أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بوتان زيباري - سوريا بين رُكام الشرق وحُمى الغرب: عن الأويغور، إسرائيل، وخرائط الصفقات














المزيد.....

سوريا بين رُكام الشرق وحُمى الغرب: عن الأويغور، إسرائيل، وخرائط الصفقات


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 10:48
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


في قلب هذا الخراب الممتد من جبال حلب إلى سهول درعا، تتشكّل من تحت الأنقاض خرائطٌ جديدة للمنطقة، لا يرسمها شعبها بل تُخطّط بأقلام استخباراتية، وتُكتب بمِداد المصلحة، وتُوقّع بأصابع ترتجف من هول التاريخ. ليست الأزمة السورية مجرّد صراع داخلي، بل هي امتحان وجودي طويل يفضح هشاشة السرديات، ويكشف كيف يمكن أن تُستخدم الجغرافيا كجبهةٍ لتصفية الحسابات الكونية.

وفي طيّات هذا المشهد المتصدّع، تبرز قضية ضمّ آلاف المقاتلين التركستاني الإيغور – أولئك الذين نزحوا من سجون الصين إلى خنادق إدلب – إلى الجيش الوطني السوري. ما بين سطور هذا القرار تتسرّب أسئلة محرجة بحجم جرح الوطن: كيف لمن وُصفوا يوماً بأنهم متطرفون خطيرون، أن يتحوّلوا بين ليلة وضحاها إلى "إخوة السلاح"؟ هل تغيرت الحقائق فعلاً، أم أننا ببساطة نعيد طلاء الوجوه بالألوان التي تناسب الراعي الدولي؟ وهل الجيش الوطني صار جيشاً سورياً حقاً، أم بات كتيبة مستأجرة في خدمة حسابات واشنطن وأنقرة وتل أبيب؟

لسنا هنا إزاء مجرّد قرار عسكري، بل أمام عملية تجميل كبرى لصفحة مشوّهة في كتاب الجهاد المعولم. فالإيغور، الذين فرّوا من قمع الصين، استخدمهم النظام التركي كأوراق ضغط في وجه بكين، ثمّ جاءت اللحظة المناسبة لإلقائهم في سلة المهملات السورية. إنها الهدية التركية للصين عبر البوابة الأمريكية، والمفارقة أن هذه "الهدية" تُقدم على شكل كتيبة مقاتلة تحت إشراف مباشر من البنتاغون! فهل نحن أمام جيش وطني سوري، أم أمام ذراع عسكرية هجينة، تقاتل في خدمة أهداف لا تمتّ للثورة ولا لسوريا بصلة؟

ولنكن صرحاء: من هو صاحب القرار في هذا الضمّ؟ هل هو أحمد الشرع، من يلوّح بالشفافية وكأنه ملاك طهراني، أم هو البيت الأبيض الذي اكتشف فجأة أن هؤلاء "المتطرفين" يمكن تطويعهم ضمن سردية "مواجهة الصين"؟ ومن يضمن أن كتيبة كهذه – ذات خلفية أيديولوجية صلبة – لن تعيد إنتاج نسخة جديدة من "هيئة تحرير الشام"، هذه المرة بعقيدة أكثر تشابكاً مع استخبارات العالم؟

الحقيقة المُرّة أن سوريا، اليوم، تتحول إلى ملعب مفتوح لتجريب استراتيجيات متعددة الأبعاد: الصين تُحاصر من الجبهة السورية عبر الإيغور، وإسرائيل تُطبّق رؤيتها للأمن المشترك مع "سوريا الجديدة"، والولايات المتحدة تحاول إنشاء جسرٍ جديد نحو آسيا، يبدأ من أطراف إدلب. حتى باكستان والهند تجد لهما نصيباً في هذا الجنون الجغرافي، حيث تُستغل قضية الإيغور لتفجير صراعات إضافية تجرّ العالم الإسلامي بعيداً عن القدس وغزّة، لتُعاد صياغة "العدو" بلون صيني هذه المرة.

وما يُثير الغثيان فعلاً هو محاولات بعض السوريين التماهي مع هذه الهندسة الجيو-أمنية، وتقديمها على أنها "فرصة استراتيجية" أو حتى "مكسب عسكري"! وكأن دماء السوريين قد أصبحت رخيصة لدرجة تُقدَّم فيها قواعد ومخيمات على طبق من فضة لكل من هبّ ودبّ، بحجة الدفاع عن "الثورة". لكن أي ثورة هذه التي تستبدل ديكتاتوراً بميليشيا مُبرمجة وفق أجندات إقليمية؟ وهل صرخات درعا كانت تستدعي يوماً تدخل الإيغور أو تسليحهم من واشنطن؟

أما الكارثة الأكبر، فهي تصوير هذه اللعبة كجزء من مسار تطبيع جديد مع إسرائيل، بحجة "الأعداء المشتركين". فهل يُعقل أن تصبح الصين وإيران أعداءً أكثر خطورة من بشار الأسد وحزب البعث؟ هل تذوب الذاكرة الشعبية بهذه السهولة؟ وكيف تُفسَّر الدعوات "الشفافة" للتعاون الأمني مع تل أبيب، وكأن فلسطين لم تُجتز بعد من ذاكرة السوريين؟

ما يحدث اليوم هو إعادة تدوير لما شهدناه في أفغانستان: استثمار الإسلام المسلح ضد الشيوعية، وتغليف الجهاد بورق المصالح. ولكن هذه المرة، اللعبة أكثر خبثاً: سوريا لم تُستشر، بل جُرّت جراً إلى خنادق الآخرين. وما الجيش الجديد – الكتيبة 84 – إلا رأس حربة في هذا المشروع: جيش بأذرع إيغورية، وعقول أمريكية، وإشراف إسرائيلي، يتسلل إلى قلب الخارطة السورية ليحوّلها إلى خط مواجهة مباشر ضد الصين، ولتكون حلب أو درعا أو إدلب امتداداً لحرب تكنولوجية اقتصادية تدور بين بكين وواشنطن.

