أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - أغاني التراب: حين تسافر الأمم في ليلها الطويل














المزيد.....

أغاني التراب: حين تسافر الأمم في ليلها الطويل


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8324 - 2025 / 4 / 26 - 18:20
المحور: القضية الكردية
    


في ليل الأرض المدجج بالريح، وعلى أطراف خريطة أكلتها النار ونقشت عليها سكاكين الطامحين وشهوة الغزاة، تمد أمريكا خيوطها كالعنكبوت فوق سوريا المبتورة. قيل: رحلوا، فهتف النائمون في أسرتهم، ثم أفاقوا ليجدوا أن من رحل هو السراب، وأن الأقدام الثقيلة ما تزال تخط على التراب توقيعها الأبدي.

كانت البنادق تسكن تسعمائة كتف، فارتفعت إلى ألفين ومئتين حين دنت أشباح الحدود، ثم خفّ العدد وعاد الهيكل إلى حجمه، لا ضعفاً، بل كما تفعل الأفعى حين تخفف جلدها استعدادًا للانقضاض. قواعد قامت كالحصون، وانتدابات قُرئت على أوراق سرية، بأن يبقى في الميدان من يحرس الأسطورة: أن داعش، هذا الطيف المتمرد، سيظل مبرر الوجود، إلى أن تتعب الآلهة الأرضية من لعبتها الدامية.

ففي السدود وفي مرافئ الشرق الغافي، تترسخ خيام الجنود، بعيداً عن عيون النظام الذي صار كمن يحرس أطلال مملكة غاب ملوكها وبقيت قلاعها خاوية. لو تغيرت الوجوه، قيل، قد تُنصب خيام أخرى، لأن الأرض حين يرحل عنها أهلها تفتح قلبها لأول قادم يحمل سيفًا أو بوصلة.

وعلى الجانب الآخر من النهر، في الخفاء، يجتمع الكورد. يحملون على ظهورهم قرناً من الانكسار، وحفنة من أحلام غُزلت بين الجبال والشتات. هناك، على طاولة لا تزال ترتجف من ثقل الأمل، يحاولون رسم خريطة جديدة، خريطة لا تخون لون دمهم ولا تعب آبائهم.

ليس انفصالاً ولا قفزاً فوق التاريخ، بل محاولة لبعث الحلم بلغة أخرى: أقاليم تتنفس بلغتها، وقوميات تتشارك في الرغيف والمصير. كما رفرف علم كوردستان فوق جبال السليمانية ولم يسقط بغداد، قد ترفرف شمس جديدة فوق الشمال السوري، إن عرفت أن تحت الشمس يسكن عربٌ وكلدان وسريان، وكلهم أولاد التراب ذاته.

غير أن الرياح لا تهب كما يشتهي الزراع. شمال سوريا ليس مرآة صافية، بل فسيفساء من وجوه ولهجات ورايات. والكورد، إن أرادوا أن يكونوا بُناة فجر لا أسرى أطماع، عليهم أن يغزلوا كفن التفرقة بيد المصالحة، وأن يكتبوا على جدران المدن الممزقة قسماً: أن لا ديمقراطية لهم إلا بديمقراطية جيرانهم.

ثم، هناك وجع آخر يُدق على الأبواب: العرب الذين نسوا جيرانهم، الذين تركوا اللغة الكوردية تغترب على ألسنتهم، كما تغترب الأغاني الحزينة في سوقٍ لا يعرفها أحد. كم غريب أن يتعلم العربي لهجة السلاطين من مسلسلات الحب، ويعجز عن التقاط كلمة من لغة الكورد، جيرانه منذ ألف ربيع!

وقد بادر بعض الحكماء في الشمال، ففتحوا نوافذ الحوار، كمسعود بارزاني حين أطلق "شمس"، لتخترق ظلمة الجهل ولتعانق قلوب العرب بخبر الكورد. يا ليت العرب يفهمون أن من لا يتعلم لغة جاره، يبقى أسير جهله حتى لو ملك الأرض بطولها.

وفي ركن آخر من المسرح المنكوب، يتكلم رجل اسمه أحمد الشرع، يتحدث باسم سوريا وكأنّ البلاد لا تزال تحت قدميه، فيما الواقع يصفعه بحقيقة أكثر قسوة: سوريا، كما يعرفها، صارت شظايا. من الفرات حتى الساحل، ومن الجنوب حتى الضفاف البعيدة، تفرقت الدماء، وتبعثرت البيارق.

