أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - بوتان زيباري - انفتاح الغرب... نافذة خلاص أم قيد ناعم؟














المزيد.....

انفتاح الغرب... نافذة خلاص أم قيد ناعم؟


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 08:33
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


في هذا الزمن الذي تعصف فيه المتغيرات بجغرافيا الشام، وتتشابك فيه خيوط السياسة مع خيبات الأمل، تبرز سوريا كأرضٍ لا تملّ من إعادة اختراع قدرها. لقاء ترامب بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع لم يكن حدثًا عابرًا في رزنامة الدبلوماسية، بل صفارة إنذار في أذن من اعتادوا أن يروا في الانفتاح الدولي مجرّد غطاء ناعم لعسفٍ قادم. فهل نحن، فعلاً، أمام نسخة مستحدثة من إرث الأسد؟ أم أنّ التاريخ، هذه المرة، قرر أن يغيّر سرديته، ويمنح السوريين فرصة للخروج من دائرة الدم والظلم؟



القلق مشروع، والريبة مفهومة، فذاكرة الشعوب لا تُمحى بالتفاؤل، ولا تُرمم بلقاءات القادة وحدها. غير أن هناك فارقًا جوهريًا يتجلى بين الأمس واليوم، بين عهدٍ ساد فيه الحديد والنار، وعهدٍ يتلمّس خطواته الأولى على أرضٍ لم تعد تتّسع للمزيد من الطغيان. فالدعم الذي كان يُسكب في جراب النظام السابق، كان يُترجم مآسي في كل بيت، وكان وقودًا لمحرقة الإنسان. أما اليوم، فإن خيوط الانفتاح، على عكس المألوف، لا تُنسَج على مقاس السلطان، بل تُخاط - ولو حذرًا - على هيئة فرصٍ لإنقاذ الناس من براثن الحصار.



ولعلّ هذا الانفتاح الغربي، بما فيه من دهاء سياسي وحسابات معقدة، لا يكون سوى لجامًا يحول دون انزلاق السلطة الوليدة نحو مستنقعات الاستبداد التي طالما أغرقتها المنطقة. فهو ليس عربون ثقة مطلقة، بل أشبه بخيطٍ بين السوط والأمل، غايته كبح الجموح، إن وُجد، وتوجيه البوصلة نحو ما يخدم الإنسان السوري قبل الكرسي. هو أداة ضغط لا تُستخدم هذه المرة لإخضاع الشعب، بل لكبح من قد تسوّل له نفسه التفرد بالحكم باسم المرحلة.



إلا أن التحول لا يُمنح من الخارج، ولا تُستورد الكرامة من عواصم القرار، بل تُصاغ داخل البيت السوري، على موائد المصالحة، وفي نبض الشوارع التي لم تفقد صوتها رغم الردم. هنا، الكلمة الفصل لا يملكها ترامب ولا باريس ولا برلين، بل يمسك بها السوريون أنفسهم، إن استطاعوا تجاوز لعنة التشرذم، والالتفاف حول رؤية جامعة لمستقبل لا تكتبه البنادق، بل تحرسه الكرامات.



وفي المقارنة بين ما كان وما يُرتجى، يتضح أن النظام القديم لم يكن يرى في الخارج إلا رافعةً لبقائه، بينما تلوح السلطة الجديدة، رغم ما يُقال، كجسدٍ لم يكتمل بعد، وجهازٍ سياسي لم يتحول إلى أداة قمع شاملة. هو كيان في طور التشكّل، لم تثبت أقدامه بعد، ولم تُصقل ملامحه بالقسوة، ولذلك فإن ما يُقدَّم له من دعم لا يمكن أن يكون، في هذه اللحظة، إلا رافعة لبناء ما تهدّم، لا أداة لقهر جديد.



إنّ رفع العقوبات أو تخفيفها، في هذا السياق، لا يصبّ فقط في صالح الحكومة الجديدة، بل يُعدّ، في المقام الأول، متنفسًا لشعب أُنهك من العتمة والجوع والعزلة. الشعب هو أول من يذوق مرارة العقوبات، وهو الأجدر بأن تُعاد إليه القدرة على التنفس. ولا بأس إن استفادت السلطة من هذا الانفتاح، شريطة ألا يكون على حساب الدم، بل في سبيل استقرار حقيقي يُؤسس لحكمٍ لا ينتمي إلى موروث الجلادين.



