أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - بوتان زيباري - بين سُحب التقسيم ووهج الاتفاق: رقصة الأضداد في ظل الشرق المضطرب















المزيد.....

بين سُحب التقسيم ووهج الاتفاق: رقصة الأضداد في ظل الشرق المضطرب


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 20:05
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


في مشهدٍ سياسيٍّ تتداخل فيه أطياف الرغبة بالخلاص مع أشباح الخوف من الانقسام، تبرز مجددًا قضية "الحل السياسي في تركيا"، لا كمجرد نقاشٍ محليٍّ داخلي، بل كحلقةٍ في سلسلة متشابكة من صراعات الشرق الأوسط التي تعزف على أوتار الطائفية والقومية والتدخلات الخارجية. تلك القضية التي لطالما نُوقشت من زوايا متفرقة، تستوجب اليوم قراءة أكثر عمقًا، تستحضر روح اللحظة التاريخية، وتستنطق طبقات المعنى بين سطور التصريحات وتحركات اللاعبين على رقعة الشطرنج الإقليمي.

ليس غريبًا أن يتجدد الجدل بين رؤيتين متناقضتين، لكنهما تشتركان في الذعر ذاته؛ الأولى ترى أن مسار الحل السياسي سيقود إلى تفكيك الدولة، متكئةً على تاريخ طويل من الهواجس القومية ونظريات المؤامرة، تغذيها نخب إعلامية تُمثل بقايا الدولة العميقة، تلك التي لطالما اعتبرت التعددية تهديدًا لا ثراءً. أما الثانية، فتتمسك بعكس ذلك: إن لم يُكتب للحل أن يسير، فالانقسام قادم لا محالة. هنا ندخل مدار السخرية السوداء: هل البلاد تُهدد بالتقسيم إن حلت مشكلتها أم إن تجاهلتها؟!

وسط هذا الضجيج، يطل نُعمان كورتولموش، رئيس البرلمان التركي، في خطابٍ يضرب على وتر المصير. يصوّر الرجل اللحظة وكأنها مفترق طرق لا ثالث لهما: إما أن يُترك الشعب ينتظر مصيره المحتوم كما تُرك "الثور الأصفر" في المثل الشعبي ليكون الضحية القادمة، أو أن يتكاتف الأتراك والكورد ليشقوا طريقًا موحدًا نحو "تركيا قوية". الطرح بحد ذاته ليس جديدًا، لكن اللافت هو أن يصدر من أحد أعمدة السلطة، رجلٌ ينهل من بئر الإسلام السياسي، ويتربع في قلب منظومة الحكم، لا على هامشها.

خطورة ما قاله كورتولموش لا تكمن في نبرته العاطفية، بل في استدعائه لأمثلة مريرة من الجوار: العراق الذي انقسم شارعًا بعد شارع منذ الاجتياح الأميركي، وسوريا التي تمزقت طائفيًا وعرقيًا تحت سكاكين الخارج والداخل معًا. يلوّح كورتولموش بشبح هذين المثالين وكأن تركيا على أعتاب المصير ذاته، إن لم تتدارك نفسها. لكنه، دون أن يدري ربما، يفتح نافذة نحو مفارقة تاريخية، إذ إن الجهات التي ساهمت في تمزيق الجوار هي نفسها التي استعانت بها أنقرة في يومٍ ما: دعمت، سلّحت، مرّرت قوافل السلاح، وساهمت – طوعًا أو جهلًا – في تفكيك سوريا تحت شعارات الحرية حينًا، والمصالح الاستراتيجية حينًا آخر.

وهنا تكمن النكتة السوداء في قلب الخطاب السياسي. كأن من أشعل النار بالأمس، يطل اليوم على الرماد ليتحسر على فقدان الظلال. من درّب جماعاتٍ باسم "الجيش الحر"، ومن فتح الطرق أمام عربات الموت، يطالب اليوم بالحكمة، وكأن التاريخ لا يملك ذاكرة، وكأن الخرائط لا تنزف.