يتكلم عن وحدة لا يملك مفاتيحها، وعن بناء لا يملك حجارته. وعد، فخانت الأرض وعده. أقسم، فخانته البنادق. وها هو اليوم، ظلٌّ يتحدث تحت شمس لم تعد له، كمن ينادي في وادٍ أجفلت فيه الدواب وهجره البشر.

ثم يأتي من يتكلم عن "بناء جيش"، كأن منبت الشر لم يكن في السلاح ذاته! من أي شجرة خرافية سيقطفون جيشاً نقياً، فيما جذوره مغروسة في أرض النصرة والرايات السوداء؟ كيف يسلم الغرب عتاده لجيش، قادته كانوا بالأمس طلاب مبايعة في مدارس الخراب؟

سوريا لا تحتاج بنادق جديدة، بل تحتاج قلباً لا يخون، وعيناً لا تغمض عن الألم، ولساناً لا يخون الكلمة. تحتاج دستورًا تُكتب سطوره بدم الضمير لا دم الفصائل.

وهكذا، بين وهم الانسحاب وأحلام الفيدراليات، بين الوعود العرجاء والمفاوضات العقيمة، تئنّ سوريا. على جسدها الممزق تتسابق الأيادي، وكل يدٍ تدّعي أنها المخلّص، وما يدري الحالمون أن الإنقاذ لا يأتي من الخارج، بل يولد من داخل الرماد.

وسلام، على أرضٍ تعلّمت أن تحيا رغم أنف الخرائط، وتغني للتراب الذي لا يخون.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتاهة السورية: بين سراب السيادة وظلال الأطياف الإقليمية
- نسيج الأقطار: سيمفونية الصراع ورنين الأمل
- أردوغان في متاهة السياسة: بين سندان الداخل ومطرقة الخارج.. ه ...
- العاصفة الصامتة: كيف حوّلت الصين ساحة الحرب الاقتصادية إلى ر ...
- أطياف النفوذ وسراب القوة: إيران والعراق في متاهة التحولات ال ...
- لعبة المصالح: الدبلوماسية بين الوهم والواقع في ظل صراع الأجن ...
- تأملٌ في متاهات الهويّة وسراديب السلطة
- أحجية السلطة والدماء: سردية القمع في مرايا التاريخ التركي
- رقصة الموتى على أنقاض الضمير: سوريا وتأملات في انكسار المرآة ...
- بين لعنة الجغرافيا وخيانة الجيوسياسة: القضية الكوردية في مهب ...
- أوتار الحرية… بين ناي الصمت وطبول النسيان
- ظلال التاريخ وغدرة الزمان: قراءة نقدية في نوايا تركيا تجاه ا ...
- حين تنحني الكلمات لروحٍ لا تنحني
- بين سيوف الطغاة ومكر الساسة: الأكراد في متاهة الجغرافيا والد ...
- السياسة التركية بين الخوف والتبعية: بين الجغرافيا السياسية و ...
- سوريا: أوديسة الوجود بين صراع الآلهة الأرضية وجغرافيا الدم
- تأمل في سوريا: بين الفوضى والأمل
- متاهة التوافق المدمر: تركيا، إسرائيل والرقص الدقيق للشرق الأ ...
- الكورد، القضية والوجود: بين حلم الدولة وواقع القمع
- الكورد والجغرافيا السياسية: لعبة الشطرنج بين أنقرة وطهران


المزيد.....




- تقرير: لا تقدم في مفاوضات اتفاق الأسرى ووقف النار
- المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: المجاعة تتفاقم.. والقطاع يحتاج ...
- معظمهم من غزة.. 69 شهيداً في صفوف الأسرى منذ 7 أكتوبر عام 20 ...
- ما دور الجامعات الإسرائيلية في قتل وتعذيب الفلسطينيين؟
- طهران تستدعي دبلوماسيًا بريطانيًا احتجاجًا على اعتقال مواطني ...
- أونروا: 92% من منازل غزة مدمرة.. وأعداد النازحين لا حصر لها ...
- مفاوضات تبادل الأسرى.. نتنياهو بين ضغوط أميركية وتهديد بإسقا ...
- دمار واسع ونزوح مستمر في جنين واعتقالات في بيت لحم والخليل
- الأونروا: 92% من المنازل في غزة دمرت أو تضررت
- إيران تستدعي دبلوماسيا بريطانيا بعد -أزمة الاعتقالات-


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - أغاني التراب: حين تسافر الأمم في ليلها الطويل