أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بوتان زيباري - رمادٌ لم يُدفن: كيف يُعاد تدوير الجريمة في ذاكرة الأمم؟














المزيد.....

رمادٌ لم يُدفن: كيف يُعاد تدوير الجريمة في ذاكرة الأمم؟


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8336 - 2025 / 5 / 8 - 09:51
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


في حضرة التاريخ، لا شيء يموت تمامًا. فحتى الجثث التي دُفنت في أعماق الذاكرة الجمعية، قد تعود، لا بأجسادها، بل بأفكارها، برموزها، بأشباحها التي تسكن الكلمات والخطابات والسياسات. من هنا، يحق لنا أن نسأل: من ذا الذي يملك الحق في كتابة الرواية؟ ومن ذا الذي يُمنح سلطة البكاء أو الصراخ أو حتى الصمت؟

لقد بات من المألوف في زمننا أن يتحوّل السفّاح إلى أيقونة، لا لأن جرائمه كانت أقل قسوة، بل لأن الذاكرة قد عُجنت في مطبخ السلطة، وغُسلت بالألوان الوطنية حتى غدت القسوة بطولة، والقمع حكمة، والخيانة حنكة دبلوماسية. نرى تماثيلهم في الساحات، أسماؤهم على الشوارع، وتُدرّس سياساتهم على أنها دروس في "الحزم". لا عجب، إذًا، أن يصبح الناجي متّهمًا: يُسأل عن صمته حين لم يكن يملك صوتًا، ويُدان لأنه نجح في الإفلات من المقصلة.

الناجي، في منطق الدولة، دائمًا مشتبه به. نجاته ليست دليلًا على الحياة، بل على الخيانة المحتملة. فهل كان متواطئًا؟ لماذا لم يُقتل؟ ولماذا يتكلم الآن؟ وهكذا، تتبدل ملامح الضحية شيئًا فشيئًا، حتى يغدو صدقه خطرًا على استقرار الأكاذيب.

أما الشاهد، الذي رأى وسَجّل وتحمّل، فلا يُستدعى للإضاءة على ما حدث، بل يُستغل لتبرير ما يحدث. شهادته لا تُقرأ ببراءتها، بل تُقطع وتُعاد تركيبها، كي تخدم معركةً أخرى لا علاقة لها بجراحه. يصبح أداة، يُمسك أحدهم صوته كما تُمسك بندقية، ويوجه بها ضربة في نزاع جديد، قد يشبه النزاع القديم، لكنه أكثر تعقيدًا وأقل شرفًا.

نحن لا نعيش ما بعد الحرب، بل نعيش في ظلالها. الحرب، في جوهرها، لم تكن معركة بين جيوش، بل بين سرديات. وكلما اعتقدنا أن معركة السرد انتهت، خرجت من ركام النسيان سردية جديدة، ترتدي قناع الضحية وهي تقود المجزرة.

تلك الرموز التي لم تُدفن بعد، لا تزال تمطر رمادها علينا. رماد الأيديولوجيات التي تكسّرت ولم تُحاسب. رماد الصفقات التي أبرمت في العتمة، وتُكرّر اليوم في وضح النهار. رماد الأسئلة التي لم تُجب، والقبور التي لم يُزَرها أحد، لأن في زيارتها اعترافًا، وفي الاعتراف خطرًا على بناء السلطة.

أيُّ سماء هذه التي نعيش تحتها، حين تمطر التاريخ لا المطر؟ حين يُعاد تدوير الخوف، وتُصبغ الجريمة بلون جديد، وتُمنح الأعلام لقادةٍ كانوا يومًا جلاّدين؟

إن سخرية التاريخ ليست في عبثية ما وقع، بل في جديّة من يُصرّ على إعادة ارتكابه، وهو يرتدي ربطة عنق، ويتحدث عن الاستقرار. إنها مأساة من نوع مختلف: مأساة المُنقَذ الذي يُطلب منه أن يشكر من أنقذه من النار التي هو نفسه أشعلها.

إننا لا نحتاج إلى كتابة التاريخ من جديد، بل إلى دفنه كما ينبغي. إلى عدالة لا تكتفي بنصب النُصُب التذكارية، بل تزيح التماثيل التي وُضعت فوق الجراح كي لا تُرى.

لعل أكبر أكذوبة في عالم ما بعد الحرب هي أننا تجاوزناها. أما الحقيقة، فهي أننا فقط بدلنا زيّ المعركة، وتركنا الرماد يتساقط دون أن نرفع رؤوسنا لنسأل: هل انتهت النار حقًا؟



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأمل في مشهدٍ يتدحرج من السلة إلى السلطة
- حين تتهامس الجغرافيا بالعقل: التأمل في مصير وطن تحكمه الأطيا ...
- تحت ظلال قامشلو: أنشودة الكورد في خريف العصور
- أغاني التراب: حين تسافر الأمم في ليلها الطويل
- المتاهة السورية: بين سراب السيادة وظلال الأطياف الإقليمية
- نسيج الأقطار: سيمفونية الصراع ورنين الأمل
- أردوغان في متاهة السياسة: بين سندان الداخل ومطرقة الخارج.. ه ...
- العاصفة الصامتة: كيف حوّلت الصين ساحة الحرب الاقتصادية إلى ر ...
- أطياف النفوذ وسراب القوة: إيران والعراق في متاهة التحولات ال ...
- لعبة المصالح: الدبلوماسية بين الوهم والواقع في ظل صراع الأجن ...
- تأملٌ في متاهات الهويّة وسراديب السلطة
- أحجية السلطة والدماء: سردية القمع في مرايا التاريخ التركي
- رقصة الموتى على أنقاض الضمير: سوريا وتأملات في انكسار المرآة ...
- بين لعنة الجغرافيا وخيانة الجيوسياسة: القضية الكوردية في مهب ...
- أوتار الحرية… بين ناي الصمت وطبول النسيان
- ظلال التاريخ وغدرة الزمان: قراءة نقدية في نوايا تركيا تجاه ا ...
- حين تنحني الكلمات لروحٍ لا تنحني
- بين سيوف الطغاة ومكر الساسة: الأكراد في متاهة الجغرافيا والد ...
- السياسة التركية بين الخوف والتبعية: بين الجغرافيا السياسية و ...
- سوريا: أوديسة الوجود بين صراع الآلهة الأرضية وجغرافيا الدم


المزيد.....




- تسجيل صوتي يكشف تفاصيل مرعبة عن فقدان برج مراقبة بمطار أمريك ...
- لابوبو..كيف تحوّلت دمية صينية إلى ظاهرة موضة عالمية؟
- روسيا تؤكد التزامها بالهدنة لمدة 3 أيام لكنها -ترد- على الهج ...
- إسرائيل تستهدف جنوب لبنان بسلسة غارات جوية رغم سريان اتفاق و ...
- حجاج بريطانيون يبحرون من لندن إلى مكة من أجل الأيتام
- باكستان تُسقط -مسيّرات- أطلقتها نيودلهي، والهند تعلن -تحييد- ...
- إختراق واتساب - ميتا تكسب القضية ضد شركة -إن إس أو- لبرامج ا ...
- الدفاع الروسية: جميع قواتنا بمنطقة العملية العسكرية التزمت ب ...
- احتجاز 44 شخصا في باريس خلال أعمال شغب أثناء مباراة -باريس س ...
- لجنة التحقيق الروسية تنشر تقريرا حول أدائها في كشف وتوثيق جر ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بوتان زيباري - رمادٌ لم يُدفن: كيف يُعاد تدوير الجريمة في ذاكرة الأمم؟