فإذا كانت السلطة تقول الآن بلسانٍ رسمي: "إن لم نجد حلاً، ستنقسم البلاد"، فإن هذا التصريح يكشف – لا عن شجاعة – بل عن إدراكٍ متأخرٍ بأن السياسات السابقة وصلت إلى طريقٍ مسدود. تصريحٌ كهذا لا يمكن فهمه إلا كتسليم، ولو غير مباشر، بأن الدولة باتت في مفترقٍ لا يحتمل التردد. فإما مراجعة جذرية تُفضي إلى شراكة تاريخية بين الكورد والأتراك، أو استمرار في المراوغة سيقود، ولو بعد حين، إلى انهيار البنيان من الداخل.

وليس سراً أن ما يُدار الآن خلف الكواليس لا يخرج عن سياق ضغوط خارجية تمارسها قوى دولية كأميركا وبريطانيا، التي تدفع بوضوح نحو أحد خيارين: إما التفاهم مع الداخل الكوردي، أو التشرذم والانقسام، وربما زوال السلطة. هذا ليس حبًا في الكورد، ولا حرصًا على ديمقراطية مزعومة، بل لأن ميزان المصالح اقتضى هذا الاتجاه، تمامًا كما اقتضى تمزيق العراق وسوريا من قبل.

من هنا نفهم لماذا تُستأنف المحادثات مع عبد الله أوجلان بعد جفاءٍ دام أكثر من عام. لا من باب القناعة، بل من باب الضرورة. وشتان بين من يسعى نحو التفاهم انطلاقًا من إيمانٍ بالعدالة، وبين من يجره الواقع جراً نحو طاولةٍ لم يكن يومًا راغبًا في الجلوس عليها.

وإذا كانت القوى الكوردية – لا سيما قاعدة DEM – تستعد للانخراط في لجنةٍ برلمانية جديدة تُعنى بالمسألة، فإننا أمام مشهد برلماني يبدو، في ظاهره، تعدديًا، لكنه في جوهره محكومٌ بحسابات الأكثرية والاصطفافات. فحتى إن امتنعت أحزاب كـ"الجيد" أو "الرفاه" عن المشاركة، فإن ثقل التحالف الحاكم، بمساندة من DEM، كفيل بتمرير ما يشاء، ما دامت الحسابات الرقمية تسبق الرؤى الأخلاقية.

أما المعارضة التقليدية، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، فقد أدركت أخيرًا أن تجاهل التحولات الجارية ليس سوى انتحار سياسي. فالصعود الأخير للشعبوية الإسلامية القومية لم يكن نتاج فراغ، بل ثمرة سنوات من التعامي عن الواقع. واليوم، حين تستفيق "الكمالية" على وقع الخسارات، تتلمس طريق العودة من خلال انخراطها في المسار الجديد، لا حبًا في الكورد أو اعترافًا بوجعهم، بل خشية من أن تُترك خارج قطار التحولات القادمة.

في حين تتباين مواقف الأحزاب الصغرى، بين من يرى في المشاركة مجرد ديكور لا يقدم ولا يؤخر، ومن ينتظر أن يُطرق بابه من قِبل الدولة ليمنحه شعورًا زائفًا بالندية، فإن السؤال الحقيقي يظل: هل ما يُبنى الآن مشروع حقيقي لتعايشٍ سياسي؟ أم مجرد مخرج تكتيكي لنظامٍ مأزوم يبحث عن بقاء مؤقت في ظل أعاصير تتشكل شرقًا وغربًا؟

لعلنا نعيش الآن فصلًا جديدًا من فصول "الاضطرار السياسي"، حيث يتحول العناد إلى مرونة، والتجاهل إلى اعتراف، لا حبًا في الديمقراطية، بل استجابة لمعادلات دولية تعيد رسم خرائط النفوذ بخطوط غير مرئية. في هذا السياق، لا بد للكورد أن يدركوا جيدًا أن ما يُقدّم اليوم ليس منحة، بل فرصة، وأن القبول بالمشاركة لا يعني الارتهان، بل الاشتباك الواعي مع مشروعٍ مفتوح على كل الاحتمالات.

