أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - الكوردايتي: سيمفونية تحوّلٍ من البقاء إلى الازدهار














المزيد.....

الكوردايتي: سيمفونية تحوّلٍ من البقاء إلى الازدهار


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 08:15
المحور: القضية الكردية
    


في عمق المشهد المشرق والمظلم شرق البحر—حيث تتبارى الإمبراطورية والجغرافيا، وتتنازع الهويات والقوميات—تقف القضية الكوردية شامخة، أعظم من كونها مسألة حدود أو مفاوضات؛ إنها سيمفونية إرادة، لا تُقهر، ترسم ملحمة شعب اخترع وجوده من قلب التشتّت. من أنقاض التهميش الاستعماري وتفكيك الدول الكبرى، نهض الكورد ليس كضحايا، بل كفعل مؤثر قادر على رسم معالمه، يحمل بين دفتيه قدرة سحرية على جمع الماضي بحاضره، وعلى تحويل الجروح إلى أمل، والطموح إلى مشروع جغرافيا سياسي وثقافي جديد.

السياسة عند الكورد ليست طقوساً ديبلوماسية جامدة، بل رقصة محسوبة فوق هاوية القوى. فهموا أن العشم في حليف واحد هو منطق السقوط، وقد جربوا مرارة الخيانة، كما في خذلان إيران للثورة الكوردية عام 1975، فاختاروا انفتاح التحالفات والتفاوض مع الكل، حتى مع الخصم. وتجربة "قسد" التي تحرّكت بتوازن مرن بين دمشق وموسكو وأنقرة، هي نموذج بارز للبراغماتية السياسية التي ترفض العواطف الفجة وتلتفت إلى الأهداف الواقعية.

في ساحات القانون الدولي، يفاجأ الكورد العسكري والعقائدي حين يجدون أن الدعم لا يُمنح إلا بإرادة القوى العظمى. السؤال لم يعد كيف نطلب الدعم، بل كيف نصبح شريكاً محوريّاً لا غنى عنه في تحقيق استقرار المنطقة، كيف نُحوّل من صورة المتسول الدولي إلى شريك استراتيجي.

وقد فهم الكورد أن المعركة تُصاغ اليوم على لوحة الإعلام الرقمي قبل ساحات القتال. الإعلام الكوردي، المثقل بالحكاية والمأساة، لا يزال عاجزاً عن نقل سردهم إلى مكتبات الضمير العالمي، رغم دوره الكبير. أمامه فرصة للتجدد: تحييد العاطفة الهوجاء، وبناء سرد عقلاني يوظف تجربة "قسد" في مكافحة داعش، ويرسم من "المقاتل الكوردي" حارساً للقيم الإنسانية، يتحدث عقول العالم بلسان الحقائق الصافية.

وجاليات الشتات ليست مجرد مهاجرين؛ بل هي سفراء غير رسميين. بين أروقة الجامعات الغربية وموائد القرار، تسعى هذه الجاليات إلى تحويل قضية التشتت إلى قضية حضور مؤثر، عن طريق فتح أقسام للدراسات الكوردية وتأسيس شبكات ضغط ثقافي وسياسي. لكن الشتات يواجه تحدي الانقسام؛ والتحدي الأكبر أن تتحول هذه الجاليات إلى قوة ضغط منظمة، لا أن تظل فسيفساء ممددة عبر الحدود.

أما التنمية فهي الحصن الداخلي. ففي إقليم كوردستان العراق يتبدى خطر الاعتماد النفطي، وفي شمال سوريا تنبعث تجربة الاقتصاد التعاوني. كل ذلك يدل على أن التحرر الحقيقي يبدأ من بناء اقتصاد متنوع يعتمد على المعرفة، وأن التعليم يجب أن يحمي الهوية الكوردية من التذويب، ويغرس قيم انفتاح عاقل يوازن بين الأصالة والانفتاح.