وماذا بعد؟ سوريا الآن باتت أقرب – حسب بعض التقديرات الغربية – إلى التطبيع مع إسرائيل أكثر من أي دولة عربية أخرى، لأن 40% من الشعب – حسبهم – "لا يمانع"! إنه تسويق فجّ لعقيدة نفعية لا تستند إلى عمق حضاري أو وعي تاريخي، بل إلى تعب المجاعة والانكسار. فأي شعب منهك يمكن أن يُدفع إلى القبول بأي حل، حتى لو كان من يد عدوّه. لكن التاريخ لا يُكتب بالتعب وحده، بل بالبصيرة.

إن سوريا اليوم لا تحتاج إلى مزيد من الخطابات المؤدلجة، بل إلى لحظة وعي أخلاقي. لا بأس أن نقول إن الضرورات أحياناً تفرض خطوات مريرة، لكن من المخزي أن نحاول تسويقها كـ"نصر أخلاقي". فالأويغور ليسوا ملائكة، ولا أدوات بريئة. ودماء السوريين لا يجب أن تُستبدل بشعارات الجهاد ضد بكين، ولا أن تُباع في سوق "الصفقات الذكية" بين أنقرة وواشنطن وتل أبيب.

إذا كنا قد فشلنا في منع الحرب، فلننجح – على الأقل – في قول الحقيقة. فلنكتب تاريخنا بأيدينا، لا بأقلام الآخرين، ولنحترم أرواحنا الميتة والممزقة أكثر من احترامنا لأجندات العواصم. فربما يأتي يوم نُسأل فيه: لماذا جعلتم من سوريا مختبراً للخرائط، لا وطنًا للكرامة؟



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تركيا والكورد في مفترق الطرق
- انفصال المعنى عن الفعل الإنساني: المأساة الصامتة للمجتمع الح ...
- رحلة الكُرد نحو الذات السياسية
- بين سُحب التقسيم ووهج الاتفاق: رقصة الأضداد في ظل الشرق المض ...
- أقنعة الاستبداد: سوريا بين مطرقة التقديس وسندان التماثل الخف ...
- لعبة التوازن بين الحوار والقمع في الملف الكوردي التركي
- انفتاح الغرب... نافذة خلاص أم قيد ناعم؟
- شاطئ الخوف: تأملات في ظل صمت البنادق
- حين تتكلم الجبال ويسكت العالم
- على درب السلام، أين تقف الوعود؟
- رمادٌ لم يُدفن: كيف يُعاد تدوير الجريمة في ذاكرة الأمم؟
- تأمل في مشهدٍ يتدحرج من السلة إلى السلطة
- حين تتهامس الجغرافيا بالعقل: التأمل في مصير وطن تحكمه الأطيا ...
- تحت ظلال قامشلو: أنشودة الكورد في خريف العصور
- أغاني التراب: حين تسافر الأمم في ليلها الطويل
- المتاهة السورية: بين سراب السيادة وظلال الأطياف الإقليمية
- نسيج الأقطار: سيمفونية الصراع ورنين الأمل
- أردوغان في متاهة السياسة: بين سندان الداخل ومطرقة الخارج.. ه ...
- العاصفة الصامتة: كيف حوّلت الصين ساحة الحرب الاقتصادية إلى ر ...
- أطياف النفوذ وسراب القوة: إيران والعراق في متاهة التحولات ال ...


المزيد.....




- البيت الأبيض يعلق لـCNN على ادعاء إيلون ماسك بشأن -وجود ترام ...
- -تصعيد جديد- بين إيلون ماسك وترامب: أغنى رجل في العالم يدعو ...
- كم بلغت خسائر إيلون ماسك بسبب منشوراته؟
- حماس تعلن جاهزيتها لمفاوضات حول هدنة جديدة وإسرائيل تقتل 37 ...
- -بومة الليل-.. دراسة صادمة تكشف سر تدهور الدماغ لدى محبي الس ...
- مصادر تكشف لـCNN عن تحويل الجيش الأمريكي وسيلة تستخدمها أوكر ...
- دونالد ترامب وإيلون ماسك من التحالف إلى العداء، فما القصة؟
- ترحيلات جماعية بأعداد قياسية: هل -تعاقب- الجزائر النيجر؟
- السودان: إطلاق مضادات للطيران في بورت سودان بالتزامن مع تحلي ...
- هجوم روسي واسع على أوكرانيا بالصواريخ والمُسيرات


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بوتان زيباري - سوريا بين رُكام الشرق وحُمى الغرب: عن الأويغور، إسرائيل، وخرائط الصفقات