إننا أمام لحظةٍ مفصلية تتشابك فيها حسابات الداخل بجراح الجوار، وتتكشف فيها نوايا اللاعبين على رقعة الشرق الأوسط، من واشنطن إلى أنقرة، ومن أربيل إلى دمشق. لحظة تقتضي حذرًا في الخطاب، وجرأة في الفعل، وذاكرةً لا تخون.

وفي النهاية، حين يصبح الصمت تواطؤًا، والكلام مجرد غبار، يبقى وحده التاريخ من يملك رفاهية الحكم: من اختار الوحدة بعقل، ومن لوّح بها كحبل نجاة بعد أن غرقت السفينة.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أقنعة الاستبداد: سوريا بين مطرقة التقديس وسندان التماثل الخف ...
- لعبة التوازن بين الحوار والقمع في الملف الكوردي التركي
- انفتاح الغرب... نافذة خلاص أم قيد ناعم؟
- شاطئ الخوف: تأملات في ظل صمت البنادق
- حين تتكلم الجبال ويسكت العالم
- على درب السلام، أين تقف الوعود؟
- رمادٌ لم يُدفن: كيف يُعاد تدوير الجريمة في ذاكرة الأمم؟
- تأمل في مشهدٍ يتدحرج من السلة إلى السلطة
- حين تتهامس الجغرافيا بالعقل: التأمل في مصير وطن تحكمه الأطيا ...
- تحت ظلال قامشلو: أنشودة الكورد في خريف العصور
- أغاني التراب: حين تسافر الأمم في ليلها الطويل
- المتاهة السورية: بين سراب السيادة وظلال الأطياف الإقليمية
- نسيج الأقطار: سيمفونية الصراع ورنين الأمل
- أردوغان في متاهة السياسة: بين سندان الداخل ومطرقة الخارج.. ه ...
- العاصفة الصامتة: كيف حوّلت الصين ساحة الحرب الاقتصادية إلى ر ...
- أطياف النفوذ وسراب القوة: إيران والعراق في متاهة التحولات ال ...
- لعبة المصالح: الدبلوماسية بين الوهم والواقع في ظل صراع الأجن ...
- تأملٌ في متاهات الهويّة وسراديب السلطة
- أحجية السلطة والدماء: سردية القمع في مرايا التاريخ التركي
- رقصة الموتى على أنقاض الضمير: سوريا وتأملات في انكسار المرآة ...


المزيد.....




- ترامب سيطرح شروطا جديدة... ويتكوف يعبر عن تفاؤله بشأن مفاوضا ...
- وزير الخارجية المصري في المغرب بعد اتفاق مع موريتانيا على دع ...
- المغرب - سوريا: بعثة من الخارجية المغربية في سوريا لإعادة فت ...
- ليبيا: رئيس حكومة الوحدة الوطنية يدعو إلى إجراء انتخابات مبا ...
- المملكة العربية السعودية: هل سمحت ببيع الخمور؟
- ليبيا: هل ينجح مجلس النواب في تشكيل حكومة جديدة؟
- -شبكات باكو-: تكريم فرانس24 وإذاعة فرنسا الدولية في حفل جوائ ...
- ترامب: هجوم -7 أكتوبر- أسوأ ما رأيته في حياتي.. وويتكوف يعلن ...
- تفكيك شبكة أوروبية لتجارة المخدرات واحتجاز 800 كلغ من الكوكا ...
- ماتفيينكو تهنئ قاليباف بإعادة انتخابه رئيسا للبرلمان الإيران ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - بوتان زيباري - بين سُحب التقسيم ووهج الاتفاق: رقصة الأضداد في ظل الشرق المضطرب