وإذا كانت العشيرة هي الخلية الأصغر، فإن الأمة الكوردية، بمعنى "الكوردايتي"، هي الساعة الكبرى التي تدق نحو الوحدة. لقد اجتزنا من ثقافة عنقودية تعيش على الولاءات العشائرية إلى إطار أوسع يوحد الهوية والمشروع. تجربة "الديمقراطية الكونفيدرالية" القائم على مبادئ الجذرية والديمقراطية واللامركزية صاغت نموذجاً عمليّاً يعبّر عن مجتمع سياسي يمنح حقوق المرأة والبيئة والثقافة جانبا متوازنا . لكن الأعداء، داخليين وخارجيين، يعتقدون أن منع التقارب الكوردي هو استراتيجيتهم الدائمة، لذا فالتحالف بين الأحزاب والمؤسسات المدنية هو ما يصنع الوحدة الوطنية الحقيقية.

في المحصلة، يقف الكورد أمام لحظة مفصلية: إما أن نكون ورقة في صراع القوى الكبرى، أو نحول أنفسنا إلى فاعل مستقل ومحدّد للمعادلة الإقليمية. لا يكفي هنا فقط أن نضع استراتيجيات سياسية وعسكرية؛ فالمطلوب فلسفة جديدة للتحرر، فلسفة تجمع بين الواقعية المليئة بالمصالح والمبدئية التي لا تتنازل. لقد أثبت الكورد أنهم قادرون على البقاء، والآن التحدي هو الانتقال إلى الازدهار.

فالتحدي اليوم هو أن نقرع أبواب الحضارة، لا أن نتربع على حصون البقاء. فالشعب الذي صنع أول ثورة نسائية، وحارب الإرهاب الأعنف، وصمد بكرامة عبر قرون، لن يقبل أن يكون أحد الأرقام في صفحات البراءة التاريخية، بل يريد أن يكون صفحة فخر تاريخي واستثنائي.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات في الحرية والذات والهوية
- صوت المثقّف في مواجهة دوّامة التفاهة والانقياد
- حين ينهش القناع مَن يلبسه
- سوريا بين رُكام الشرق وحُمى الغرب: عن الأويغور، إسرائيل، وخر ...
- تركيا والكورد في مفترق الطرق
- انفصال المعنى عن الفعل الإنساني: المأساة الصامتة للمجتمع الح ...
- رحلة الكُرد نحو الذات السياسية
- بين سُحب التقسيم ووهج الاتفاق: رقصة الأضداد في ظل الشرق المض ...
- أقنعة الاستبداد: سوريا بين مطرقة التقديس وسندان التماثل الخف ...
- لعبة التوازن بين الحوار والقمع في الملف الكوردي التركي
- انفتاح الغرب... نافذة خلاص أم قيد ناعم؟
- شاطئ الخوف: تأملات في ظل صمت البنادق
- حين تتكلم الجبال ويسكت العالم
- على درب السلام، أين تقف الوعود؟
- رمادٌ لم يُدفن: كيف يُعاد تدوير الجريمة في ذاكرة الأمم؟
- تأمل في مشهدٍ يتدحرج من السلة إلى السلطة
- حين تتهامس الجغرافيا بالعقل: التأمل في مصير وطن تحكمه الأطيا ...
- تحت ظلال قامشلو: أنشودة الكورد في خريف العصور
- أغاني التراب: حين تسافر الأمم في ليلها الطويل
- المتاهة السورية: بين سراب السيادة وظلال الأطياف الإقليمية


المزيد.....




- الأمين العام للأمم المتحدة يدين التصعيد العسكري الإسرائيلي ...
- اشتباكات بالرشاشات في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بير ...
- الأمم المتحدة تحذر من توقف عمليات الإغاثة في غزة بعد انقطاع ...
- أطباء بلا حدود تتهم إيطاليا بتقييد عمل سفن إنقاذ المهاجرين
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب بالضغط على إسرائيل لرفع ا ...
- بأغلبية ساحقة.. الأمم المتحدة تعتمد قرارا يطالب بوقف فوري لإ ...
- الأمم المتحدة: الجوع الحاد يفتك بـ17 مليون يمني
- الأمم المتحدة: السودان أصبح نموذجا للامبالاة والإفلات من الع ...
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب بوقف فوري لإطلاق النار في ...
- استعادة عدد من الجنود الروس الأسرى


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - الكوردايتي: سيمفونية تحوّلٍ من البقاء إلى الازدهار