداخلية التي تمارس ضد مجتمعاتهم. فالعنف ليس فقط إطلاق رصاص أو اعتقالات، بل هو أيضًا تهميش ثقافي، وحرمان من التعليم بلغة الأم، وتحويل الإنسان الكوردي إلى موضوع للسياسات وليس فاعلًا فيها. العنف الطبيعي، أو ما يُسمى بالعنف اليومي، هو ما يجعل هذا النوع من السيطرة أكثر فتكًا، لأنه يصبح جزءًا من الحياة اليومية، ويدخل إلى العائلة، المدرسة، وحتى إلى الطريقة التي يفكر بها الإنسان عن نفسه.

بناءً على ذلك، فإن الطريق نحو التحرر لا يمر فقط عبر المطالبة بالحقوق السياسية، بل يتطلب إعادة تشكيل شاملة للوعي، وإعادة تعريف للهوية بما يتناسب مع واقعنا وليس مع رؤى الآخرين. علينا أن نملك سردنا، أن نكتب كلماتنا بأنفسنا، وأن نرسم مستقبلنا دون أن نترك مكانًا للخوف أو التبعية. فقط حينها سنكون قد بدأنا فعلًا طريقنا نحو الحرية والاستقلال الحقيقيين.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمنة النبع الكوردي: من أطلال التشتت إلى ضياء السياسة
- رسائل لم تُسلَّم... وذاكرة لا تموت
- كوردستان: الجرح النازف في جسد الشرق الأوسط الممزق
- الشرق الأوسط يُعيد تشكيل خارطته.. فهل من يقظة كوردية تُعيد ل ...
- التطبيع السوري الإسرائيلي.. صراع المصالح وتنافس الأدوار في ظ ...
- لعبة الأقنعة: تشريح الصراع التركي بين الديمقراطية والاستبداد ...
- الهدنة والردع: أطياف القوة في لعبة المصالح المتشظية
- سلامٌ هشٌّ.. كالزجاج يلمع ويُخفي شظايا الحرب
- أطياف الصراع: قراءة فلسفية في تداعيات الضربة الإيرانية والرد ...
- ملحمة الصراع الإيراني-الإسرائيلي وتصدعات الشرق المكسور
- صراع الوجود وأسئلة المصير: الهجوم الإسرائيلي على إيران بين ا ...
- سقوط الأقنعة: حين يصبح الفساد سلاحاً للانهيار والهيمنة
- تأملات في الخطاب والهوية بين السجال والوجود
- رياح التمرد والهشاشة: الكورد بين مطرقة الذات وسندان الجوار
- اللامركزية بين مطرقة السلطة وسندان الحرية: تأملات في فلسفة ا ...
- صراع الجبابرة: إيران وسوريا في دوامة الشرق الأوسط الدامية
- الكوردايتي: سيمفونية تحوّلٍ من البقاء إلى الازدهار
- تأملات في الحرية والذات والهوية
- صوت المثقّف في مواجهة دوّامة التفاهة والانقياد
- حين ينهش القناع مَن يلبسه


المزيد.....




- الدكتور حسام أبو صفية يتعرض لتعذيب وحشي داخل سجون الاحتلال
- اعتداءات واعتقالات في الضفة الغربية
- الأونروا تحذر من ولادات مبكرة ومضاعفات غير مألوفة للخدج في ق ...
- كيف أسَّسُوا في بوركينا فأسو؟؟؟
- إدارة ترامب تدافع عن أساليبها العنيفة في توقيف المهاجرين
- مؤسسة غزة الإنسانية.. بين شعار الإغاثة ومصيدة الموت
- عائلات الأسرى الإسرائيليين: نتنياهو يروج لاستحالة التوصل لات ...
- اليونان تقرّ قانونا بوقف طلبات اللجوء للمهاجرين من شمال أفري ...
- اليونيسيف: إصابة 500 طفل بسوء التغذية في غزة خلال يونيو
- الأونروا: نفاد الوقود بغزة عبء جديد لفلسطينيين على حافة المج ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - هل نحن أصحاب سردنا أم مجرد متلقين؟