ومع أنّ بعض العواصم الغربية تتقن فنّ الانتظار، وتعرف كيف تساوم على المواقف، فإنّها، في الملف السوري، تدرك أنّ الفراغ في دمشق لا يُملأ بالتصريحات، بل بوجود فاعل، يمنع تسلل الأجندات الإقليمية الجشعة. فتركيا، التي تمددت على الأرض السورية باسم النصرة والتحرير، لا تخفي طموحها في إعادة رسم الشمال كملحقٍ عثماني. وإن تُركت دمشق لمصيرها، فإن الخيار الأقرب لها سيكون الارتماء في حضن الجار المتربص، كما فعل النظام القديم مع طهران.



من هنا، فإن الحضور الغربي في المشهد السوري، ولو بدا محاطًا بالشبهات، يبقى ضرورة لقطع الطريق على لعبة الأمم التي لا ترحم. والعاقل من استثمر هذا الانفتاح لا لإطالة عمر سلطته، بل لإعادة ترتيب البيت الداخلي، ومنع انزلاق البلاد نحو لعبة الولاءات.



في النهاية، تبقى سوريا معلقة بين قوتين: سلطة تحاول أن تبني لنفسها شرعية، وشعب يتوق إلى استردادها. وإذا كان الغرب اليوم هو من يفتح الأبواب، فإنّ مسؤولية العبور تقع على عاتق السوريين وحدهم. إن تمكنوا من تجاوز انقساماتهم، ومن بناء تصور موحد لمستقبل تليق به ذاكرتهم، وتمجّده تضحياتهم، فإنهم بذلك يكسرون حلقة الاستبداد، ويفتحون دربًا جديدًا نحو السيادة الشعبية التي تأخرت طويلاً، لكنّها لم تمُت.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاطئ الخوف: تأملات في ظل صمت البنادق
- حين تتكلم الجبال ويسكت العالم
- على درب السلام، أين تقف الوعود؟
- رمادٌ لم يُدفن: كيف يُعاد تدوير الجريمة في ذاكرة الأمم؟
- تأمل في مشهدٍ يتدحرج من السلة إلى السلطة
- حين تتهامس الجغرافيا بالعقل: التأمل في مصير وطن تحكمه الأطيا ...
- تحت ظلال قامشلو: أنشودة الكورد في خريف العصور
- أغاني التراب: حين تسافر الأمم في ليلها الطويل
- المتاهة السورية: بين سراب السيادة وظلال الأطياف الإقليمية
- نسيج الأقطار: سيمفونية الصراع ورنين الأمل
- أردوغان في متاهة السياسة: بين سندان الداخل ومطرقة الخارج.. ه ...
- العاصفة الصامتة: كيف حوّلت الصين ساحة الحرب الاقتصادية إلى ر ...
- أطياف النفوذ وسراب القوة: إيران والعراق في متاهة التحولات ال ...
- لعبة المصالح: الدبلوماسية بين الوهم والواقع في ظل صراع الأجن ...
- تأملٌ في متاهات الهويّة وسراديب السلطة
- أحجية السلطة والدماء: سردية القمع في مرايا التاريخ التركي
- رقصة الموتى على أنقاض الضمير: سوريا وتأملات في انكسار المرآة ...
- بين لعنة الجغرافيا وخيانة الجيوسياسة: القضية الكوردية في مهب ...
- أوتار الحرية… بين ناي الصمت وطبول النسيان
- ظلال التاريخ وغدرة الزمان: قراءة نقدية في نوايا تركيا تجاه ا ...


المزيد.....




- تحليل: غياب بوتن يكشف عن هوية من يتخذ القرارات
- ترامب بطريقه إلى الإمارات من قاعدة العديد في قطر
- بيسكوف: وفدنا ينتظر نظيره الأوكراني في إسطنبول منذ الصباح
- أطفال غزة يتضورون جواً تحت الحصار الإسرائيلي
- أنشطة يومية تقلل من فرص الإصابة بالخرف
- هيغسيث: سنحقق السلام عبر القوة تحت قيادة ترامب 
- لافروف: المفاوضات في إسطنبول مفعمة بالغموض
- تصعيد عسكري وانهيار خدماتي في السودان.. قوات الدعم السريع تج ...
- ترامب يعلن توقيع اتفاقية عسكرية بـ42 مليار دولار مع قطر
- رئيس وزراء ماليزيا يعرب عن إعجابه بجمال موسكو


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - بوتان زيباري - انفتاح الغرب... نافذة خلاص أم قيد ناعم؟